| ناصر النجار
أسدل الستار على أولمبياد باريس 2024، وانتهت المنافسات بين أكثر من مئتي دولة تنافست على ميداليات الرياضات المعتمدة في اللجنة الأولمبية الدولية، وكانت المباريات مثيرة في بعضها وقوية في بعضها الآخر، ونالت كل دولة حصتها من الميداليات التي تستحقها على مبدأ لكل مجتهد نصيب.
رياضتنا خرجت من الأولمبياد صفر اليدين من الميداليات ولم تجد لها مكاناً على جدول الترتيب، بل إنها لم تقدم النتائج الجيدة فتساقط رياضيونا الأربعة المشاركون من الدور الأول وحققوا أضعف النتائج وجاؤوا آخر الترتيب، وتبين للجميع بما لا يدع مجالاً للشك في أن رياضتنا بعيدة عن الرياضة الأولمبية في العالم بعد المشرقين.
ووحده كان الرباع الأولمبي معن أسعد فخر رياضتنا في الأولمبياد ووجهها المشرق وقد خرج بنتيجة مرضية بين أقوياء العالم ليتربع على المركز الخامس في حصيلة جيدة ومتميزة.
ورغم معرفتنا بصعوبة المنافسات في رفع الأثقال قبل انطلاق الأولمبياد، ورغم معرفة بطلنا الأولمبي بوجود أبطال يتقدمون عليه رقمياً، إلا أنه قبل التحدي وبذل الجهد ولم يتراجع، فحاز مركزاً مشرفاً بين اثني عشر بطلاً من أقوياء العالم في القارات الخمس.
لم يبتعد معن عن رقمه الشخصي، وما زالت الآمال قائمة ليقدم المزيد من النجاح والميداليات في قادم البطولات على المستوى الدولي والقاري والعربي فهو أقوى رجل في آسيا وبين العرب.
الأمر الإيجابي أن معن حاز محبة الجميع وقلوب السوريين كافة من الرياضيين وغيرهم، وكانت الألسن تلهج له بالدعاء طوال منافساته التي استمرت قرابة الساعتين وخرج الجميع راضياً بما حققه من مركز ونتيجة وأداء، فمعن نموذج للرياضي المتفوق الذي يحق لنا جميعاً أن نفتخر به.
رياضة الطفرات
في الحصيلة العامة من المشاركة في أولمبياد باريس فإننا نرفع قبعاتنا احتراماً وتقديراً للبطل معن أسعد، ونحزن على الفروسية التي عاندها الحظ فلم تشارك لإصابة الجواد، والحقيقة فقد صدق الاتحاد الرياضي العام بمقولته الشهيرة بأن الوصول إلى الأولمبياد هو الإنجاز بحق ذاته، وهذا يخص رياضة رفع الأثقال والفروسية فقط، لأنهما وصلتا إلى الأولمبياد بعد امتحان عسير وتصفيات طويلة ومباريات مؤهلة، أما باقي الرياضات التي شاركت ببطاقات الدعوة فكانت عبئاً علينا وعلى الرياضة.
في المنطق الرياضي الذي يعرفه الجميع فإن رياضتنا تعتمد على الطفرات والمواهب من الرياضيين، وهي غير قادرة على صناعة البطل الأولمبي لأسباب كثيرة بعضها مبرر وأكثرها غير مبرر، وخلال مسيرة رياضية امتدت لأكثر من سبعين عاماً شاركنا فيها بالبطولات الأولمبية في خمس عشرة دورة لم نحقق من الميداليات إلا أربع ميداليات وكانت كلها من رياضيين خلقوا أبطالاً، فالميدالية الأغلى كانت ذهبية غادة شعاع، ورغم مضي ثلاثة عقود من الزمن على تحقيقها إلا أننا لم نستطع أن نصنع لاعباً واحداً قادراً على السير على طريق الذهب والتفوق في بطولات ألعاب القوى بمسابقاتها الكثيرة، وظهر مجد الدين غزال كطفرة في الوثب العالي وحقق بعض الإشراقات الدولية، لكنه لم يصل إلى ما وصلت إليه غادة شعاع، والميدالية الثانية كانت من لاعب سوري مغترب فأهدى جوزيف عطية رياضتنا الميدالية الفضية في المصارعة بجهده، والميدالية الثالثة كانت برونزية عبر الملاكم ناصر الشامي، وقد اندثرت الملاكمة بعده رغم أننا كنا نملك جيلاً واعداً وقاعدة متميزة من الملاكمين، والميدالية الرابعة وكانت برونزية وقد حققها معن أسعد في رفع الأثقال في الدورة الأولمبية الماضية (طوكيو 2021).
باقي الرياضات التي شاركنا فيها كنا على هامش المنافسات، بل إن رياضيينا كانوا مكملين للعدد في السباقات فلم يتأهلوا بزندهم وبفضل أرقامهم وتفوقهم، بل كانوا ضيوف شرف على الدورة وخرجوا من منافساتها بخفيّ حنين.
ونحن هنا لا نلوم هؤلاء الرياضيين لأنهم دخلوا البطولة الأقوى في العالم دون أي استعداد وتحضير يليق بمثل هذه البطولات، فكانت مثل هذه النتائج التي لا تليق برياضتنا وكان الاعتذار عن عدم المشاركة أفضل من الفضائح الرياضية التي لم نجن منها إلا الوجه الأسود!
اليوم وبعد نهاية الأولمبياد تفتح كل الدول حسابات المشاركة وتعمل على كشف الأخطاء والعيوب والثغرات، وتضع خطة للدورة الأولمبية القادمة بعد أربع سنوات، الطريق صعب وشاق والرحلة طويلة ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، فهل بحثنا في أسباب الإخفاق والتراجع، وهل نفكر بوضع خطة إستراتيجية للدورة الأولمبية القادمة؟
سيرياهوم نيوز١_الوطن