الجميع يعلم أن الحكومة الإسرائيلية التي يترأسها بنيامين نتنياهو تُعد الأكثر تطرفًا وخطرًا وعنفًا في تاريخ إسرائيل المزعوم، لكن لم يكن أحد يتوقع أن يكون وزيرًا بهذه الحكومة محل سخرية وانتقادات وصلت لحد الإهانة والاتهام بأنه المتسبب الأول والأخير بتقريب “دولة الاحتلال” نحو هلاكها ونهايتها.
إيتمار بن غفير وهو وزير ما يسمى بـ”الأمن القومي” في الحكومة الإسرائيلية، بات حديث الإعلام والشارع، نظرًا للقرارات الصادمة والخطيرة التي يتخذها، وتُهدد فعليًا بإشعال المنطقة بأكملها وتضع مصير الحكومة التي يقاتل نتنياهو من أجل صمودها وبقائها على المحك.
“هدم منازل الفلسطينيين، وقتلهم بدم بارد، والاعتداء على الأسرى داخل السجون، والتجهيز لعملية السور الواقي2 في القدس، ومحاربة السلطة الفلسطينية وقطع الأموال والضرائب عنها، والتصعيد مع العرب، والدعوة لزيادة الاستيطان، وتشريد العائلات وهدم المنازل…الخ”، جميعها كانت قرارات صدرت عن بن غفير فور وصوله لكرسي الحكومة.
فبعد هذا التصعيد باتت التحذيرات تخرج من كل مكان داخل إسرائيل وخارجها، حول توجهات هذا الرجل المتطرف حتى وصلت بعضها إلى أنه الأخطر الذي سيقود إسرائيل فعليًا إلى نهايتها، وقد يكون المتسبب في إنهيار الحكومة أو حتى اغتيال نتنياهو شخصيًا.
آخر هذه التحذيرات، ما طالب به أمس قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، نتنياهو، بالضغط على بن غفير، لوقف الحملة الأمنية التي أطلقها في مدينة القدس المحتلة، وذلك منعا لتصعيد أمني واسع.
-
الأخطر على إسرائيل
جاء ذلك بحسب ما أوردت هيئة البث العام الإسرائيلي (“كان 11”)، أن نتنياهو لم يتوجه بنفسه إلى بن غفير في أعقاب التحذيرات الأمنية التي تلقاها، وإنما أرسل سكرتيره العسكري، لمحاولة إقناع بن غفير بوقف الحملة التصعيدية للاحتلال في القدس.
وخلال الأيام الماضية، صعّدت شرطة الاحتلال من اعتداءاتها على الفلسطينيين في القدس، بما يشمل تعزيز عمليات الهدم وأوامر الإخلاء بحجة البناء غير المرخص، كما شنت حملة اعتقالات ومداهمات واسعة استهدفت خلالها منازل أسرى ومحررين، وصادرت أموال وممتلكات وحررت غرامات.
وذكرت “كان 11″، نقلا عن مصادر مطلعة، قولها إن المحادثات الأخيرة التي أجراها نتنياهو مع رئيس أركان جيش الاحتلال والمفتش العام للشرطة، ورئيس جهاز أمن الاحتلال العام (الشاباك)، أظهرت إجماع قادة أجهزة الأمن على ضرورة وقف العملية الأمنية التي أطلقها بن غفير في القدس.
وأضافت أن رؤساء أجهزة الأمن، طالبوا نتنياهو خلال اجتماع خاص عقد في الأيام الماضية، بالضغط لوقف الحملة الأمنية في القدس؛ وفي أعقاب ذلك، طلب نتنياهو من سكرتيره العسكري، آفي غيل، التوجه إلى بن غفير، ومحاولة إقناعه بضرورة وقف التصعيد في القدس، وعدم تفجير الأوضاع في أحياء وبلدات القدس المحتلة.
في المقابل، ذكرت القناة 12 أن نتنياهو عقد الليلة الماضية، جلسة خاصة لتقييم الأوضاع الأمنية بمشاركة وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، ووزير الأمن، يوآف غالانت، ووزير الأمن القومي، بن غفير، وبحضور رئيس أركان الجيش، والمفتش العام للشرطة، ورئيس الشاباك، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية.
وبحسب التقرير فإن الجلسة شهدت مشادات حادة بين بن غفير وقادة أجهزة الأمن الذين طالبوا بالتعامل مع العمليات الفلسطينية الأخيرة في القدس بـ”بحذر واعتدال” منعا لتصعيد أكبر قبل شهر رمضان، فيما اتهم بن غفير قادة الأجهزة الأمنية بأنهم أسرى للتصور (أو الرؤية الأمنية السائدة).
وحذّر قادة الأجهزة الأمنية من سياسة بن غفير، وقالوا إنه “وفقا لتقديراتنا، سيزداد التصعيد في العمليات، الإنذاران في زيادة مستمرة”، وقالوا إنهم يرصدون “ديناميات سيئة على الأرض؛ المواد الاستخباراتية تشير إلى تعاظم الدافع (لدى المقدسيين) لتنفيذ عمليات”، وشددوا على أنه “”في الشهر الذي يسبق شهر رمضان، يجب توخي الحذر والاعتدال، لا نريد إشعال المنطقة أكثر”.
في المقابل، هاجم بن غفير قادة الأجهزة الأمنية، وقال لهم: “أنتم أسرى التصور (الأمني السائد)، كل هذه السنوات اتبعنا طريقتكم ولم نحقق أي شيء”.
وتابع بن غفير أنه “إذا كنتم مستعدون أن تضمنوا لي بأنه لا تكون هناك المزيد من العمليات إذا أوقفت جميع إجراءات فرض القانون في القدس – فلنتوقف إذن (عن الحملة الأمنية التي أطلقها خلال الفترة الأخيرة في القدس المحلتة)”؛ وفي حين لم يعارض نتنياهو بن غفير خلال الجلسة، قال التقرير إن نتنياهو يتبنى مقاربة أقرب إلى نهج الأجهزة الأمنية.
والثلاثاء الماضي، قررت حكومة الاحتلال (الإسرائيلية) نشر 3 سرايا من قوات الاحتياط التابعة لقوات “حرس الحدود” الشرطية في القدس، بعد مطالباتبن غفير بهدم المزيد من منازل الفلسطينيين في المدينة المحتلة. وكانت شرطة الاحتلال قد زادت في الأسابيع الأخيرة من تواجدها في القدس.
ويأتي ذلك وسط تقارير حول تصاعد الخلافات بين نتنياهو وبن غفير بشأن تصعيد حملة الاحتلال الأمنية في القدس، إذ دار سجال في جلسة الحكومة الأخيرة بين نتنياهو ووزيره للأمن القومي في أعقاب إصرار الأخير على تدمير مبنى فلسطيني من 14 طابقا في بلدة السواحرة بالقدس، الأمر الذي عارضه نتنياهو كونه “يثير انتقادات دولية واسعة”.
-
خلافات عميقة
ومساء الأربعاء، كشفت القناة 13 أن رئيس الشاباك، رونين بار، حذّر بن غفير، من أن تصرفاته قد تقود إلى تصعيد ميداني في القدس والضفة الغربية المحتلتين، وطالبه بالتخفيف من حدة أنشطته في القدس، مشددا على أن سلوك بن غفير قد يؤدي إلى إشعال فتيل مواجهة أمنية واسعة.
ووفقا للتقرير، فإن بن غفير علّق على توجه رئيس الشاباك بالقول: “لقد جربنا أسلوبك، ولم يجلب لنا الأمن”، فيما شدد بار على أن تصرفات بن غفير تخلق شعورا عاما بـ”الإساءة والتعرض بشكل جمعي” للفلسطينيين في القدس المحتلة، فيما يعمل بن غفير على توسيع دائرة إخضاع المقدسيين لعقاب جماعي عبر تعزيز الإجراءات الأمنية للرد على العمليات الأخيرة.
وفي هذا الصدد قالت صحيفة “معاريف”، إن تصرفات بن غفير تجاه الفلسطينيين ستجر إسرائيل إلى اتساع موجة العمليات الفلسطينية، وأوضح المحلل العسكري للصحيفة، تال ليف رام، أن العمليات الفلسطينية الكبيرة التي وقعت في القدس، تشير بقدر كبير إلى استمرار اتساع موجة العمليات هناك.
وأضاف: “في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، قتل فيها 11 مستوطنًا إسرائيليًا، وهذه إشارة خطيرة للشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود ولوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، السؤال الآن عن مدى جاهزية القوات للتصدي لموجة العمليات الحالية في القدس.
ورأى أن مسؤولية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هي العمل بخطة مرتبة، بهدف محاولة وقف ميل التصعيد، قد يكون نتنياهو مشغولا بالثورة القضائية، لكن القدس في هذه الأثناء تهرب له، ويبدو أن وزير الأمن القومي، المسؤول عن جبهة الأمن في المدينة، لم يجد بعد الأيدي والأرجل، فهو منشغل بالصغائر والاستعراضات التي تتأثر بعلاقات عامة لحظية.
وخلص المحلل العسكري إلى أن “تصعيدًا دراماتيكيًا في القدس كفيل بأن يؤثر على كل الساحة الفلسطينية، وإذا كان نتنياهو معنيًا بالامتناع عن مثل هذا التصعيد، فهو مطالب بأن يدير الوضع عن كثب، وألا يترك الدفة في يدي وزير عديم التجربة لا يبذل جهدًا كما يبدو لأن يتعلم من تجارب الآخرين”.
-
أضحوكة الإعلام
وسائل الإعلام العبرية التي لعبت دورًا كبيرًا في جعل “بن غفير” أضحوكة تواصل حملتها، فبعد عملية القدس الأخيرة ضجت صفحاتها ومواقعها بالتعليقات الساخرة على “بن غفير”، لا سيما بعد حديثه عن شن عملية السور الواقي 2 في القدس المحتلة، لتغزو المواقع الإعلامية برسومات كاريكاتير وتعليقات ساخرة.
المختص في الشأن “الإسرائيلي” عزام أبو العدس، قال إن بن غفير بعد تصريحاته تحول إلى أضحوكة في الاعلام العبري، وبين النشطاء “الإسرائيليين” والمنافسين له، مضيفًا “هذه التصريحات غير منطقية لأن العملية فردية، ولا يوجد مسار للعمل ضد تنظيمات أو أحزاب، وربما منفذ العملية قرر التنفيذ فورا لحظة وقوع العملية”.
وتابع: “إلى جانب ذلك تصريحات بن غفير جعلت كل المحللين الإسرائيليين يسخرون منه، خاصة أنه لم يقوم باستشارة من الكابينت أو الحكومة، عدا أن يقود هذا القرار إلى انتفاضة جديدة في القدس الشرقية وعموم الضفة أو الممكن أن تصل غزة.
وأوضح أبو العدس، أن تجهيز بنك أهداف وأوامر اعتقال مثلما يريد بن غفير، يحتاج إلى تخطيط مسبق، مشيرًا إلى أن اللافت بعد العملية أن بن غفير تحول إلى أضحوكة في الاعلام العبري بسبب قراره المتسرع.
وانتقد مسؤولان رفيعان في حكومة نتنياهو، إيعاز بن غفير للشرطة بالاستعداد لعملية “السور الواقي 2” من دون إقراره في “الكابينيت”، وقال المسؤولان، أن “القرار ببدء عملية كهذه لا يتم اتخاذه من دون إعطاء تفسيرات والتنسيق مع باقي المسؤولين في أجهزة الأمن، كما مع رئيس الحكومة (ووزير الأمن (يوآف غالانت)”؛ حسب ما ورد في موقع “واينت” الإلكتروني.
وأضاف مسؤول سياسي أن “منفذ عملية الدهس جرى تسريحه بالأمس من مستشفى الأمراض النفسية، فيما أن المنزل الذي طالب نتنياهو بهدمه ليس بملكيته”.
وأمام هذا التخبط الحاصل يبقى التساؤل هل سيقود بن غفير إسرائيل لنهايتها؟ ويتسبب بقتل حلم نتنياهو الكبير؟
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم