رضا زيدان
على مدى السنوات العشر الماضية، ومنذ أن أطلّ “الربيع العربي” برأسه، عملت واشنطن وحليفتها “إسرائيل” على استغلال الفوضى ومحاولة تأجيجها وتوجيهها لتخدم مصالحهما في المنطقة. وكانت سوريا في رأس أولويات هذه المخططات، بسبب موقعها المحوري في جغرافيا المنطقة، وبسبب دعمها حركات المقاومة ضد الاحتلال في فلسطين ولبنان. فما الذي أرادته “إسرائيل” من سوريا؟ وبعد انتهاء عشرية الفوضى والنار، هل تمكّنت من تحقيق رؤيتها، أم فشلت في ذلك؟
الأسد في صُلب الاستهداف.. وحزب الله وإيران أكبر تهديد
منذ بدء الحرب على سوريا، بدت رؤية “إسرائيل” واضحةً، ولم تعمل على إخفائها أو التعمية عليها. فصرّحت، على ألسنة مسؤوليها ووسائل إعلامها، بأن هدفها يتمثّل بإسقاط الرئيس بشار الأسد. وهي عملت، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، على تحقيق ذلك، بحيث أوصت إدارة الرئيس أوباما بأن تعمل على إطاحة الرئيس الأسد، وحرضتها على ذلك.
بحسب تقييم بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن “إسرائيل لم تتدخَّل بصورة حاسمة، بل اعتمدت سياسة تقوم على مبدأ عدم التدخل على نحو مباشر، على الرغم من تأييدها أيَّ خطوة من شأنها تنحية الأسد”، وفق ما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية. إلاّ أنّ الواقع على الأرض أثبت قيام الاحتلال بدعم المجموعات المسلَّحة المعارضة في الجنوب السوري، من خلال تأسيس غرفة “موك” ودعمها، والتواصل مع هذه المجموعات المسلحة، ونقل مصابيها إلى المستشفيات الإسرائيلية على نحو علني، هذا ناهيك بالاعتداءات الإسرائيلية التي رأت فيها دمشق دعماً لهذه المجموعات وتحركاتها، ومحاولة للتغطية على هزائمها وتقدم الجيش السوري.
أهداف “إسرائيل” في سوريا يلخّصها سفيرها في الولايات المتحدة الأميركية، مايكل أورين، بقوله إن “الخطر الأكبر الذي يهدد إسرائيل، في المحور الاستراتيجي الممتد من طهران إلى دمشق حتى بيروت، يتمثّل بنظام الأسد، الذي يُشكّل حجر الزاوية في هذا المحور”. الفكرة ذاتها يؤكدها الصحافي الإسرائيلي، بن كاسبيت، الذي يقول، بصورة واضحة، “إذا سقطت سوريا، فستصبح إيران معزولة، وسيزول خطر حزب الله عن إسرائيل”.
في هذا المجال، يعمل كيان الاحتلال على الحيلولة دون نقل الأسلحة من سوريا إلى حزب الله في لبنان، “التهديد الأكبر على حدودها الشمالية”. وأقرّت “إسرائيل” بأنها نفّذت هجمات متكررة في سوريا لمنع حصول الحزب على شحنات أسلحة من إيران، لكن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أعلن أنّ الحزب حصل على صواريخ دقيقة ومتطوّرة على الرغم من محاولات “إسرائيل” منعه من ذلك، وقال إنّه “مهما فعلت “إسرائيل” من أجل قطع الطريق، فلقد انتهى الأمر، وتم الأمر وأُنجز، وباتت المقاومة تمتلك من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة”.
يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، يقرّ بأنّه “على الرغم من كل المحاولات الإسرائيلية الساعية لإفشال مساعي نقل السلاح إلى سوريا، وحزب الله تحديداً، فالسلاح لا يزال يصل”، وذلك بحسب التقرير السنوي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، والصادر في كانون الأول/ديسمبر 2021.
فاتح 110 وهو صاروخ أرض-أرض يعمل بالوقود الصلب من إنتاج منظمة صناعات الطيران الإيرانية.”فاتح 110″ هو صاروخ أرض-أرض يعمل بالوقود الصلب، من إنتاج منظمة صناعات الطيران الإيرانيةأمّا التحدّي الثاني فهو المتعلّق بـ “منع توسّع إيران عند حدود سوريا الجنوبية”، بحسب المنطق الإسرائيلي، الذي ينطوي على قيام جبهة عسكرية جديدة في مرتفعات الجولان، فقد يؤدي ذلك إلى مزيدٍ من الإنهاك لجيش الاحتلال، وفق “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”. لذلك، فإن “آخر ما تريده إسرائيل المحاصَرة من غزّة والضفة الغربية وجنوبي لبنان، هو مواجهة قوات سورية مدعومة من إيران في الجولان”.
الأمر المثير للجدل أنّ الرؤية الإسرائيلية، ولاسيما في بداية الحرب، كانت قائمة على إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد. وتراجعت هذه الرؤية عندما تحوّلت إلى هدف، هو دعم المجموعات المسلحة السورية. واليوم، تنحسر مع اتخاذ قرار توجيه ضربات صاروخية إلى سوريا.
لم تثمر الاعتداءات تحسيناً في الموقف الإسرائيلي وتحقيقاً للأهداف، فهي “عندما تشنّ غارات، من وقتٍ إلى آخر، تستهدف الوجود أو التحركات الإيرانية في سوريا، فإنها تحدّ التهديداتِ التكتيكيةَ القريبة الأجل. ولا يُعتبر القصف أداةً استراتيجية لتغيير البيئة الإقليمية، فهذه الضربات لن تُضعف كثيراً قدرة إيران وحزب الله”، وفقاً لـ “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”.
من هنا، نرى أنّ المصالح الأمنية لـ”إسرائيل” في سوريا على المحكّ. في المقلب الآخر، يظهر أن الروس ليسوا راضين، في أغلبية الأحيان، عن الاعتداءات الإسرائيلية. فمع كل محطة أو اعتداء جديد، تخرج من موسكو تقارير تدين الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، بينما تظهر مواقف عربية خجولة أحياناً في إدانة الاعتداءات الإسرائيلية، من دون أن تترجَم إلى أي فعل على الأرض بشأن دعم السوريين لمواجهتها، بينما تصمت ألسنة الدول العربية الأخرى، والتي انتهجت سياسة التطبيع مع الكيان، ولا نرى منها موقفاً، حتى لو كان في الإطار الكلامي، لا أكثر.
الاعتداءات الإسرائيلية على ميناء اللاذقية في الساحل السوريالاعتداءات الإسرائيلية على ميناء اللاذقية في الساحل السوريعام 2022 بين الجمود والتحولات
والسؤال الأبرز هو: كيف ستتعامل “إسرائيل” مع سوريا عام 2022؟ بحسب تقارير مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية، فإنّ من المرجّح أن تحافظ “إسرائيل” على مسارها الحالي القائم على “الدفاع عن النفس استباقياً”، بحسب تعبير سياسييها. كما أنها ستستمر في شنّ الغارات الجوية بهدف إيقاف عمليات نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان. ولتحقيق ذلك، سيكون عليها التوصل إلى اتفاق مع موسكو من أجل ضمان ألاّ تتعرّض الطائرات الإسرائيلية للإسقاط.
لكن الأهم ما قاله البروفيسور الإسرائيلي المتخصّص بشؤون سوريا، إيال زيسي، الذي طرح سؤالاً أعمق، وهو: كيف ستبدو سوريا في المدى البعيد؟ ويجيب قائلاً إنّ “سوريا ستتجه نحو الاستقرار، وآمل في ألاّ تضطر إسرائيل إلى مواجهة سوريا قريباً”.
لم تُنجز “إسرائيل”، كما كانت تخطّط، رؤيتها في سوريا. فدمشق خرجت من أزمتها أصلب عوداً، والانتخابات الرئاسية الأخيرة في أيار/مايو 2021 خير دليلٍ على ذلك. كما أنّ عودة التواصل العربي ستمهّد لعودة الدور الإقليمي لسوريا. لكن السؤال المطروح هو: هل سيبقى التعامل السوري مع الاعتداءات الإسرائيلة كما هو الآن، بعد أن تستقر أوضاع سوريا أكثر وتنجز الاتفاقات في المنطقة، والتي يبدو أن جزءاً كبيراً من الاعتداءات الإسرائيلية يهدف إلى إفشال هذه الاتفاقات؟
(سيرياهوم نيوز-الميادين31-12-2021)