يمثل الإعلان المتتابع عن إعادة تشكيل مجالس الأعمال، سواء مجلس الأعمال السوري_ الأميركي، أو المجلس السوري _ الألماني وأخيراً المجلس السوري _الكندي، محاولة لإعادة ربط الاقتصاد السوري بمحيطه الدولي، حيث تمثل هذه المجالس قوة دبلوماسية ناعمة تتيح لهذه الدول وغيرها الانخراط في الشأن السوري بشكلٍ تشاركي، مع أهمية ألا تُركّز هذه المجالس على المشاريع الضخمة فقط، بل تبدأ بتفعيل أدوات مرنة، مثل تأسيس صناديق دعم لمشاريع صغيرة.
د. خياط: تُركّز المجالس على الاقتصاد كمجال للحوار والتقاطع بعيداً عن منطق الاشتباك السياسي المباشر
محاولة ذكية
الباحث الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة الجمعية السورية لمستشاري الإدارة الدكتور هشام خياط أكد في حديث لـ( الحرية) أن تشكيل مجلس الأعمال السوري– الأميركي، إلى جانب المجلس التنسيقي الاقتصادي السوري–الألماني، يمثل محاولة ذكية واستباقية لإعادة ربط الاقتصاد السوري بمحيطه الدولي عبر قنوات غير رسمية وذات طابع تشاركي، تُركّز على الاقتصاد كمجال للحوار والتقاطع، بعيداً عن منطق الاشتباك السياسي المباشر.
د. خياط: يدعم هذه المجالس رصيد بشري واقتصادي سوري موجود بقوة في الخارج
أبعاد استراتيجية
وبين الدكتور خياط أن هذه المبادرات، وإن بدت محدودة من حيث نطاقها التنفيذي في المرحلة الراهنة، لكنها تحمل أبعاداً استراتيجية مزدوجة: من جهة، أنها نافذة أمل للسوريين في الداخل والخارج، من خلال خلق فضاء اقتصادي يُدار بالحوار، ويجمع رجال أعمال، ومختصين، ومؤسسات اقتصادية من الطرفين، ما يتيح تبادلاً للمصالح، والخبرات، والرؤى حول سبل دعم التعافي الاقتصادي في سوريا، ومن جهة أخرى، فهي تعبّر عن رغبة أوروبية وأميركية بتوظيف الاقتصاد كأداة دبلوماسية ناعمة (soft diplomacy)، تتيح لهم الانخراط في الشأن السوري دون خرق صريح للإطار السياسي المعقّد، أو الوقوع في فخ “التطبيع السياسي” الذي لا يزال ملفاً حساساً.
رصيد بشري
ورأى أن ما يدعم فعالية هذه المجالس هو أنها لا تأتي فقط من فراغ، بل تعتمد على رصيد بشري واقتصادي سوري موجود بقوة في أوروبا والولايات المتحدة – من رجال أعمال، ومهندسين، وخبراء، وأكاديميين. هؤلاء يشكلون “رأسمال” بشرياً غنياً يُمكن أن يكون نواة لإطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة، وربما مستقبلاً مشاريع بنى تحتية، إذا توفرت البيئة المناسبة.
د. خياط: نافذة أمل للسوريين في الداخل والخارج
ورغم الإيجابية التي تحيط بهذه المجالس، إلا أنه و وفقاً لخياط لا يمكن فصل الجانب الاقتصادي عن البعد السياسي في الحالة السورية، فمعظم الحوافز الاستثمارية لا تزال مرتبطة بمستوى الاستقرار السياسي، وضمانات الحوكمة، وشفافية التشريعات، من هنا، فإن هذه المجالس لن تكون قادرة على لعب دور فعلي وجذري في إعادة الإعمار أو استعادة تدفقات الاستثمار، ما لم تترافق مع تحسينات ملموسة في البيئة القانونية والمؤسسية داخل سوريا، ولكن، من منظور مهني بحت، هذه المجالس تُمثّل اليوم إحدى الأدوات القليلة المتاحة التي يمكن البناء عليها في المستقبل. إنها تتيح التحضير المبكر، وترتيب الأرضية، وتشكيل شراكات وشبكات ثقة، بحيث إذا ما جاءت لحظة الانفتاح السياسي أو الانفراج القانوني، تكون هذه المجالس جاهزة للعب دور تنفيذي لا مجرد رمزي.
تفعيل أدوات مرنة
ولفت خياط إلى أنه ومن خلال تجربته في العمل مع مجالس أعمال مماثلة في مناطق ما بعد النزاعات، رأى أنه من الضروري ألا تُركّز هذه المجالس على المشاريع الضخمة فقط، بل أن تبدأ بتفعيل أدوات مرنة، مثل: تأسيس صناديق دعم لمشاريع صغيرة في الداخل السوري، بتمويل مشترك من الشتات والمؤسسات الدولية، وتوفير قواعد بيانات مفتوحة وشفافة للمستثمرين السوريين في الخارج، تشمل فرص الاستثمار ومخاطره، و خلق لجان متخصصة داخل المجلسين لمتابعة ملفات محددة (الزراعة، الصناعة، تكنولوجيا المعلومات، التعليم التقني… إلخ)، ودعوة شخصيات اقتصادية عالمية من غير السياسيين للانضمام كمستشارين أو داعمين، لتعزيز المصداقية الدولية.
سياق طويل
ووجد أن قراءة المشهد اليوم يجب أن تكون واقعية ولكن غير متشائمة، صحيح أن الظروف لا تزال بعيدة عن المثالية، ولكن أي عملية نهوض تبدأ من مساحات الحوار والانفتاح والتنسيق، وهذه المجالس هي أنموذج لذلك.
وختم خياط بالتأكيد أن تشكيل هذه المجالس هو خطوة صحيحة ضمن سياق طويل ومعقد، تتطلب صبراً استراتيجياً، وخطاباً اقتصادياً احترافياً، واستقلالاً نسبياً عن النزاعات السياسية، ولا بد أن تترافق مع ضغط إيجابي لتحسين مناخ الأعمال في سوريا، إذا أردنا لها أن تكون أكثر من مجرد مبادرة رمزية.