- يحيى دبوق
- الثلاثاء 2 آذار 2021
يبدو واضحاً أن لجوء إسرائيل إلى الردّ على استهداف سفينة لها في خليج عُمان، بالضرب مجدّداً في سوريا، يشي بالعجز عن استهداف المصالح الإيرانية في البحار، لا لناحية القدرة المادّية فحسب، إنما من زاوية الكلفة والجدوى والتبعات. ما أقدمت عليه تل أبيب، من ردّ رمزي بالقرب من دمشق، لن يكون من شأنه ردع إيران – إذا ما كانت الأخيرة مسؤولة بالفعل عن العملية -، بل قد تدفعها نحو تنفيذ المزيد من العمليات البحرية، التي تَدخل اليوم قاموس المواجهة بين الطرفين، منبئةً بمعادلات جديدة ربّما تتبلور في مقبل الأيّام
الردّ بدلالاته ونتائجه غير المادّية سيَدخل كمُركّب جديد على المعركة
بناءً على هذه الحيثية، تكون إيران في موقع ردّ الفعل، الذي يبدو أنه أوّلي، على اعتداءات إسرائيلية سابقة توجب الردّ. فهل دخلت الساحة البحرية قاموس المواجهة؟ وإذا كان الحال كذلك، هل سيرتفع الفعل الإيراني عبرها إلى مستوى شدّة الاعتداءات الإسرائيلية وأذيّتها؟ لم يأتِ الردّ الإسرائيلي على استهداف السفينة متسرّعاً، بل بعد دراسة وبحث مستفيضَين بين المؤسّستين السياسية والأمنية – العسكرية، شملا الفعل وإمكانات ردّ الفعل والخسائر المترتّبة، مع الكلفة والجدوى والعراقيل والموانع، إضافة إلى الضرورات الردعية ونطاقها وإمكاناتها الفعلية، وفي أساسها الابتعاد عن المواجهة البحرية لإدراك الخسارة فيها مسبقاً، وهو ما أفضى إلى اختيار الردّ على الأراضي السورية، بالشكل والمضمون اللذين لا يتسبّبان بردّ إيراني آخر على الردّ، يكون نطاقه بحرياً. فهل نجحت إسرائيل في حصر ردّها، الذي جاء رمزياً، في سوريا؟ هنا، يجدر التنبيه إلى أن سوريا ليست مجرّد ساحة للصراع، بل هي الجبهة الأكثر تقدُّماً فيه، وإذا اختارت إسرائيل الردّ هناك خشية تبعات ردٍّ بحري، فذلك يعود أيضاً إلى أهداف أخرى مرتبطة بالصراع نفسه بين المحورين في الإقليم، ما يفرض معالجة مستقلّة لهذا المطلب. لكن هل ترى طهران وتريد ما تراه تل أبيب وتريده؟ المسألة موضع شكّ كبير. إذ يمكن أنها ترى ما تراه تل أبيب من وقائع وحقائق، لكن إرادتها مغايرة، ولا يبعد أن تَتّجه إلى تبديل المعادلات مع دخول مُركّب جديد على المواجهة، هو الردّ في النطاق البحري، خاصة أن إسرائيل تجاوزت حدّها في الآونة الآخيرة، إلى ما يدفع إيران نحو توسيع نطاق الردود.
والحديث عن صعوبة الردّ الإسرائيلي لا يتعلّق بالعجز عن استهداف إيران في البحار، إذ إن القدرة على ذلك متوافرة وليست موضع جدال، إنما المسألة ترتبط بإرادة استخدام هذه القدرة، والإرادة مرتبطة بدورها بنتيجة الموازنة ما بين جدوى الفعل وتبعاته وما يمكن أن يَتسبّب به لاحقاً، وهو ما أدّى، بعد دراسة وبحث في تل أبيب، إلى الامتناع عن الردّ بالمثل على العمل الابتدائي المنسوب إلى إيران بحسب الاتهامات الإسرائيلية، الأمر الذي يُعدّ شذوذاً عن قواعد الردّ الصارمة التي تتّبعها إسرائيل، لناحية التناسب مع النطاق والنوع لضرورات ردع الطرف الآخر. لكن هل انكفاء تل أبيب اليوم يعني انتهاء احتمالات المواجهة البحرية لاحقاً؟ التقدير هو «لا» كبيرة؛ إذ إن ما أقدمت عليه إسرائيل لا يردع الجانب الإيراني، بل ومن شأنه الدفع باتجاه المزيد من العمليات البحرية، علماً أنه من غير الواضح ما إذا كانت إيران ستكتفي بجعل العمليات البحرية مرتبطة بالردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، أو أن تلك العمليات ستكون ابتدائية، لتنتقل المواجهة إلى مستويات أعلى. القدر المتيقّن أن الردّ الإسرائيلي في سوريا لم يحصل لو أن لدى الكيان القدرة الفعلية، انطلاقاً من معادلة الكلفة والجدوى، على الردّ في الساحة البحرية نفسها.
وكانت التسريبات والتعليقات العبرية، التي أعقبت هجمات مساء الأحد على سوريا، ربطت بين تلك الهجمات وبين استهداف السفينة الإسرائيلية، ليَعقب ذلك إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس، أن تفجير السفينة «عمل إيراني سنردّ عليه»، في أوّل اتّهام رسمي ومباشر لطهران. وعُقدت، أول من أمس، جلسة حول هذا الموضوع بمشاركة نتنياهو، ووزير الأمن بني غانتس، ورئيس هيئة أركان الجيش أفيف كوخافي، ورؤساء «الموساد» و«الشاباك» و«مجلس الأمن القومي». وفي أعقاب الجلسة، قال مصدر أمني رفيع، في حديث إلى «القناة 11» العبرية، إنه لا مناص من الردّ على التفجير الذي استهدف السفينة الإسرائيلية، وهو ما تُرجم لاحقاً هجمات بالقرب من دمشق، أوضحت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنها لا تتعلّق بـ«المعركة بين الحروب» ضدّ تسلّح حزب الله أو التمركز الإيراني العسكري في سوريا، بل جاءت ضدّ مصالح مدنية تجارية إيرانية، مثل مقرّات لشركات اقتصادية مرتبطة بـ«الحرس الثوري»، الذي حمّلته إسرائيل مسؤولية عملية خليج عُمان.
سيرياهوم نيوز-الأخبار اللبنانية)