| علي حيدر
ليس أمراً عابراً أن يكون من أهمّ ما يُميِّز الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، بحسب رئيس «مجلس الأمن القومي» السابق، اللواء غيورا أيلاند، أنه «يُركِّز على المخاطر بالدرجة الأولى أكثر من الفرص»، فيما الأخيرة يتركّز التفكير فيها على كيفية توظيفها في مواجهة المخاطر المحدقة بالأمن. ولعلّ هذه «الميزة» التي تحكم عمل المؤسّسات والخبراء المختصّين، مردّها إلى ظروف نشأة الكيان وطبيعة أطماعه في فلسطين ومحيطه العربي، والتي تجعل العلاقة معه صفرية، وتفرض عليه تقديم أولوية درء المخاطر على ما عداها، إذ يدرك العدو معنى أن يكون كياناً مفروضاً، يستوجب بالضرورة موقفاً معادياً من شعوب المنطقة، انطلاقاً من هوية هذه الشعوب وانتمائها وطبيعتها الإنسانية أيضاً. وفي هذا المجال، تكفي إطلالة عامة على موقع فلسطين الجغرافي، ومكانتها في الوجدان والتاريخ، والقدرات والطاقات الكامنة فيها، لاستشراف مدى إمكانية توفير شروط التحرير ومقدّماته.
على أن دائرة المخاطر، بالنسبة إلى إسرائيل، لا تقتصر على ما يتّصل بالأبعاد العسكرية، بل إن أيّ تقدّم صناعي أو علمي أو اقتصادي جدّي لشعوب المنطقة ودولها، تنظر إليه دولة الاحتلال على أنه مصدر تهديد لها. والأمر نفسه ينسحب على أيّ تكتل أو اتّحاد، على اعتبار أنه سيوفّر لتلك البلدان عناصر قوة بمواجهة العدو، في حال لم يكن تحت نظر الولايات المتحدة ورعايتها وتوجيهها. ومن هنا، يبقى هاجس الأمن القومي والخطر الوجودي مسيطراً على وعي قادة الكيان ومؤسّساته، على رغم أنه كثيراً ما يلجأ بعض المراقبين إلى تفسير التحذيرات من التهديدات الوجودية على أنها جزء من مساعي تعظيم المخاطر لأهداف سياسية داخلية وخارجية. وإذا كان ذلك مفهوماً في سياقات محدَّدة، إلّا أن الاتّكال دائماً على هذا النمط التفسيري ينطوي على تجاهل لجوانب أكثر عمقاً في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، ومن أهمّها عدم الركون فقط إلى معطيات الحاضر المتغيّرة بالضرورة، والتركيز على ما قد يحمله المستقبل من تحولات، وتحديداً تلك التي يمكن أن تساهم في التحاق أطراف أخرى بمعسكر المقاومة. وبالتأكيد، يصبح الهاجس المذكور أكثر إلحاحاً عندما يكون الحاضر مشبعاً بعناصر التهديد، وعندما تتحرّك معادلات القوة في اتّجاه تكثير هذه العناصر.