آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » إنذار نيويورك: إسرائيل لم تعُد «البقرة المقدّسة»

إنذار نيويورك: إسرائيل لم تعُد «البقرة المقدّسة»

 

يحيى دبوق

 

 

 

ليس كلّ فوز انتخابي محلّي، حدثاً استراتيجيّاً؛ لكن، عندما تختار نيويورك، المدينة التي تضمّ أكبر تجمُّع يهودي خارج إسرائيل، عمدةً مسلماً يعلن صراحةً دعمه لفلسطين، ونقده لإسرائيل، فإن الحدث يتجاوز حدود الإدارة المحلية في مدينة أميركية كبرى، ليصبح مرآة لتحوّلات عميقة، سواء في الداخل الأميركي نفسه، أو لناحية علاقة الولايات المتحدة مع الحليفة التقليدية، إسرائيل. وهكذا، لا يعود فوز زهران ممداني مجرّد انتصار لشخص أو لحزب، بل يصبح مؤشّراً إلى أن إسرائيل لم تَعُد تلك «القضيّة المقدّسة» التي توحّد الأميركيين بشكل عابر للانتماءات، بعدما أصبحت محلّ سجال داخل المجتمع الأميركي نفسه، وتبعاً له داخل أروقة السياسة الأميركية. لكنّ الأهمّ من النتيجة، هو الأسباب التي أدّت إليها، وعلى رأسها أن جيلاً جديداً، في قلب معقل يهودي تاريخي، بات يعتقد بوجوب تأمين العدالة للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، لأن ذلك يشكّل، وفقاً لتعبيرات أميركية «تقدّمية»، جزءاً لا يتجزّأ من «رؤية هذا الجيل الأخلاقية» للعالم.

 

وتمثّل مدينة نيويورك مركز المال والإعلام والثقافة، والأهمّ أنها قلب الجالية اليهودية الأميركية. ولذلك، يمثّل اختيار جزء لا يستهان به من سكانها، بمن فيهم يهود شبان، لمرشّح يرفض شرعية الدولة اليهودية، ويدعو إلى وقف الدعم لها، إشارة لا لبس فيها إلى أن الإجماع القديم حول إسرائيل، قد تآكل. ولعلّ المفارقة المقلقة بالنسبة إلى الدولة العبرية هنا، هي كون هذا التحوّل لم يأتِ من خارج المجتمع اليهودي نفسه، بل من داخله؛ إذ بحسب استطلاع للرأي أجراه معهد «بيو» (Pew Research Center)، في آذار الماضي، وخلص إلى أن 53% من الأميركيين يحملون نظرة سلبية تجاه إسرائيل – أعلى مستوى منذ بدء قياسات المعهد -، فإن نسبة الدعم لإسرائيل بين اليهود الأميركيين تحت سن الـ35 عاماً، انخفضت إلى ما دون الـ40%، بينما لا تزال أكثر من 70% في أوساط مَن تجاوزوا الـ65 عاماً. كذلك، أظهر استطلاع لـ»غالوب»، أن الدعم العام لإسرائيل بات في أدنى مستوياته منذ 25 عاماً، بعدما بلغ 46% فقط.

 

واللافت أيضاً، أن الانقسام لم يَعُد حكراً على الديمقراطيين؛ ففي حين أن الجناح التقدّمي في الحزب هو مَن يقود عمليّاً الخطاب النقدي الأشدّ حدّة لتل أبيب وسياساتها، فإن اليمين الأميركي، بقيادة الرئيس الحالي دونالد ترامب، يشهد بدوره تحوّلاً مختلفاً، إذ بينما يبدي ترامب دعمه الاستعراضي لإسرائيل، فإن جزءاً لا يستهان به من قاعدته المؤيّدة لسياسة «أميركا أولاً»، يرى أن هذا الدعم بات يشكّل عبئاً، فضلاً عن كونه لا يخدم المصلحة الوطنية المباشرة. أمّا الحلفاء التقليديون، كالمسيحيين الإنجيليين، فهم أيضاً في حالة انحسار ديموغرافي، إذ ووفق دراسة أعدّها «معهد الأبحاث الدينية العامة» (PRRI)، تراجعت نسبة الأميركيين الإنجيليين، من 23% في عام 2006، إلى 14% في عام 2020. أيضاً، فإن دعم الشباب منهم، لإسرائيل يتراجع باطّراد، بحسب ما تظهره استطلاعات متعدّدة، مقارنة بالأجيال السابقة.

 

أصبح موضوع العلاقات مع إسرائيل تدريجيّاً قضيّة داخلية أميركية

 

 

وتفسّر هذه المعطيات، القلق الذي عبّر عنه السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، زلمان شوفال، وهو أحد أبرز مهندسي العلاقة الأميركية – الإسرائيلية في العقود الماضية، حين حذّر، في مقالة رأي في صحيفة «معاريف»، من أن الانتخابات المحلية في أميركا، وخاصة في نيويورك، ما هي إلّا «انعكاس لتحوّلات عميقة في البنية السياسية الأميركية»، ذلك أن المكانة الخاصة لإسرائيل في الولايات المتحدة لم تَعُد مضمونة، خصوصاً مع بروز جيل جديد يَنظر إلى القضيّة الفلسطينية بشكل مختلف.

 

وعنونت صحيفة «معاريف» تغطيتها الإعلامية للانتخابات في نيويورك، بعبارات من مثل: «بدءاً من نيويورك – هل يتحقّق سيناريو الكابوس الإسرائيلي بالفعل؟»، مشيرةً، في تعليقها على فوز زهران ممداني، إلى أن «الانتخابات الليلة هي أيضاً إشارة موجّهة إلى إسرائيل. على عكس انتخابات سابقة، أصبح موضوع العلاقات مع إسرائيل تدريجيّاً قضيّة داخلية أميركية، فإذا كان الدعم قبل وقت قصير يُعدّ شبه مسلَّم به، فإن هذا الموقف اليوم بات موضع نقاشٍ عامٍّ حقيقي».

 

ويتقاطع هذا القلق مع تحذيرات شبه رسمية أشد وضوحاً؛ ففي ورقة سياسات صدرت، أمس، عن «مركز دراسات الأمن القومي» في تل أبيب، بعنوان: «اليوم الذي بعد ترامب: كيف يجب على إسرائيل أن تعدّ نفسها للزلزال القادم»، يوصي صراحة باستغلال نافذة الفرصة الحالية لترسيخ اتفاقات استراتيجية لا رجعة عنها، من قَبيل شراكات تكنولوجية عميقة، واندماج في شبكات الدفاع والأمن الأميركية، ومفاوضات مباشرة مع دول المنطقة تحت مظلّة واشنطن. ويرى المعهد أن على إسرائيل أن تسارع بلا إبطاء إلى استغلال اندفاعة ترامب وتعاطفه معها، للتقليل لاحقاً من تداعيات المتغيّرات الداخلية في أميركا، سواء عبر تحصيل المزيد من المكاسب، أو تثبيت ما جرى الاستحصال عليه بالفعل.

 

وممّا ورد في الورقة أنه «خلال عام 2026، ستجري في إسرائيل انتخابات عامّة للكنيست. ومن جانبها، ستدخل أميركا في انتخابات نصفية، وفور انتهائها ستشرع في حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2028. يعني ذلك أن النافذة الزمنية ضيّقة، ليست لدى الدولة العبرية ثلاث سنوات كاملة للاكتفاء بالإنجازات الحالية. المهلة الفعلية قصيرة جداً. يجب التصرّف الآن. ينبغي دفع التعاون التكنولوجي قدماً، وتسريع إبرام مذكّرة تفاهم جديدة مع الإدارة الأميركية الحالية، وفي الوقت نفسه بناء شبكة من الاتفاقات التي تثبّت المكاسب العملية التي حقّقتها إسرائيل في الحرب ضدّ حماس وفي ساحات النزاع الأخرى. ويشكّل وقف تدهور الحرب في قطاع غزة ومنع تحوّلها إلى حرب استنزاف، تطوّراً مهمّاً، لكن يجب السعي إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، والشروع في التطبيق الكامل لخطّة ترامب، ذات العشرين نقطة».

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١- الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

العلاقة التركية – الإسرائيلية وميادين النفوذ… هل يقع الاشتباك؟

      علاقة جدلية تربط إسرائيل وتركيا. سباق على النفوذ بدأ من سوريا، وباتت غزّة واحدة من ميادينه. لكن التنافس محكوم بالتنسيق لتفادي الاصطدام، ...