أصبح ثابتاً أنَّ “اسرائيل” ترسل مقاتلين إلى أوكرانيا، ولكن مسألة العدد تبقى قضية غير معلنة ومغلفة بشيء من الغموض.
منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في خطوة تعد الأهم للحفاظ على الأمن القومي الروسي من التهديدات الأميركية والغربية، ومع تتابع الأحداث والمواقف وتسارعهما، لم تستطع “إسرائيل” الوقوف موقف الحياد كثيراً تجاه ما يجري في أوكرانيا. ومن يتابع الشأن الإسرائيلي تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، تستوقفه حقائق الموقف والفعل الإسرائيليين تجاه ما يجري في أوكرانيا.
ركَّزت الصحافة الإسرائيلية على الدور الفعلي لـ”إسرائيل” في الأزمة الأوكرانية، وعنونت عبر صفحاتها المختلفة على مدار الأسبوع الأول من العملية العسكرية الروسية أنَّ الغرب يعتمد على “إسرائيل” للقيام بالدور الذي يخشاه.
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت”، على لسان رونين برجمان، المختص في شؤون الاستخبارات في الصحيفة، عن ترحيب أميركي واضح وصريح بطلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت مساعدة بلاده في توريد الأسلحة إليها لمواجهة روسيا.
رغم التخوّف الإسرائيلي من غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مثل هذه الخطوة، فإنّ “إسرائيل” استجابت لمواقف مسؤولين أميركيين، واتخذت موقفاً أكثر وضوحاً تجاه ما يجري في أوكرانيا، وهو ما دفعها إلى إدانة العملية العسكرية الروسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الموقف الإسرائيلي تجاه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لم يتوقف عند حد الإدانة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد كشف الإعلام الإسرائيلي عن إرسال “إسرائيل” طائرتين محمّلتين بمعدات، وذكر أنَّها سترسل في وقت لاحق طائرتين إضافيتين بالمواصفات نفسها
وكشف الإعلام الإسرائيليّ خلال الأسبوع الأول من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عن قيام شركة “حجور” الإسرائيلية ببيع أوكرانيا خوذاً للرأس، كتلك التي يرتديها الرئيس الأوكراني زيلينسكي، كما قامت “إسرائيل” ببيع أوكرانيا برامج تجسّس عبر مقرات شركات إسرائيلية في الخارج في حربها ضد روسيا.
موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي نشر تقريراً بعنوان “هل تبعث إسرائيل جنودها ليحاربوا في بلدهم الأصلي أوكرانيا؟”. وذكر الموقع الإسرائيلي أنَّ السفارة الأوكرانية في “إسرائيل” أصدرت بياناً دعت فيه الإسرائيليين من أصول أوكرانية إلى المشاركة في الحرب من أجل بلدهم الأصلي.
أما صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فنشرت تقريراً بعنوان “بين أوكرانيا وغلاف غزة: القتال من أجل الوطن؟”، أوردت فيه أنَّ عدداً من الجنود الإسرائيليين قرروا الاستجابة لنداء السفارة الأوكرانية والقتال جنباً إلى جنب مع القوات الأوكرانية ضد روسيا.
واستعرضت الصحيفة نماذج حية لجنود إسرائيليين قالت إنهم قرروا المشاركة فعلياً في القتال ضد روسيا، مثل الجندي نيكولاي، وهو من لواء جفعاتي في “الجيش” الإسرائيلي الذي انضمّ إلى الأوكرانيين في الحرب للقتال ضد روسيا، كذلك الجندي الإسرائيلي سيرجي نوفيتسكي من أصول أوكرانية، وهو أحد الجنود الإسرائيليين الذين قرروا ركوب الطائرة والذهاب للقتال في أوكرانيا، وكذلك بوريس نيميروفسكي، المهندس في مجلس أشكول الإقليمي، الذي قال للصحيفة ذاتها إنه لا يستطيع تحمل تلقي عشرات المكالمات الهاتفية المقلقة يومياً من والدته فيكتوريا وشقيقه ألكساندر، ما اضطره إلى الذهاب إلى أوكرانيا لمحاربة الروس والوقوف في صف الجيش الأوكراني.
كذلك، كشفت الصحيفة أنَّ عدداً من جنود كتيبة “نيتسح يهودا” التابعة للواء كفير في “الجيش” الإسرائيلي يقاتلون الآن في صفوف الجيش الأوكراني بعد استجابتهم لنداء السفارة الأوكرانية في “إسرائيل”.
لقد أصبح ثابتاً أنّ “إسرائيل” ترسل مقاتلين إلى أوكرانيا، ولكن قضية العدد تبقى القضية غير المعلنة والمغلّفة بشيء من الغموض، وهذا ما أكّده السفير الأوكراني لدى “إسرائيل”، يفغيني كورنيتشوك، حول مشاركة جنود إسرائيليين في الحرب مع بلاده ضد روسيا، وذلك في تصريحات نقلتها القناة الإسرائيلية 12. وقال كورنيتشوك إنّ أيّ شخص يحمل جواز سفر أوكرانياً بإمكانه المساعدة في الحرب الدائرة ضد روسيا، وأوكرانيا ستساعده على القيام بهذا الأمر.
عدد كبير من الجنود في لواء جولاني وشعبة الاستخبارات ووحدات جمع المعلومات، وفق الإعلام الإسرائيلي، أعلنوا انضمامهم للدفاع عن كييف والقتال ضد روسيا. وما يؤكّد مشاركة جنود إسرائيليين بشكل فعلي في القتال ضد الروس هو إعلان وزارة الخارجية الإسرائيلية مقتل أول إسرائيلي في الاشتباكات في أوكرانيا قبل أيام قليلة.
وبحسب تقارير أوكرانية، أنشأت أوكرانيا وحدة عسكرية تعتمد على استقبال متطوعين من الخارج، وهو ما يتفق مع تقارير نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وتحدثت فيها عن جنود إسرائيليين خدموا في لواء جولاني، وهم الآن جزء من الجنود في الخطوط الأمامية للقتال ضد روسيا في صفوف الوحدات الخاصة الأوكرانية.
إنَّ حيثيات التعاطي الإسرائيلي مع العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا في أوكرانيا يعطي دلالتين رئيسيتين:
الأولى: إنَّ حالة المتابعة والدعم والإسناد والمشاركة الإسرائيلية، سواء بالإدانة والإمداد أو مشاركة الجنود الإسرائيليين في هذه الحرب، بعد التشجيع الأميركي الغربي لدور “إسرائيل”، يعطي دلالة وكأنَّ غرفة عمليات الحرب الأوكرانية مقرها في “الكرياه”، باعتباره المركز الحكومي الرئيسي في “تل أبيب”، والذي يعدّ القاعدة الإسرائيلية الأساسية لقيادة “الجيش” الإسرائيلي.
الثانية: اهتمام الإعلام الإسرائيلي بما يجري في أوكرانيا بدرجة عالية وكبيرة، وكأَّن “إسرائيل” أنشأت دائرة خاصة للحرب النفسية ضد روسيا، مقرها وسائل الإعلام والمواقع والصحف الإسرائيلية.
وقعت “إسرائيل” في فخ كبير أمام ضيق مساحة المناورة أمامها تجاه ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، وإمدادها أوكرانيا بالسلاح ليس أكثر من عبث مستمر أو كمن يعطي فيتامينات لمحتضر، وهي تخوض معركة الغير على أراضيها، وهذا لن يصنع أي فارق في المواجهة العسكرية القائمة مع أوكرانيا، وهي تقاتل دولة من أعظم القوى العالمية مثل روسيا، التي تنفذ عملياتها العسكرية في الأراضي الأوكرانية وفق حسابات مدروسة وأهداف واضحة، تتمثّل بإنهاء الهيمنة الأميركية المستندة إلى حلفائها مع أوروبا الغربية، ووأد تمدّد حلف الناتو تجاه حدود روسيا حفاظاً على أمنها القومي والإقليمي، وعدم السماح لأوكرانيا بالتفكير مجدداً في الانضمام إلى حلف الناتو، ما سيدفعها إلى أن تصمّم أكثر على استمرار العملية العسكرية، ولو طال أمدها، وصولاً إلى تغيير نظام الحكم الموالي لأميركا والغرب فيها.
لا ورطة في الأزمة الروسية الأوكرانية كورطة “إسرائيل”. عبارة يمكن تلخيص المشهد فيها بعد نهاية الأسبوع الأول من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وهذا ما ذهب إليه معلق الشؤون العسكرية الإسرائيلية في صحيفة “معاريف” ألون بن ديفيد، الذي قال: “رغم كل التعاطف مع أوكرانيا، انتهت اللعبة. الخطوات التي قامت بها إدارة بايدن دبلوماسية لن تؤثر كثيراً في روسيا، وأي خطوة دبلوماسية غير مدعومة بقوة عسكرية لا فعالية لها”.
ما يجري بين روسيا وأوكرانيا هو صراع دولي كبير تخوضه أوكرانيا نيابة عن الغرب، والتطورات المتلاحقة ميدانياً تشير إلى بداية فصل جديد في السياسة الدولية؛ سياسة قائمة على مبدأ تقديم المصالح والأمن القومي أولاً، إذ إنَّ كل المؤشرات تؤكد أنَّ هناك مرحلة جديدة في الصراع الدولي تهيئ لواقع جديد ستبرز فيه قوة دولية جديدة تضمّ روسيا التي تعمل عسكرياً لأجل الحفاظ على أمنها القومي والإقليمي، ثم الصين التي تبحث عن نمو اقتصاد قوي في مواجهة أميركا، تساندهما دول كثيرة في المنطقة، مثل إيران، ما من شأنه أن يغير جذرياً في الخارطة الجيوسياسية القادمة.
(سيرياهوم نيوز-الميادين5-3-2022)