علي عبود
لفتنا جدا تصريح مسؤول في قطاع المحروقات بقوله:( سعر السوق السوداء للمحروقات يُحدد حسب العرض والطلب، وكان الإقبال عليها بشكل كبير قبل فترة العيد)! نستنتج من هذا التصريح ثلاث ظواهر، الأولى اعتراف رسمي بسوق المحروقات السوداء، والثانية تبرير ارتفاع أسعارها حسب العرض والطلب،والثالثة الإقبال على الشراء من السوق السوداء. وعندما يصل سعر ليتر البنزين إلى 8 آلاف ليرة، فهذا يؤكد إن وزارة التجارة الداخلية مقصرة بمنع وصول المادة إلى السوق السوداء، بقدر تقصير وزارة النفط بتطبيق آليات تمنع تهريب البنزين من الصهاريج ومحطات الوقود إلى هذه السوق، بدليل انتعاشها بشكل مريب أكثر فأكثر بدلا من أن تتقلص إلى الحدود الدنيا! ولو كانت الضبوط بمحطات الوقود وإغلاقها، وتغريم أصحابها بعشرات الملايين، آلية فعالة لما انتعشت سوق المحروقات في المناسبات التي يحتاج فيها أصحاب السيارات والمنشآت الإنتاجية والخدمية إلى المحروقات فلا يجدون عرضا يكفيهم إلا في السوق السوداء، ترى ألا تثير هذه الظاهرة الريبة والشكوك؟ لم تجب أي جهة حكومية بشكل قاطع على السؤال: من يزوّد السوق السوداء بالمحروقات؟ الإجابة على هذا السؤال تستتبع الإعلان عن آليات فعالة تمنع المتاجرة بالمحروقات، وشفط المليارات من أصحاب الحاجة لتصب في خزائن “مافيات” منظمة أخر خطوطها “نواطير” الأبنية، نعم تحول النواطير إلى مسوقين لدى المافيات لتأمين المحروقات “دليفري”، اتصال هاتفي بأحدهم ويُحضر للمحتاج الكمية التي يقوى على دفع ثمنها ولوكانت بالملايين!! وبما أن ناقلات النفط تصل تباعا إلى مصفاة بانياس، وبما أن إنتاجها يزيد عن حاجة السوق المعلنة من البنزين حسب أرقام وزارة النفط، فلماذا الإحجام عن تزويد الناس بحاجاتهم ولو في المناسبات والأعياد؟ أليس في الأمر مايدعو فعلا إلى الريبة؟ لقد كشفت وزارة النفط أكثر من مرة إن حاجة السوق اليومية من البنزين تُقدر بكمية 5.5 ملايين ليتر من البنزين يُوزع منها كمية 4 ملايين ليتر،أي أقل من الحاجة بـ 1.5 مليون ليتر يوميا، مما يُشجع على تهريب المادة للسوق السوداء. والأمر مريب لأن إنتاج مصفاة بانياس من البنزين لايقل عن 8 ملايين ليتر يوميا، فلماذا لايخصص منها حاجة السوق أي 5.5 ملايين، والباقي يُخزّن كاحتياطي؟ هل من طريقة أخرى لاجتثاث السوق السوداء سوى بتزويد الناس باحتياجاتهم من البنزين بالسعر الرسمي، وهذا أمر متاح؟ أما المسألة الأخرى المريبة أيضا فهي التهويل بقيام السائقين ببيع مخصصاتهم من المازوت..الخ. حسنا ، لو صح ماتعلنه الجهات الرقابية بسحب بطاقات التعبئة ممن يبيع مخصصاته، أوالتعاقد مع الموظفين أو الطلاب خلال وقت الذروة، لانشّلت حركة النقل نهائيا ، حتى لو صح الأمر فليس المنع بالآلية الفعالة، ولو كانت مجالس الإدارة المحلية جادة بتنظيم حركة النقل وتيسيرها لطبقّت آليات مختلفة تُلزم كل سائق بالعمل على الخط المحدد له سلفا، مع التلويح بسحب رخصته العمومية نهائيا لا لبضعة أيام! الخلاصة: تقنين توزيع المحروقات إن لم تواكبه آليات فعالة تضمن وصولها إلى مستحقيها، وإلى تيسير حركة النقل ودوران عجلة الإنتاج، فسيسفرعن هذا التقنين حتما سوق سوداء تديرها مافيات يثير انتعاشها الريبة والتساؤلات اللابريئة بفعل تقصير الجهات المعنية باجتثاثها سواء عمدا أو تكاسلا!!
(سيرياهوم نيوز6-الرابع والعشرين من تموز2022)