محمد نور الدين
يعمل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بلا كلل، لإزاحة كلّ العوائق التي يمكن أن تعترض طريق فوزه بدورة رئاسية جديدة. فبعد إبعاد رؤساء البلديات الأكراد وتعيين موالين للسلطة ليحلّوا محلّهم، ومِن بَعده إقصاء رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، يتّجه إردوغان، عبر السلطة القضائية، إلى حظر «حزب الشعوب الديموقراطي»، الذي يملك قاعدة شعبية تخوّله اختيار الرئيس المقبل للبلاد، علماً أن الحزب قرّر المضيّ بمرشّح مستقلّ بمعزل عمّا تقرّره «طاولة الستة»
يواصل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، هندساته السياسية، تارة باستهداف المعارضة الرئيسة لحُكمه، وتارة أخرى بالتصويب على المعارضة «الحاسمة» المتمثّلة في «حزب الشعوب الديموقراطي» الذي يُعبّر عن غالبية القاعدة الكردية في تركيا. فبعد الخطوات التي خطاها في اتّجاه إضعاف «القاعدة البلدية» لهذا الحزب، عبر إقالة عدد كبير من رؤساء البلديات التابعين له في أعقاب فوزهم بانتخابات 2019، وتعيين موالين للسلطة بدلاً منهم، تمثّلت خطوة إردوغان الثانية الكبيرة في رفْع دعوى السجن والحظر السياسي على رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أحد أبرز مرشّحي المعارضة المحتمَلين للانتخابات الرئاسية. وإذا كانت الدعوى تنتظر قرار المحكمة العليا لبتّها نهائياً – وهذا قد يتأخّر حتى موعد الانتخابات الرئاسية -، إلّا أنها أَربكت المعارضة، وجعلت من إمكانية ترشيح إمام أوغلو مستبعدة جدّاً، على اعتبار أن ذلك، معطوفاً على احتمال صدور قرار الحظر قبل الانتخابات، سيطيح الرجل. لذا، بات كمال كيليتشدار أوغلو، زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، المرشّح الذي يمكن أن تجتمع على اسمه «طاولة الستّة»، على رغم تحفّظ بعض أعضائها على كون الزعيم المذكور علوياً، وهو ما يمكن أن يحدّ من فرص نجاحه في مواجهة إردوغان.
أمّا الخطوة الثالثة من «الهندسات السياسية» التي يقوم بها القضاء نيابة عن إردوغان، فتمثّلت في قراره، الأسبوع الماضي، وقْف الدعم المالي عن «الشعوب الديموقراطي»، كمقدّمة لدعوى حظر الحزب التي تقدَّم بها، الثلاثاء، المدّعي العام للجمهورية، بكر شاهين، إلى المحكمة الدستورية المخوّلة حسْم القرار. والمسار القضائي في عملية الإغلاق، شأنه شأن مسار سجن أكرم إمام أوغلو، مفتوح، ولا يرتبط بمدّة زمنية محدّدة، وهو ما يُعدّ سيفاً مصلتاً على المعارضة العلمانية والكردية، ولا سيما أن خطوات القضاء تتحدَّد وفقاً للمصالح السياسية المستجدّة لحزب «العدالة والتنمية» والمرتبطة بطبيعة الحال بالانتخابات الرئاسية.
ومن شأن هذه الخطوة أن تربك الحزب الكردي، إذ يمكن تبنّي قرار حظْره في أيّ لحظة، الآن أو عشيّة الانتخابات العامة، والتي يعوّل عليها «الشعوب الديموقراطي» لدخول البرلمان بعدد وازن من النواب. وإذ رأى الرئيس الموازي للحزب، مدحت سنجار، أن دعوى إغلاقه «سياسية» وليست قضائية، وأن «مَن يقف وراءها معروف، وهو حزب العدالة والتنمية، وشريكه حزب الحركة القومية»، فهو قال إنه سيطلب من المحكمة الدستورية تأجيل إعلان قرارها إلى ما بعد الانتخابات. وعلى رغم الضغوط التي يتعرّض لها «الشعوب الديموقراطي»، إلّا أنه أعلن أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية بمرشّح خاص به، وأن قراره «مستقلّ ولا يُتّخذ بناءً على خطوات الأحزاب الأخرى»، في إشارة إلى أن أحزاب المعارضة لم تعلن بعد عن مرشّحها. وأثار القرار الذي أعلنته برفان بولدان، ردود فعل مختلفة أَجمعت على أنه سيغيّر التوازنات السياسية، إذ سيضع معارضة «طاولة الستّة» تحت المجهر، وخصوصاً لجهة الأسلوب الذي ستتبعه في تحديد اسم مرشّحها.
يمكن تبنّي قرار حظْر الحزب في أيّ لحظة، الآن أو عشيّة الانتخابات العامة
ويقول الباحث السياسي، سعاد أوز جلبي، إن «إعلان الحزب أنه سيتقدّم بمرشّحه هو ردّ فعل على ما كان متوقّعاً من رفع قضيّة إغلاق ضدّه، وإنذار إلى السلطة والمعارضة معاً بأنه هو مفتاح الفوز لأيّ مرشّح رئاسي من أيّ جهة أتى». ويرى أوز جلبي أن «العدالة والتنمية سيكون مسروراً من هذا القرار، لأنه سيمنع فوز مرشّح المعارضة من الدورة الأولى، وسيفتح الباب أمام مساومات في الدورة الثانية»، فيما يمكن أيضاً أن يفتح الباب أمام مساومات مع عبد الله أوجالان القابع في سجن إيمرالي، كما حصل عشيّة الانتخابات البلدية الماضية من أجل تحفيز الناخبين الأكراد على التصويت لإردوغان. ووفق الباحث، فإنه «في حال عدم فوز أحد المرشّحين للرئاسة من الدورة الأولى ونيل السلطة الغالبية النيابية، فإن باب مساومة الصوت الكردي سينفتح على مصراعيه لمصلحة إردوغان في الدورة الثانية، التي تجرى عادة بعد أسبوعَين من الدورة الأولى».
في هذا الجانب، يرى عضو «حزب الشعب الجمهوري»، محمد يولا، أن عملية إقالة رؤساء البلديات الكردية، والعمل على إغلاق «حزب الشعوب الديموقراطي»، «يصعّبان على الحزب الكردي الميْل إلى التصويت لإردوغان، وعليه، فلا بدّ من فتح قنوات اتصال بينه وبين معارضة الستة». وبحسب يولا، فإن كيليتشدار أوغلو «شخصية موحِّدة للقوى الديموقراطية لمواجهة السلطة. وهذا يجب أن يكون عامل توحيد»، وخصوصاً أن «خصوم حزب الشعوب الديموقراطي مثل حزب الله (التركي)، وحزب الهدى، ينسّقون ويتعاونون مع إردوغان، ولذا، فعلى المعارضة أن تتباحث مع الحزب الكردي». من جهته، يلفت مليح ألتين أوق، في صحيفة «صباح» الموالية، إلى أن «المعارضة تجد نفسها متردّدة في خياراتها، لأن كلمة السرّ من وراء الأطلسي (الولايات المتحدة) لم تأتِ بعد. إن تهمة ارتباط حزب الشعوب الديموقراطي بالإرهاب ثابتة ويعرفها 85 مليون تركي».
وفي صحيفة «خبر تورك»، تقول سيفيلاي يلمان إن «كلّ الزيادات المالية على رواتب الموظفين لم تَفلح في تعزيز موقع إردوغان لدى الناخب التركي. لذا، سيكون صعباً فوزه من الجولة الأولى، وستكون معجزة إذا ما فاز مرشّح طاولة الستة من الدورة الأولى». وفي ظلّ وجود مرشّح ثالث للحزب الكردي – قد يكون القيادية الكردية، غولتكين قيشاناق، المعتقَلة في السجن -، ستنتقل الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية. ولكن، لمَن سيصوّت حينها الناخب الكردي؟ تجيب يلمان بأن الأخير، بمعزل عن نسبة مَن سيذهب في الدورة الثانية إلى التصويت، هو الذي سيقرّر مَن هو الرئيس المقبل.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية