آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » «إغراءات» أميركية جديدة لمصر: «سد النهضة» مقابل غزة؟

«إغراءات» أميركية جديدة لمصر: «سد النهضة» مقابل غزة؟

 

محمد عبد الكريم أحمد

 

أدلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل أيام، بتصريحات مهمّة، لفت فيها إلى «تفهُّم» بلاده خطورة تأثير «سدّ النهضة» على الحياة في مصر، ودعا إلى حلّ عاجل للأزمة. وتعمّد ترامب، خلال اجتماعه مع الأمين العام لـ«الناتو»، مارك روته، الوقوف عند مسألة السدّ، رغم أن أجندة اللقاء الرئيسية كانت حول مسألتَي الدفاع والأمن.

 

وكان قد أثار الرئيس الأميركي هذه المسألة، في تشرين الأول 2020، بعد فشل المفاوضات التي سبق أن رعتها وزارة الخزانة الأميركية مطلع العام نفسه، في ما فُهم وقتها بأنه تصريح لمصر بـ«ضرب سدّ النهضة»، ووصفته أديس أبابا بأنه «خيانة أميركية» لإثيوبيا. وفي إطار تصريحاته الأخيرة، لفت ترامب إلى تقديم بلاده دعماً ماليّاً لبناء السدّ، معبّراً عن عجزه عن فهم عدم معالجة بلاده، على نحو ملائم، «القضايا التي خلقها»، فيما رأى أن النزاع لم يَعُد مسألة توتّر إقليمي، ولكنه «مسألة إنسانية وإقليمية بالنسبة إلى مصر».

 

وإذ أثارت تصريحات ترامب مخاوف عدد من الخبراء المعنيين بالملفّ في القاهرة، من استغلال التدخّل الأميركي لدفع مصر نحو قبول تسويات مؤلمة في ملفات أخرى، سارع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي (15 الجاري)، إلى إصدار بيان مقتضب، رحّب فيه بتصريحات الرئيس الأميركي وثمّنها، باعتبارها «دالّة على جدّية الولايات المتحدة في بذل الجهود لتسوية النزاعات ووقف الحروب»، مؤكداً تقدير مصر «حرص الرئيس ترامب على التوصّل إلى اتّفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السدّ الإثيوبي، وتأكيده ما يمثّله النيل لمصر كمصدر للحياة».

 

واشنطن و«سدّ النهضة»: حلول مؤجلة

توقّف تدخل الولايات المتحدة في جهود تسوية ملف «سدّ النهضة» بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان، على حسابات واشنطن في الإقليم ككلّ. وأشّر تفاديها هذا التدخّل، إلى أن ثمة توطئةً لمزيد من التأزّم ثم فرض شروط قاسية على أطراف الأزمة، ولا سيما على مصر التي تُعدّ المتضرّر الأكبر من مشروع السدّ. واتّضح ما تقدّم في توقّف جهود إدارة ترامب في الملف، بعد اختراق مرحلي (كانون الثاني – شباط 2020) لم تستطع واشنطن فرض مخرجاته التي قبلتها مصر والسودان، ورفضتها إثيوبيا بلهجة واضحة، كما جاء في بيان الخارجية الإثيوبية، في نهاية شباط 2020، الذي عبّر عن سخط أديس أبابا من «جهود الوساطة الأميركية» في الملفّ، ردّاً على مفاوضات رعتها الولايات المتحدة ضمّت مصر والسودان من دون حضور إثيوبيا.

 

ومع تغيّر الإدارة الأميركية وتولّي جو بايدن الرئاسة (كانون الثاني 2021)، غاب ملفّ «سدّ النهضة» بشكل شبه كامل عن أجندة الولايات المتحدة في المنطقة، في وقت لوحظ فيه إقدام آبي أحمد على إعلان حربه في إقليم التيغراي مع الساعات الأولى من إعلان هزيمة ترامب وفوز بايدن (3 تشرين الثاني 2020)؛ وقد كانت المواقف الأميركية المتفهّمة ضمنيّاً لدوافع الحكومة الفدرالية في الحرب (بالتعاون مع الصومال وإريتريا) ضدّ «حكومة إقليم التيغراي» آنذاك، دالة على نجاح آبي أحمد في موازنة «الضغوط» الأميركية المنتقدة لانتهاكات قواته في الحرب بحق مئات الآلاف من المدنيين العزّل، وتهميش أيّ جهود لمقاربة أزمة ملفّ «سدّ النهضة». إلا أن الاهتمام الأميركي بالملف عاد ليظهر بشكل لافت في 23 حزيران الماضي، عندما كتب ترامب سلسلة تعليقات على منصة تروث «سوشال»، عدّ فيها تمويل الولايات المتحدة لمشروع بناء «سدّ النهضة» «غباء».

 

تظلّ مقاربة ترامب لملفّ «سد النهضة» إغواءً واضحاً لمصر

 

غير أن تعليقات ترامب الأخيرة بخصوص السدّ، وما تخللها من إعلانه عزم بلاده التدخّل في الأزمة بين إثيوبيا ومصر حوله، تكتسب أهمية (أو مصداقية) أكبر، إذا نُظر إليها في سياق آلية صنع السياسة الخارجية الأميركية راهناً، والتي يطغى عليها تهميش الطابع المؤسساتي (على الأقلّ ظاهريّاً). مع ذلك، ورغم الترحيب الواضح من قِبَل السيسي بتصريحات ترامب، وبوادر القلق الإثيوبي الحذر نحوها، فإن تساؤل الخبراء في مصر على وجه التحديد يتمحور حول «المقابل» الذي يبتغيه ترامب من القاهرة إزاء تخليصها من أحد أعقد ملفّات سياساتها الخارجية، وهو ما يظلّ بدوره مثيراً للقلق، ولا سيما في ضوء النهج الذي يتبعه الرئيس الأميركي إزاء ملفات أفريقيا وسائر الدول، والكلفة المرتفعة التي يضعها إزاء أيّ تدخل أميركي.

 

ووفقاً لخبراء، فإن التكلفة المرتقبة ستكون باهظة، وربّما على حساب موقف مصر المبدئي من القضيّة الفلسطينية أو بعض أركانها (مثل ملفّ التهجير من غزة). ورغم تأكيد الرئيس المصري، في تعليقه على تصريحات ترامب، أهمية دور واشنطن في حلّ النزاعات في أفريقيا والأراضي الفلسطينية (ما قد يحيل إلى رسالة ضمنية بعدم استعداد مصر لتغيير موقفها الحالي من القضية الفلسطينية)، فإن سبل الوصول إلى حلول وسط تظلّ مفتوحة في ظلّ قدرات إدارة ترامب التفاوضية المشهود بنجاعتها أفريقيّاً.

 

الحسابات الإثيوبية والمصرية: موازنة الأعباء

عمدت إثيوبيا، مراراً، إلى نفي أيّ تمويل أميركي لمشروع «سدّ النهضة»، وهو ما تكرّر أيضاً في أعقاب تصريحات ترامب الأخيرة، وكذلك تلك السابقة في حزيران الماضي. ويلاحظ أن تعليقات الرئيس الأميركي جاءت بعد نحو أسبوعين فقط من إعلان آبي أحمد أمام مجلس النواب الإثيوبي افتتاح السدّ «رسميّاً» في غضون شهرين (في أيلول المقبل)، وتوجيهه دعوة إلى كلّ من مصر والسودان لحضور الافتتاح.

 

كذلك، لا يمكن فصل التطوّر المرتقب، في حال تدخّل ترامب جدّياً في الملفّ، عن مجمل الأوضاع في إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي من جهة، وعن موقع مصر في عملية «إعادة تشكيل» الشرق الأوسط الجارية من الجهة الأخرى؛ فإثيوبيا تواجه تصعيداً مستمراً بسبب توتّر علاقاتها مع إريتريا والصومال، فيما لا يزال موقف مصر متشدّداً إزاء حصولها على منفذ بحري على البحر الأحمر (حتى في إطار صفقة حول المياه وسدّ النهضة).

 

وعلى أيّ حال، تظلّ مقاربة ترامب لملفّ «سد النهضة» إغواءً واضحاً لمصر، دفع ببعض الناطقين باسم الديبلوماسية المصرية إلى عدّ تعليقات الرئيس الأميركي «انتصاراً»، وهو ما يؤشر إلى تلهّف مصري واضح لتسوية هذا الملف، وثقة واضحة في دور ترامب المرتقب فيه. إلا أن الثمن الذي ستطلبه واشنطن من القاهرة لقاء ذلك سيظلّ مؤرقاً، وربّما يفوق قدرات الأخيرة راهناً.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عشرة أيام حاسمة أمام المفاوضات: «المرونة» الإسرائيلية… لفظية فحسب

    تتكثّف الجهود الدبلوماسية في محاولة للدفع قدماً بمسار التفاوض بين العدو الإسرائيلي وحركة «حماس»، بهدف التوصّل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في ...