آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » إنها حربٌ عالمية ثالثة ونتائجها سترسِمُ وجه العالم من جديد

إنها حربٌ عالمية ثالثة ونتائجها سترسِمُ وجه العالم من جديد

د. عبد الحميد فجر سلوم

لم يعُد الكلامُ مطروحا إن كانت ستقع حربا عالمية ثالثة أم لا، فالعالم يعيش اليوم هذه الحرب، وهي أشرس من الحربين العالميتين الأولى والثانية، إن لجهة توسُّع رقعتها الجغرافية أم لجهة التقدم العلمي الهائل والآلة العسكرية المدمِّرة، والتقنيات التكنولوجية الحديثة.

تحالُفات الحربين العالميتين الأولى والثانية معروفة للجمع. ونتائج كل حرب رسَمت وجها جديدا في أوربا والعالم. ففي الأولى تلاشت أربع إمبراطوريات: الإمبراطورية الروسية عام 1917 بعد ثورة أكتوبر، والإمبراطورية النمساوية ــ المجرية عام 1918 ، والإمبراطورية العثمانية عام 1922 ، والإمبراطورية الألمانية أو القيصرية (الرايخ الثاني). وتأسست عُصبة الأمم المتحدة.

وبعد الثانية برزت قوتين عظميين تقاسمتا أوروبا، وتقسّمت ألمانيا، وشبه جزيرة كوريا، وبلاد الشام، وظهرت القنبلة النووية والسباق النووي، وتأسست منظمة الأمم المتحدة.

طابعُ تلك الحروب أنها كانت بين القوى الأوروبية، وفوق الأراضي الأوروبية، وامتدّت شراراتها إلى خارج أوروبا.

فالقوى الأوروبية كانت طوال تاريخها متصارعة حول النفوذ والهيمنة، لاسيما في زمن الإمبراطوريات في العصور الوسطى، وخاصّة في القرن السادس عشر بين الملك الفرنسي فرانسوا الأول من جهة، ومن جهةٍ أخرى ملك أسبانيا شارلكان أو (كارلوس الخامس) ومعه ملك الإمبراطورية الرومانية المقدّسة شارلمان (وهذه الإمبراطورية نشأت في ألمانيا والنمسا وشمال إيطاليا وشرق فرنسا وكانت قوة عظمى) وتمّت هزيمة ملك فرنسا على يد ملك أسبانيا وحليفه شارلمان في معركة بافيا شمال إيطاليا وأسرهِ ونقلهِ إلى إسبانيا، ومن السِجن أرسل لوالدته رسالة يقول فيها: (كل شيء ضاع إلا الشرف). وبعد أن خرج من السجن بإتفاق إذعان، تحالف مع السلطان العثماني سليمان القانوني ضد أعدائه وتمكن بمساعدته من استعادة الأراضي الفرنسية المُحتلّة.

هذا طبعا عدا عن الحروب الدينية التي سالت فيها أنهار من الدماء في العصور الوسطى. كله كان في القارة الأوروبية.

**

التحالفات كانت دوما متغيرة مع الزمن حسب المصالح. واليوم الوضع مُختلفا. فكافة القوى الأوروبية المتحارِبة بالأمس هي موحّدة اليوم ضدّ خصومها وأعدائها. سواء من خلال حلف الناتو، أو من خلال الإتحاد الأوروبي. وما يجري اليوم بدءاً مِنَ الساحة الأوروبية (أوكرانيا) إلى ساحات الشرق الأوسط المُشتعلة، إلى مضيق تايوان والصراع مع الصين، يندرج في إطار حرب عالمية حقيقية يصحُّ أن نسمِّيها الحرب العالمية الثالثة. وهم يعتبرون روسيا وإيران وكوريا الشمالية أعداء، بينما الصين خصما، ولكن يُصرِّحون أن هذا الخصم خطير جدا على مصالحهم المستقبلية، لاسيما بعد أن أصبحت الصين مصنع العالم، وتمتلك ترسانة من الأسلحة البرية والبحرية والجوية والنووية، واقتصاد قوي، وخمسين بالمائة من تجارة العالم، وقوة بشرية هائلة، وتُنافسهم في آسيا وأفريقيا وكل مكان.

**

اللّافت في هذه الحرب أن كافة القوى الأوروبية الأعضاء في الناتو أم غير الأعضاء، أي دول الغرب الأوروبي والأمريكي، وفي المقدمة الولايات المتحدة، تصطفُّ بقوة مع بعضها في جبهةٍ واحدة متماسكة، سواء على الساحة الأوكرانية حيث تخوض حربا واضحة مع روسيا فوق هذه الساحة، وتتحدث علنا عن دعمها العسكري والمالي والأمني لأوكرانيا، فضلا عن الخبراء، وأيضا في ساحات الشرق الأوسط، فهي تقف بقوة إلى جانب حليفها الإسرائيلي ضد أعدائه في المنطقة، وتدعمه بالمال والسلاح، وتستنفر كافة أساطيلها وبوارجها وحاملات طائراتها، وجنودها وقواعدها في المنطقة، لمساعدة هذا الحليف الإسرائيلي المجرم والمعتدي وغير المسبوق في فظاعاتهِ وإجرامهِ ولم يسلم منهُ بشرا ولا حجرا ولا شجرا، ولا حتى طُرقات عامة.

وذات الأمر ينطبق في شرق آسيا لاسيما في خليج تايوان حيث تقف جميعها بقوة إلى جانب تايوان في وجه الصين كيَدٍ واحدة وصوتٍ واحدٍ.

بينما خصوم وأعداء هذا التحالف الغربي، ليسوا موحّدين في مواقفهم. فالصين وكوريا الشمالية وإيران، يقفون إلى جانب روسيا في أوكرانيا ضد هذا الغرب المتغطرس ولكن لا يصل التنسيق العسكري والأمني بينهم عشرة بالمائة مما هو عليه لدى التحالُف الغربي. وإن قدّموا دعما فهُم يخشون أن يعرف الغرب بذلك. بل في خطابهم السياسي والإعلامي يُظهِرون الحياد، وينفون تقديم أي مساعدات عسكرية.

بينما في الشرق الأوسط يقفون متفرجون، وكلّ ما يصدرُ عنهم هي بيانات تدعو إلى عدم التصعيد وعدم توسيع ساحة الحرب، وأحيانا استنكار الجرائم الكبيرة التي ترتكبها إسرائيل. وهذا ما يشجِّعُ التحالف الغربي العدواني على المضي والتماهي في سياساته العدوانية، لأن خصومهم أو أعدائهم مُشتّتون وليسوا على قلبٍ واحدٍ وموقفٍ واحدٍ. وهذا ما ألمحَ إليه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مقالٍ له في مجلة (فورن أفيرز) في 2 تشرين أول /أكتوبر 2024  حيث قال: إنّ الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية لديها تاريخ معقّد ومصالح مُتباينة، وشراكاتها مع بعض لا تقترب من تركيبة التحالف الطويلة الأمد. ثم تحدّث عن منافسةٍ شرسةٍ تدورُ الآن لتحديد ملامح عصر جديد في الشؤون الدولية.

**

المشاعر وحدها لا تكفي إن لم تُترجَم على أرض الواقع مواجهة عسكرية حقيقية وفعلية في وجه التحالف العسكري الغربي العدواني، وهذا لا يبدو أن هذه الدول قد تقوم به مُجتمِعة وجبهة واحدة، فلكلٍّ منها معركتهُ الخاصّة به والمستقلّة، ويلتقون بالمشاعر، ولذلك الغرب مطمئن أنه لا يوجد خطرا عليه مهما تماهى في عدوانه وتحدّيه واستفزازه، وفي دعم عدوان وجرائم إسرائيل.

فالغرب يستفرد بكل طرف والأطراف الأخرى تراقب، ولا يوجدُ أحدا يقف في وجه هذا الغرب ويضعهُ عند حدوده كما في زمن الاتحاد السوفييتي. فلا قانون دولي يُحترَم، ولا منظمات دولية قادرة على فعل شيء، ولا ميثاق الأمم المتحدة لهُ شأنا، وشريعة الغاب هي السائدة، بل أن المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة مزّق الميثاق أمام الجميع من فوق منبر الجمعية العامة. واليوم تعلن إسرائيل أن أمين عام الأمم المتحدة غوتيرش شخصٌ غير مرغوب فيه وممنوع أن يدخل إسرائيل، فقط لأنه يتألم من الدماء التي تسفكها إسرائيل في غزة ولبنان والمنطقة. وهذا أكبر تحدٍّ للعالم بأسرهِ، وكأنّ أمين عام الأمم المتحدة هو سفيرٌ لدولةٍ ماْ مُعتمَدا لدى إسرائيل ومن حقِّها أن تعتبره شخصا غير مرغوب فيه. غطرسة ما بعدها.

**

إذا نحنُ في قلبِ حرب عالمية ثالثة تُستخدم فيها أحدث التقنيات التكنولوجية والرقمية، والأسلحة العسكرية المتنوعة، ولم يبقَ سوى استخدام السلاح النووي، وهذا هدّدت به روسيا أكثر من مرّة في وجه الغرب، كما هدّد به الصهاينة المتطرفين، فطالَبَ عضو الكنيست السابق موشيه فيغلين باستخدام السلاح النووي ضد غزة، ونشر على صفحته في منصة إكس صورة لمدينة هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية وقال: كم عدد الجنود الأميركيين الذين قُتِلوا في معركة هيروشيما؟.(بمعنى أن استخدام النووي يوفِّر مقتل الجنود الإسرائيليين).

كما صرّح وزير التراث الإسرائيلي عميهاي إلياهو قائلا: إن إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حلٌّ ممكن، وقطاع غزة يجب أن لا يبقى على وجه الأرض .

والمسألة الأبرز والأهم، أن دول التحالُف الغربي العدواني حشدت خلفها شعوبها بقوة، بينما للأسف دول الخصوم والأعداء لهذا التحالُف العدوانيٍ فشعوبها ليست على قلبٍ واحدٍ. فحتى داخل الشعب الفلسطيني تقف السُلطة الفلسطينية ضد حماس. ويقف مؤيِّدوا السُلطة الفلسطينية ضد مؤيِّدوا حماس. والشعب الفلسطيني منقسم. وهذا ينطبق على الشعب اللبناني، واليمني.. الخ..

**

نتائج هذه الحرب سوف ترسِم أيضا وجه العالم مُجدّدا وإن انتصر التحالف الغربي الإسرائيلي سيصبحُ الأمرُ خطيرا، فأول الخاسرين سيكون العرب، إذ ستكون بداية الطريق لتحقيق حُلم الوعد الإلهي المزعوم في أرض الميعاد وإقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهي حدود إسرائيل التي نشروها علنا قبل سنوات في بعض المواقع الإسرائيلية، وهي مسكوبة أيضا على إحدى العملات المعدنية الإسرائيلية، وتضمُّ من الجنوب بمحاذاة نهري الفرات ودجلة ثلث الجزيرة العربية (السعودية حاليا)، ومن الشمال قسم من تركيا الحالية.

بل أقول سيتمُّ تغيير القرآن الكريم، ستُشطبُ كافة الآيات التي تتعرض لبني إسرائيل، وتدعو للجهاد، وسوف تُحذَف سورة البقرة، والتي اعترض الصهاينة سابقا بشدّة على قرائتها من قِبل المسلمين في الإذاعة والتلفزيون. وأخبرني منذ سنوات شيخٌ سوري كان يعملُ إمامَ وخطيبَ مسجدٍ في إحدى الدول العربية أن شدّة التضييق في الخُطب الدينية لم يعُد ينقصها سوى إلغاء كل القرآن.

بعض العرب مُستخِفُّون بالأمر ومخدوعون بمديح نتنياهو لهم في الأمم المتحدة وهو يراوغ كالثعلب، ولا يُدرِكون فعليا الخُبث الصهيوني. وهنا سأذكِّرهم بحكاية ذاك الرجُل الذي عثر في البرِّية على ذئب صغير (بيبي) فشفقَ عليه وجاء به إلى منزلهِ ورعاهُ وأطعمهُ واعتنى به، وفَرِح به الأطفال وكانوا يلعبون معه، وكبُر الذئب، وكبُرت معه طِباع الذئب، وذات يوم عاد الأب إلى منزله وكانت الصدمة، فقد التهَم الذئب الأطفال وتمرّغت أنيابهِ وفمهُ بدمائهم.

اليهود الصهاينة مؤمنون بشكل مطلق بالوعد الإلهي، ومؤمنون بوجوب تطبيقه، وإن كان الأمر بالنسبة لنا خُرافات فهو بالنسبة لهم عقيدة أساسية لا يجوز التخلي عنها. ولا ننسى أنهم بقوا يحلمون أكثر من ألفين وخمسمائة عام، منذ الشتَات الأول على يد الملك الآشوري سرجون الثاني عام 722 قبل الميلاد، ثم الشتات الثاني على يد الملك البابلي نبوخذ نصر عام 586 قبل الميلاد، ثم الشتات الثالث على يد الرومان عام 70 للميلاد، حتى حققوا الحلم، وعادوا أخيرا وأسّسوا دولة إسرائيل بدعمِ هذا الغرب، وها نحن نراها اليوم كيف تعربد بكل المنطقة ولا أحدا قادرا على لجمها. فمن سيلجمهُم مستقبلا كي لا يحققوا حُلمهم بإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات؟. طبعا هذا لن يكون في زماننا، ولكنه قادمٌ مع الأزمنة القادمة طالما العرب خانعون مستكينون غير مكترثون، سيوفُهم خشبْ، وخطاباتهم نحوٌ وصرفٌ وأضغاثُ أحلامٍ ووصلاتُ طربْ، وواثقون من نوايا هذا الصهيوني ويرونه صديقا وليس عدوا.

 

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لافروف: واشنطن لم تدن هجوم “إسرائيل” البري على لبنان بل تشجع توسّعه

    وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يؤكد أن الولايات المتحدة تشجّع “إسرائيل على توسعة منطقة العمليات العسكرية” بعدم إدانتها الهجوم البري على جنوب لبنان. ...