يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين العدو الإسرائيلي وحركة «حماس»، بات على بُعد خطوات قليلة من دخوله حيّز التنفيذ، بحسب ما تشير إليه مصادر دبلوماسية عربية، مرجّحةً أن «يتمّ تفعيله بسرعة فور الانتهاء من إجراءات التوقيع الرسمي»، وهو ما تسعى الأطراف المختلفة لإنجازه ضمن مشاورات مكثّفة، بدأت مساء أمس.
وأكّدت المصادر، لـ«الأخبار» أنّ إسرائيل، التي عُرفت خلال الفترات الماضية بتباطئها في التفاعل مع المبادرات المطروحة، أصبحت اليوم «تُظهر اهتماماً كبيراً بالتنفيذ الفوري للاتفاق»، مضيفةً أن هذا الأخير يحمل طابعاً مؤقتاً مدّته ستون يوماً، لكنّ «التحدّي الحقيقي سيبرز في المرحلة التالية، حيث ستطفو على السطح قضايا خلافية شديدة الحساسية، على غرار ترتيبات ما بعد التهدئة، ومصير السلاح في قطاع غزة، وطبيعة الإدارة المدنية والإنسانية للقطاع خلال الفترة المقبلة».
وأفادت المصادر نفسها بأن الوسطاء المصريين والقطريين انهمكوا في نقاشات مع الجانب الأميركي حول «تفاصيل دقيقة للغاية بخصوص الاتفاق وآليات تنفيذه»، ضمن مشاورات وصفتها بأنها «الأعمق منذ اتفاق التهدئة الذي جرى التوصل إليه قبيل تسلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة».
وكانت حركة «حماس» سلّمت ردّها الرسمي للوسيطين المصري والقطري، وعنوانه الموافقة على الصفقة المعروضة مع تقديم ملاحظات تتعلق بثلاث نقاط مركزية: أُولاها، مطالبة الحركة بأن تتولى الأمم المتحدة الإشراف على عملية توزيع المساعدات في القطاع؛ وثانيتها، الإصرار على انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى المواقع التي كان يتمركز فيها قبل استئناف الحرب؛ وثالثتها، الحصول على ضمانات مكتوبة تكفل استمرار الهدنة خلال المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب، حتى لو تجاوزت مدة 60 يوماً. وذكرت المصادر أن «الوسطاء أبدوا تعاطياً إيجابياً مع ردّ الحركة، كونه لا يتجاوز إطار التفاهمات الجوهرية».
وعلى المقلب الإسرائيلي، تبدي المؤسسة الأمنية تأييدها المبدئي للصفقة الحالية، على الرغم من تفضيلها التوصّل إلى اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى الإسرائيليين في غزة. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر أمنية قولها إن هذا التوجّه «ينبع من خشية تل أبيب من أن مفاوضات التوصّل إلى اتفاق شامل قد تستغرق شهوراً طويلة، يضيع خلالها الزخم السياسي وتتفاقم الخسائر البشرية في صفوف الجيش والمحتجزين على حدّ سواء».
ولفتت الصحيفة إلى أنّ القيادة الأمنية الإسرائيلية تدرك أن إبرام صفقة جزئية يحمل في طيّاته «مخاطر»، قد تصل في أسوأ السيناريوات إلى تمكّن «حماس» من إعادة ترسيخ سيطرتها على القطاع والاحتفاظ بعدد من الأسرى، فيما «قد ترفض الإدارة الأميركية منح إسرائيل الضوء الأخضر لاستئناف الحرب لاحقاً».
التقى العامل السياسي الداخلي والضغط الأميركي لتأمين طريق نتنياهو نحو الصفقة
وفي الموازاة، برز العامل السياسي الداخلي كعنصر حاسم في دفع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، نحو القبول بالاتفاق، والدفع به قدماً على نحو «عاجل»، إذ ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، يعتزم الإعلان رسمياً عن وقف إطلاق النار في لقائه المقبل مع نتنياهو الإثنين، الأمر الذي دفع تل أبيب إلى تسريع تحرّكاتها تحسّباً لبدء مفاوضات غير مباشرة مع «حماس» في الدوحة.
كذلك، أشار موقع «واينت» العبري إلى أنّ نتنياهو يقول إن «الفرصة السياسية المتاحة لا تتكرّر إلا مرّة واحدة في كل جيل»، وإن عليه اغتنامها قبل أن تضيع. وفي هذا السياق، قال نتنياهو، في محادثات مغلقة، إن «على الطاولة اتفاقيات استراتيجية محتملة مع السعودية وسوريا ودول أخرى»، وإن وقف الحرب سيتيح له تسويق هذه الخطوات باعتبارها «انتصارات تاريخية» تحت قيادته.
من جهتها، رأت صحيفة «جيروزاليم بوست» أنّ نتنياهو «لم يعد في موقع يمكّنه من تجاهل مطالب ترامب بإنهاء الحرب»، خاصةً بعدما منحه الأخير ضوءاً أخضرَ لشنّ هجوم على إيران وشارك في قصف المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما لم يكن الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، ليوافق عليه في أي حال.
وأضافت الصحيفة أنّه عندما يقرّر ترامب أنّ «الوقت قد انتهى»، سيكون من الصعب على نتنياهو رفض الانصياع لرغبته. لكنّ الأخير يعمل على تقديم الصفقة للإسرائيليين باعتبارها نتيجة «تنسيق وثيق مع الصديق في واشنطن»، وليس ثمرة ضغوطه. وتدعم هذا النهج موجة احتجاجات متصاعدة لعائلات الأسرى، فضلاً عن تراجع معنويات الرأي العام الإسرائيلي الذي أنهكه طول أمد الحرب.
كما يدرك نتنياهو أن تمرير الاتفاق داخل حزب «الليكود» والائتلاف الحكومي، لن يكون مهمة يسيرة، وهو ما يدفعه إلى اعتماد خطاب مزدوج يطمئن فيه الجميع ويراهن على الوقت لتمرير المرحلة الانتقالية من دون تكاليف سياسية فورية، توازياً مع محاولته الحفاظ على الائتلاف من الانهيار، حتى دخول «الكنيست» العطلة الصيفية آخر الشهر الحالي، ما يمنح الحكومة «أماناً مؤقتاً».
وفي خضمّ ذلك، تأتي زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، كمحاولة لإعادة صياغة شبكة الحماية السياسية من الخارج، وضمان غطاء أميركي يقيه السقوط أمام خصومه الداخليين. ويجيء ذلك في الوقت الذي يسعى فيه لتجميد ملفّ محاكمته عبر تعزيز صورته كـ«رجل دولة» يحظى بشرعية وطنية وشعبية، وقادر على طرح رؤية «اليوم التالي» تحت عنوان «غزة منزوعة السلاح».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار