نبيه البرجي
يحق لبنيامين نتنياهو، كملك لليهود، ألاّ يكترث بنصائح وملاحظات جو بايدن. الرئيس الأميركي ليس خائفاً على “اسرائيل” من العرب (باستثناء دحرها في لبنان، متى خافت من العرب؟)، وانما من… “اسرائيل”!!
مثيرة التعليقات التي ظهرت أخيراً على مواقع التواصل. اضافة الى ظهور نتنياهو بشاربي أدولف هتلر “نحن على بعد خطوة من أن نصبح جمهورية الموز”،”ها أننا نحزم حقائبنا للمغادرة بعدما طردوا يهوه من أرض الميعاد”، “هل تتحول اسرائيل من دولة للنخبة الى دولة للحثالة” ؟”، لعله الانتقال من الدولة ـ الغيتو الى الدولة ـ الزنزانة”.
هذه التعليقات تعكس المناخ السيكوسياسي في “اسرائيل”. جنرالات وأكاديميون ومثقفون يخشون من ابتعاد الغرب عنهم، حين تحل الديكتاتورية محل الديموقراطية. المواجهات أمام “الكنيست” أظهرت مدى الانكسار داخل المجتمع وداخل الدولة. ناحوم ناربيع يستغرب كيف أن الجنرالات أكثر رؤيوية من الساسة في فهم “النموذج الاسرائيلي” في الشرق الأوسط، كما في العالم.
اسئلة من قبيل “هل نضع رؤوسنا بيد أصحاب العيون الزجاجية، أو أصحاب العيون الخشبية ليحكمونا”؟
ماذا حين يقول دانييل بايبس، المؤرخ اليهودي الأميركي ومدير منتدى الشرق الأوسط، “من هنا يبدأ سقوط الهيكل الثالث”، مستذكراً كيف أن الملك اليهودي أغريبا الثاني، وشقيق الأميرة برنيكي (برنيس)، عشيقة القائد الروماني تيتوس، تواطأ مع هذا الأخير لتدمير الهيكل الثاني في عام 70 ميلادي. كلام بايبس تزامن مع مقالة لنيكولاس كريستوف في “النيويورك تايمز” حث فيها الادارة على قطع تدريجي للمساعدات التي تقدمها بلاده لـ “اسرائيل”.
سأل “هل من المنطقي أن نستمر في أداء مبلغ هائل (3.8 مليارات دولار سنوياً) لبلد ثري؟ هذا تبديد للموارد الشحيحة، ويخلق علاقات غير صحية تضر بالبلدين”. علماً بأن أسرة سالزبرغر اليهودية، هي التي تملك الصحيفة كأحد رموز “الدولة العميقة”، ما يشي بوجود نخب يهودية تعارض بشدة جنوح “اسرائيل” نحو “الداعشية التوراتية” البعيدة كلياً عن لغة القرن…
ما يستشف من التعليقات والمواقف الأميركية، أن هناك مخاوف حقيقية من “ثقافة الغباء” التي تحكم عقل أهل اليمين الذين أولويتهم شن الحرب ضد لبنان، لاعتقادهم أن تطوير الترسانة الصاروخية لحزب الله، وكذلك المسيّرات، لا تهدد أمن “اسرائيل” فحسب وانما وجود “اسرائيل” بالذات، في حين أن واشنطن تصر على الهدوء في المنطقة الى أن ينجلي الوضع في أوكرانيا.
هذا مع اعتبار أن الهروب العسكري الى الخارج تقليد قديم في “اسرائيل” التي تتنقل من مأزق سياسي الى مأزق آخر. لكن ما تنشره معاهد البحث يؤكد رفض هيئة الأركان لأي عملية عسكرية ضد لبنان. لن تكون “تل أبيب” فقط هدفاً للصواريخ التي تفوق بأضعاف، من حيث الدقة والطاقة التفجيرية، الصواريخ التي أطلقت من غزة.
هناك المسيّرات المتطورة. مثلما وصلت المسيّرات الأوكرانية الى موسكو بالرغم من الشبكات الالكترونية الهائلة (وكانت فضيحة مجلجلة للدفاعات الروسية)، لا بد أن تصل مسيّرات الحزب الى غرفة نوم نتنياهو
لائتلاف الحاكم لم يرضخ للتظاهرات، ولم يأبه بـ “نوعية” المتظاهرين، كما لم يتوقف عند الملاحظات الأميركية. الأهم أنه تجاهل التداعيات الكارثية للتصدع الداخلي (هنا الصراع بنيوي ويتعلق بصيغة الحكم).
هذا لم يقتصر على المؤسسة المدنية. معهد أبحاث الأمن القومي أشار الـ “خطر التفكك في جيش الشعب”، مع اعتبار تقديس غالبية “الاسرائيليين” للجيش كونه الذراع التوراتية التي كرست قيام الدولة وبقاءها.
لكن منظّري اليمين يعتبرون أن الحرب ضد لبنان وحدها تعيد توحيد الجيش، وحمايته من التفكك. هذا ما يصفه أركان المعارضة بـ “الخيار الانتحاري”، لأن الصواريخ ستحرق المدن الاسرائيلية، كما أن حزب الله وضع في أولوياته تدمير منصة الغاز القريبة من الشاطئ اللبناني، مع ما لذلك من نتائج رهيبة.
بطبيعة الحال لن نسأل ما الحل. التاريخ يبدو وكأنه يتقيأ نفسه، حين انقسمت مملكة سليمان بعد رحيله الى مملكتين، بقيتا لعقود طويلة في صراعات دموية. ما حصل قبل نحو 3000 عام قد يحدث الآن…
(سيرياهوم نيوز1-الديار)