علي حيدر
أقرّ رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، بوجود اتّصالات بين طهران وواشنطن من أجل التوصّل إلى تفاهمات ستحرص إدارة جو بايدن على ألّا تسمّيها اتّفاقات. ويعيد هذا المشهد ما سبق أن واجهته حكومة نتنياهو في عهد إدارة باراك أوباما، وإنْ في ظروف إقليمية ودولية مختلفة وفي ظلّ مخاطر أقلّ. ففي السابق، كان الفاصل بين قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي واتّخاذها قراراً بذلك، سنة كاملة بموجب اتفاق 2015، فيما التفاهمات الحالية تتمحور حول التسليم بالتموضع النووي الحالي لطهران، وعنوانها أن ما بينها وبين إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصناعة قنبلة نووية 12 يوماً فقط، بحسب إفادة رئيس أركان الجيوش الأميركية، مارك ميلي، أمام الكونغرس. ووفقاً لأعضاء «كنيست» شاركوا في جلسة للّجنة الخارجية والأمن مع نتنياهو، فإن جوهر التفاهمات العتيدة يقضي بامتناع إيران عن التخصيب بدرجة 90%، والاكتفاء بالمستوى القائم حالياً أي 60%، مقابل تحرير جزء من أموالها المحتجَزة في الخارج، تُقدّره تقارير إسرائيلية بما بين 20 و24 مليار دولار.
ad
مقالات مرتبطة
واشنطن – طهران: «الاتفاق المؤقّت»… على نار هادئة محمد خواجوئي
ويعود هذا التحوّل الجوهري في مضمون الصفقة، بشكل رئيس، إلى أن الاتفاق السابق لم يَعُد ذا صلة كما أكد نتنياهو سابقاً، فيما العمل على اتفاق بديل غير متاح في المدى المنظور، وخاصة في ضوء تمسّك إيران بشروطها المتّصلة بحصد نتائج ملموسة على المستويَين المالي والاقتصادي، ورفض ضمّ أيّ قضايا أخرى تتّصل بقدراتها الصاروخية وخياراتها الإقليمية إلى الاتفاق. يُضاف إلى ما تَقدّم، أن التقدّم التكنولوجي للبرنامج النووي الإيراني أفرغ أيّ محاولة لتنزيل التخصيب من معناها، بالنظر إلى أن طهران أضحت، في ضوء التطوّر الذي طرأ على أجهزة الطرد المركزي لديها، قادرة على رفع مستوى التخصيب بدرجات أعلى وبكمّيات أكبر في وقت أقلّ. كذلك، ثبت بالتجربة أن كلّ سياسات الترغيب والترهيب لم تنجح في ردع إيران عن مواصلة تطوير برنامجها النووي، وصولاً إلى نقطة بات معها بمستطاعها استخدام التلويح بدفع البرنامج قُدُماً، كلّما تعرّض لاعتداء يتجاوز خطوطاً معيّنة من منظور إيراني. وفي هذا الإطار، وبالاستناد إلى قانون مجلس الشورى الإيراني، يتّضح أن تطوير البرنامج النووي أصبح ملزماً للحكومة ومن دون سقف ما دامت العقوبات مفروضة على البلاد، حتى لا تبقى الأخيرة أسيرة تجربة حكومة الرئيس حسن روحاني، والتي لم تحصد مقابل التنازلات التي قدّمتها في اتّفاق عام 2015، رفعاً للعقوبات أو إفراجاً عن الأموال الإيرانية المحتجَزة.
ad
يعود التحوّل الجوهري في مضمون الصفقة، بشكل رئيس، إلى أن الاتفاق السابق لم يَعُد ذا صلة
إزاء ذلك، لم يبقَ أمام الولايات المتحدة سوى خيارَين: إمّا التصعيد العسكري ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، أو محاولة التوصّل إلى تفاهمات تؤجّل الاستحقاق النووي، وتحقّق لكلّ من الطرفَين مكاسب موضعية. ومن هنا تحديداً، بدأ الخلاف المستجدّ بين تل أبيب وواشنطن؛ إذ ترى الأولى في ما آلت إليه الأمور مناسبة لدفع الثانية إلى خيار عسكري، وهو ما عبّر عنه نتنياهو برفضه أيّ نوع من الاتفاقات بين إيران والولايات المتحدة. أمّا الأخيرة، فتحرص على تجنّب الصدام العسكري مع إيران وحلفائها ما دام ذلك ممكناً، وترى أن أيّ مواجهة عسكرية لن تؤدي إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني، بل ستتسبّب بتفجير المنطقة، وستدفع منُافسي واشنطن وخصومها الدوليين، وعلى رأسهم موسكو وبكين، إلى استغلال هذا الوضع من أجل تعميق المأزق الأميركي. وبالاستناد إلى هذه الرؤية، يتّضح سبب إقرار نتنياهو، في أحاديث مغلقة، بأن إسرائيل لا تستطيع التأثير على المسار القائم بين الولايات المتحدة وإيران.
ad
وبينما لا يزال رئيس الحكومة الإسرائيلية يحصر التفاهم بين واشنطن وطهران في إطار «الممكن»، فإن المؤسّستَين السياسية والأمنية تتعاملان معه على أنه أمر مفروغ منه، وأن تَحقّقه مسألة وقت غير طويل ليس إلّا. وفي هذا الإطار، رأى رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء تامير هايمن (2018 – 2021)، أن «إسرائيل لا يمكنها التأثير على هذه التفاهمات»، مضيفاً إن «الولايات المتحدة تبحث عن طريقة لوقف المسار الخطير الذي تسير فيه إيران»، والذي «سيوصلنا في حال استمراره إلى واقع خطير جدّاً». ومن موقعه كمسؤول سابق واكب التعامل مع الملفّ النووي الإيراني، أعاد هايمن تسليط الضوء على ما رآه «منشأ الخطأ» الإسرائيلي – الأميركي، عندما قرّرت إدارة دونالد ترامب الخروج من اتفاق 2015، ظنّاً منها أن إيران ستكون مردوعة عن الردّ بتطوير برنامجها النووي، معتبراً أنه «لو بقينا في الإطار نفسه ولم نخرج منه، لكُنّا في واقع أفضل بما لا يقارن بما هو قائم الآن. نعم، الخروج من الاتفاق عام 2018 زاد من سوء وضع إسرائيل، فيما المسار الحالي كما يبدو أسوأ بكثير». وفي إقرار صريح ومباشر بالعجز عن ردع إيران، تابع أنه «كلّما مرّ الوقت، لا شيء يحدّ إيران، نحن في وضع سيّئ جدّاً»، لافتاً إلى أن «الولايات المتحدة لن تشارك إسرائيل المسار الديبلوماسي، لأنها تعرف موقف الأخيرة المعارضة له».
ad
هكذا، يتّضح، أكثر من أيّ وقت مضى، بناءً على المواقف الرسمية وتحليلات الخبراء الإسرائيليين، أن التحدّي الذي كان ولا يزال ماثلاً أمام مؤسّسات القرار في إسرائيل، هو الفشل في ردع إيران عن مواصلة تطوير برنامجها النووي، أو دفعها إلى التخلّي عن ثوابتها المتّصلة بخياراتها الاستراتيجية. أمّا التحدّي الإضافي بالنسبة إلى الولايات المتحدة خصوصاً، فهو تَعزّز علاقات طهران مع خصوم واشنطن الدوليين، والذين باتوا يرون في إيران حليفاً استراتيجياً موثوقاً، يتمتّع بالتصميم والقدرة على مواجهة الهيمنة الأميركية.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية