علي عبود
لايبدو إن الحكومة ـ مثل سابقاتهاـ في وارد التخلي عن “الخصخصة” الحديثة بعنوانها المتداول منذ بدايات هذا القرن وهو التشاركية!
وفي الوقت الذي تدعو فيه الحكومة اللبنانية إلى خصخصة القطاعات الخدمية العامة بأسلوب “التشاركية” فإن حكوماتنا تصر على القول أن الخصخصة غير واردة في سورية، وإن القطاع العام ليس للبيع، فهل هذا صحيح؟
في تسعينات القرن الماضي، بدأت عملية “خصخصة” القطاعات الاقتصادية والخدمية، أيّ السماح للقطاع الخاص بالإستثمار في كل القطاعات التي كانت حكرا على القطاع العام، كالإسمنت والطاقة ، وانتقلت حكومة (2003 ـ 2010) إلى نهج التشاركية، بعد أن أوقفت كل مشاريع الإصلاح والتطوير للقطاع العام الصناعي!
وهاهو رئيس الحكومة المهندس حسين عرنوس يوجه في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 22/4/2024 “اللحنة الاقتصادية لوضع رؤية متكاملة للتعاطي مع الشركات المدمرة بما يحقق الجدوى الاقتصادية من خلال إعادة التأهيل أو طرح عدد منها للاستثمار عن طريق التشاركية مع القطاع الخاص لتدخل في العملية الإنتاجية وتساهم بشكل فعال في النهوض بالاقتصاد الوطني، مع التركيز على الصناعات ذات البعد الإستراتيجي كالجرارات والإطارات والبطاريات والإسمنت والأدوية وحليب الأطفال..الخ ”.
وقد سبق لحكومة السوق الليبرالي أن طرحت خلال السنوات (2005 ـ 2010) عدة شركات رابحة على الإستثمار بأسلوب التشاركية، ومع ذلك لم يتقدم أي رجل مال سوري أو عربي للإستثمار في شركات رابحة ووضعها في قبضته لمدد لايقل عن 50 عاما، فهل تغيّر الواقع اليوم كي تعيد الحكومة التجربة مجددا بطرح شركات القطاع العام للإستثمار عن طريق التشاركية مع القطاع الخاص، أي بأسلوب الخصخصة وفق المصطلح اللبناني، وبمسمى التشاركية وفق المصطلح السوري!!
الملفت أن الورقة التي قدمها وزير الصناعة الدكتور عبد القادر جوخدار إلى مجلس الوزراء عن واقع المنشآت التابعة للوزارة لم تشر إلى خيارات أخرى غير التشاركية لاستثمار المنشآت الـ 35 التي تعرضت للتدمير وسرقة محتوياتها خلال الحرب الإرهابية على سورية.
وإذا كانت (رؤية ) وزارة الصناعة “تتجلى عمليا بالنهوض بالصناعات الإستراتيجية للمنشآت الصناعية المدمرة” فإن السؤال: كيف وبأيّ طريقة؟
حسب هذه الرؤية فإن التركيز سيكون على “المشاريع الإستراتيجية الهامة في مجال صناعة الجرارات والبطاريات والإطارات، والحليب المجفف..الخ”، والسؤال: هل يكفي الإعلان عن طرح الشركات الصناعية المدمرة للإستثمار عن طريق التشاركية لتنفيذ مشاريع استراتيجية؟
وبسؤال أكثر دقة: هل يكفي أن تعلن الحكومة أنها مهتمة بمشاريع استراتيجية محددة العناوين كي يتهافت رجال المال والإعمال للإستثمار فيها وفق قانون التشاركية وهم لم يتوقفوا عن انتقاده منذ صدوره؟
نعم “إننا في سورية بلد زراعي والجرارات شيء مهم”، فما يمنع الحكومة باعتماد نهج (التشاركية) بين وزارة الصناعة ودول صديقة وحليفة لأقامة مصنع ضخم للجرارات يكفي سورية والمنطقة بدلا من انتظار مستثمر سوري أو عربي أو حتى أجنبي لن يأتي لا في الأمد المنظور ولا البعيد!
وهذا الأمر ينطبق أيضا على صناعة تجهيزات الطاقات المتجددة والإطارات والحديد والإسمنت، وكذلك إقامة مجمعات متكاملة لصناعة النسيج من المادة الأولية إلى الألبسة الجاهزة للتصدير..الخ.
قد توحي الحكومة مثل سابقاتها المتعاقبة بأنها جادة بـ “أن هناك تكاملا بين القطاعين العام والخاص” للإستثمار بالمشاريع الإستراتيجية بالتشاركية، لكن المشكلة إن القطاع الخاص السوري يرفض أساسا التشارك مع الآخرين، وهذه معضلة الإستثمارات في سورية.
والبديل لهذه المعضلة يكون بتبني خيارات أخرى كالشركات المساهة مثلا، وهي أيضا من أنواع الخصخصة، لكنها بدلا ان تدار من مستثمر أو قلة محدودة من المستثمرين، فهي تتيح لشريحة واسعة من السوريين التشارك من خلال مدخراتهم في مشاريع استراتيجية مهمة للحكومة أي للبلد، وهذا الأسلوب يضمن توفر رؤوس أموال بعضها بالقطع الأجنبي كفيل بإقامة مشاريع بزمن قياسي دون أي إنفاق من موازنة الدولة.
(موقع سيرياهوم نيوز-1)