حسين إبراهيم
الأزمة التي أثارتها إسرائيل حول الزيارة التي كان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، يعتزم القيام بها، أمس، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، هي من نوع جديد لم يسبق أن شهد الصراع – العربي – الإسرائيلي مثيلاً له. هي أزمة في علاقات مؤجّلة، لم تُقَم رسمياً بعد، ويبدو أن المسار الذي تعتمده الرياض في ما يخص ذلك الصراع، هو الوصول إلى إقامتها متى توافرت الظروف المناسبة لها.
والتوصيف الذي كان يُطلق على زيارة أي مسؤول عربي للأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال، وهو التطبيع، لم يعُد يفي بالغرض، بعد أن تنامى التطبيع بشكل كبير، ومنه السعودي، الذي تفيد التقارير بأنه جارٍ على قدم وساق، وإن كان الرسمي منه تَمثّل بخطوات محدودة من نوع السماح للطيران المدني الإسرائيلي بالتحليق فوق المملكة.
الجديد هنا، هو الرفض الإسرائيلي للزيارة، بذريعة أن الوزير السعودي الذي كان سيحضر برفقة وفد من وزراء الخارجية العرب، أراد الانتقال بالمروحية من الأردن إلى الأراضي المحتلة، لتجنّب إحراج المرور على حاجز جسر اللنبي الإسرائيلي. ويبدو أن هذا الرفض محاولة لتوريط الرياض في خطوة تطبيع علنية تعتبرها المملكة غير مناسبة في ظل الأوضاع الراهنة في قطاع غزة، ومجمل ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات في أكثر من دولة في المنطقة. وكان الرد السعودي، بالتالي، إلغاء الزيارة، مع إيحاء بأن محاولة الاقتحام الديبلوماسية تلك، حقّقت هدفها بحشر إسرائيل.
على أن ثمة دلالات كثيرة لزيارة من هذا النوع، لعلّ أبرزها أنها كانت ستشكل أول زيارة لمسؤول سعودي إلى الضفة الغربية منذ احتلال إسرائيل لها عام 1967، سواء تمت بالمروحية أو بالسيارة؛ إذ إن الوسيلة المستخدمة فيها لا تغير من طبيعتها كزيارة لأرض تحت الاحتلال، وتمثّل، بشكل أو آخر، قبولاً بالتعايش مع الأخير. والأهم هو أنها قُدِّمت كمبادرة من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بحسب ما نقله موقع «واينت» الإسرائيلي عن مسؤول سعودي.
لكن السبب الإسرائيلي الأساسي للرفض الذي يمثّل إقلاعاً عن سياسة الترحيب بأي انفتاح عربي، هو أن المملكة لا تزال تربط التطبيع مع العدو بإقامة دولة فلسطينية تعارضها إسرائيل من أساسها كفكرة، وتعتبر الزيارة الملغاة محاولة لتكريس هذا الربط. ومن هنا، يجسّد إفشال الزيارة حقيقة معروفة هي أن إسرائيل تريد التطبيع مع السعودية وغيرها من العرب من دون أي أثمان، وهو تحوّل كبير في الموقف، ينسجم مع التطورات التي حصلت ما بعد «طوفان الأقصى»؛ إذ صارت تل أبيب تعتبر أن العلاقات معها ضرورة للأنظمة العربية، أكثر مما هي حاجة لها، وأنها أسْدت لهذه الأنظمة خدمات كبيرة عبر إضعاف «محور المقاومة»، ولا سيما «حزب الله» وحركة «حماس».
كل ما استطاعت المملكة فعله هو دفع ترامب إلى الموافقة على تأجيل التطبيع في ظل الأوضاع الراهنة
السؤال الآن، هو ماذا ستفعل الرياض التي أعادت صياغة سياستها الرسمية تحت قيادة ابن سلمان، بعد حروب غزة ولبنان وسوريا، على أساس اشتراط إقامة دولة فلسطينية، من دون أي تحديد لطبيعة هذه الدولة، في ما يمثل سقفاً منخفضاً كثيراً عن المبادرة السعودية التي تبنّتها القمة العربية في بيروت عام 2002، وتنص على انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة إلى خط الرابع من حزيران 1967؟
المبادرة تلك رفضتها إسرائيل في يوم تبنّيها، من دون أن تقدّم أي بديل، ومع ذلك استمر العرب في التمسك بها بالنظر إلى أن أنظمتهم ليست لديها أيضاً بدائل. لكن إسرائيل تقدّمت مذّاك إلى وضع تعمل فيه على فرض ما تسميه السلام بالقوة العسكرية، أي فرض الاستسلام الكامل على الخصم.
ما حدث في المجمل يشير إلى استمرار مأزق الخيار السعودي، الذي يقف في منطقة لا يستطيع معها الذهاب إلى التطبيع المجاني، ولا العودة إلى خيارات أخرى لم تكن يوماً على جدول أعماله، من نوع دعم المقاومة. وفي هذا الوقت الضائع الذي تراهن فيه المملكة (عبثاً) على إنتاج شريك إسرائيلي مستعد لتفهّم بعض مطالبها، ستستمر الرياض في تشجيع الآخرين على التطبيع، كما حصل مع الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، الذي استُدعي إلى العاصمة السعودية للقاء ابن سلمان والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ظل محادثات سورية – إسرائيلية تفترض واشنطن وتل أبيب أنها ستصل إلى التطبيع؛ وكما حصل أيضاً عندما شجّعت كل الدول التي طبّعت في السنوات الأخيرة ووفّرت لها التغطية السياسية.
وقد كانت السعودية، وفق الكثير من التقارير، تستعد للتطبيع مع إسرائيل قبل عملية «طوفان الأقصى» التي قيل يومها إن من بين أهدافها نسف تطبيع بدا وشيكاً بين الجانبين، فيما يُنسب التحوّل في موقفها في اتجاه عدم التطبيع إلا بشرط إقامة دولة فلسطينية، إلى مسوحات للرأي العام السعودي تشير إلى رفضه للتطبيع، وهو ما يعني أن المقاومة، إذا كانت تلقّت ضربات عسكرية، فإن شعبيتها بين العرب توسّعت كثيراً. كما إن إسرائيل ظهرت، في هذه الحرب، بأقبح صورها كعدو استئصالي مخيف ليس التطبيع معه خياراً عقلانياً.
مع ذلك، قد يخرج من يقول إن المملكة سجّلت مكسباً ديبلوماسياً عبر العمل على حشر إسرائيل، وهي بالفعل تقوم بجهود في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، من مثل القمة التي استضافتها في الرياض في تشرين الثاني الماضي، وجرى خلالها إقامة تحالف عالمي لتنفيذ حل الدولتين.
لكن الواقع أن السعودية تعلم علم اليقين أن كل تلك التحرّكات لا توصل إلى الهدف المرجو، ما دامت أميركا تخلّت عملياً عن حل الدولتين الذي هو في الأساس مقترح أميركي، فيما كل ما استطاعت المملكة فعله هو دفع ترامب إلى الموافقة على تأجيل التطبيع في ظل الأوضاع الراهنة.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار