كمال خلف
في اليومين الماضيين ظهرت مؤشرات تؤكد ان المملكة العربية السعودية بدأت التحضيرات لإعادة اطلاق المبادرة العربية للسلام، وهي مبادرة سعودية حصلت المملكة على اجماع عربي عليها خلال القمة العربية في بيروت عام 2002 وملخصها مطالبة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 76 مقابل السلام مع الدول العربية. في تجاهلت إسرائيل المبادرة، ولم تبدي أي استجابة لها. وخلال واحد وعشرين عاما مرت على اطلاق المبادرة ظلت جزء من تاريخ قرارات عربية محل استهزاء وسخرية من قبل قادة إسرائيل. وقوبلت المبادرة أحيانا بطرح من قبيل “السلام مقابل السلام” أي التسليم بالاحتلال كأر واقع. وقد تمكنت إسرائيل من الحصول على اتفاقات سلام مع دول عربية بصورة مجانية مؤخرا عبر اتفاقات “ابراهام” التي خطط لها ان تتوسع نحو اكبر قدر من الدول العربية. وقد ساعدت الولايات المتحدة التي قبلها العرب والسلطة الفلسطينية لعقود كوسيط وحيد للسلام في تمكين إسرائيل من انجاز التطبيع المجاني. والادهى ان واشنطن مارست سياسية الابتزاز مع الدول العربية التي شهدت احداثا وازمات داخلية وربطت بين الاعتراف بقوى التغيير في السلطة مقابل تقديم تعهدات بالتطبيع مع إسرائيل وهذا جرى في ليبيا والسودان ومع المعارضة السورية وقوى أخرى عربية طامحة للسلطة.
السؤال الواجب اليوم هو ما الذي أعاد المبادرة العربية للسلام الى الوجهة بعد مرور كل اكثر من عقدين على طرحها او بالادق رفضها ؟
ما سمعناه خلال الأيام الماضية ان وزير الخارجية الامريكية “انتوني بلينكن” اثار مسألة إعادة طرح المبادرة العربية خلال زيارته الرياض.وان بلينكن ناقش موضوع المبادرة مع نتنياهو ونقل ردود الفعل الإسرائيلية عليها للرياض. لم يطلب نتنياهو طرح المبادرة بنسختها الاصلية بل طلب تعديلات عليها. وعلى ذمة تلك المصادر فان السعودية اطلعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل توجهه الى بكين على فحوى تلك الاتصالات، كما تحدث حولها مع وزير الخارجية السورية فيصل المقداد خلال زيارته الى الرياض الأسبوع الماضي.
وسواء كانت هذه الاخبار صحيحة او غير ذلك. فإن المثبت حتى الان ان الرياض بدأت التمهيد لإعادة طرح المبادرة والتحشيد الإقليمي والدولي لعقد مؤتمر موسع يتبنى المبادرة كأساس لحل الصراع العربي الإسرائيلي. وعلى الأرجح ان الفكرة حملها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى باريس كمحطة أولى لكسب التأييد الدولي لها.
وقد يشهد شهر أيلول سبتمبر المقبل مؤتمرا دوليا موسعا برعاية الأمم المتحدة تطرح فيه المبادرة لتأخذ بعدها العالمي.
لم تتبن السعودية حتى الان رسميا اعلان التعديل على المبادرة، والمصطلح الأقرب لما تفكر فيه الرياض هو تنشيط المبادرة، او تجديدها. لكن من باب التخمين فان أي تعديلات تشمل بند “حق العودة للاجئين الفلسطينيين” المنصوص عليه في القرار الدولي 194 فانها حتما ستكون مطلب إسرائيلي لقبول التعاطي مع المبادرة، فقد سعت إسرائيل سابقا في كل المفاوضات التي خاضتها على المسار الفلسطيني اسقاط حق العودة كمنطلق لتحقيق التسوية. واذا ما تم شطب هذا البند من المبادرة سواء بالنص او من خلال المفاوضات لاحقا التي من المفترض ان تنجم عن المبادرة بين السلطة وإسرائيل فإن فشل المسار امر حتمي.
لكن ماهي دوافع الأطراف المعنية لإعادة طرح مبادرة السلام العربية بعد ان دفنت؟
بالنسبة للسعودية لا نجادل في نجاحها السريع والمدهش في استعادة دورها القيادي على المستوى العربي، سلسلة خطوات ثورية في السياسية الخارجية على مسرح الإقليم وفي اللعبة الدولية القائمة وضعت المملكة في موضع اللاعب الأساسي والوازن. اعتقادنا ان هدف السعودية الأساس هو الاستقرار الإقليمي، وبناء سياسيات مستقلة لا تقطع مع تحالفات الماضي ذات الطابع الغربي “الولايات المتحدة والاطلسي” ولا تغفل تحولات النظام الدولي على المقلب الشرقي روسيا والصين.
بيد ان المملكة تتعرض لضغوط أمريكية بخصوص التطبيع مع إسرائيل، وقد وضعت المملكة حدود السياسية الخارجية في هذا الملف القائمة على رفض أي تطبيع دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. وبالتوازي تسع الرياض الى اعادة سورية الى الحالة الطبيعية، وقد نجحت بشكل مدهش على المستوى العربي، لكن في اطار أوسع من ذلك تصطدم الجهود على هذا المسار بمعارضة أطلسية “أوروبية أمريكية”، وربما يعتقد أصحاب القرار في الرياض ان إعادة طرح المبادرة العربية بنسخة أوسع دوليا سيكون حلا لهذه المعضلات. عدا انه سوف يعزز من اظهار المقدرة السعودية وموقع القيادة في المنطقة الذي وصلت اليه. واذا كان لابد من نصائح للاشقاء في المملكة فهي عديدة، ولكن بهذه العجالة نكتفي بدعوة الرياض الى اعتماد سياسية الباب المفتوح لكل القوى والتيارات الفلسطينية الفاعلة والاستماع اليها جميعا حتى المعترضين منهم على مبدأ التفاوض مع العدو قبل طرح المبادرة.
اما دافع إسرائيل.. يجب المعرفة المسبقة ان نتنياهو لن يكون قادرا بوضعه الداخلي الحالي على الانسحاب ولو من شبر واحد. وبالتالي إسرائيل تناور بالمبادرة لتحقيق عدة اهداف محتملة. أولا الحصول على الجائزة الكبرى بجر السعودية الى مربع التطبيع. ثانيا جر السلطة الفلسطينية الى عشرين سنة أخرى من التفاوض العبثي وتحت غطائه يتم تسكين الضفة وإدانة اعمال المقاومة. ثالثا قد تعمد إسرائيل للتغطية على حرب تنوي شنها قبل أيلول المقبل وعلى الجبهة الشمالية، ومن ثم تذهب الى التفاوض مع العرب بناء على نتائج الحرب. وثمة رأي في هذا السياق يستحق التأمل وهو ان الولايات المتحدة عبر المبادرة، وعبر ابرام تفاهمات مع ايران من خارج الاتفاق النووي الرسمي تسعى الى فرملة الحرب الإسرائيلية ومنع إسرائيل من توريط الولايات المتحدة بها في هذا الظرف الدولي.
اهم الدوافع الإسرائيلية فيما يخص المبادرة قد يكون إعادة فرز المنطقة مرة أخرى على قاعدة من مع السلام ومن ضده، أي إعادة خارطة محور الاعتدال ومحور المقاومة، وهذا باعتقادهم سوف يضرب مفاعيل المصالحات والتقارب الذي جرى مؤخرا بين الرياض وايران والرياض وسورية، وبما لاحقا مع حزب الله والفصائل الفلسطينية.
على الصعيد الأمريكي اهم الدوافع ما يرتبط بتزايد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط ومحاولة الصين الدخول على خط الوساطة في الصراع العربي الإسرائيلي. ما يهم الولايات المتحدة تثبيت صورة النفوذ الأمريكي القوي في للمنطقة، مع ثبوت تراجعه وفقدان الثقة به. وبنفس القدر ضمان امن إسرائيل وسط تغيرات هائلة تجري على صعيد المنطقة والعالم.
انا لست من المؤمنين بأن إسرائيل و الولايات المتحدة دعاة سلام وإعادة الحقوق او ان المفاوضات تجلب سلاما مع عدو لا يعرف في كل تاريخه الا القتل والمجازر والحروب وهدم البيوت وتشريد السكان واحتلال أراضي الغير وعدم احترام القانون الدولي و الإنساني.
الحقوق يمكن ان تعود عندما نغير موازين القوى بجهود مخلصة وتضحيات قوى المقاومة والقوى الحية ومعنا امتنا العربية والإسلامية، ونراه قريبا.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين