محمد خواجوئي
طهران | في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول إيراني رفيع إلى أفغانستان منذ سيطرة جماعة “طالبان” على السلطة فيها (آب 2021)، وصل وزير الخارجية، عباس عراقجي، الأحد، إلى كابول، حيث التقى كبار مسؤولي الحكومة، بمن فيهم رئيس الوزراء الملا محمد حسن آخند، ووزير الخارجية بالإنابة أمير خان متقي، ووزير الدفاع بالإنابة مولوي محمد يعقوب. وتصدّر “التعاون الاقتصادي، ووضع الرعايا الأفغان الموجودين في إيران، والحصّة المائية الإيرانية والأمن والحدود المشتركة، وكذلك تطوّرات المنطقة”، جدول أعمال هذه اللقاءات.
وجاءت زيارة عراقجي إلى كابول ولقاؤه كبار مسؤولي حكومة “طالبان”، بعد يوم واحد من تهديد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، بأن بلاده، واحتجاجاً على العدد اللافت للأميركيين المحتجزين في أفغانستان، سترصد جائزة للنيل من قادة الحركة. وقَبْلها، رفضت سلطات “طالبان”، الطلب الذي تقدَّم به الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإعادة الأسلحة الأميركية المتبقّية في أفغانستان.
وفي ظلّ هكذا ظروف، بدأت حكومتا إيران وأفغانستان، البلدين الجارين اللذيْن تربطهما علاقات متوتّرة مع الولايات المتحدة، جولة جديدة من الجهود لتحسين العلاقات الثنائية وتعزيزها. ووفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، فإن أمير خان متقي، أعرب، خلال لقائه عراقجي، عن أمله في أن يسهم هذا اللقاء في “النهوض بالعلاقات بين البلدين”، فيما أشار الوزير الإيراني إلى “التقلّبات” التي سادت العلاقات مع جماعة “طالبان”، بيد أنه قال: “في المحصّلة، فإن علاقاتنا مع إخواننا في أفغانستان، كانت جيدة للغاية وأخوية. إن التواصل بين البلدين من الناحية الاقتصادية والتجارية والسياسية هو في مستوى جيد، وهذه الزيارة يمكن أن تمهّد لتعزيز العلاقات”؛ علماً أن الجمهورية الإسلامية لم تعترف، إلى الآن، بنظام حكم “طالبان”، فيما حافظت على علاقاتها السياسية والاقتصادية معه.
أثار بناء سدود على نهرَي “هيرمند” و”هريرود”، توترات وتصعيداً في العلاقات بين إيران وأفغانستان
وفي موازاة أوجه الاشتراك، ثمّة تحدّيات وقضايا حسّاسة ومعقّدة يواجهها الطرفان، لعلّ أبرزها وجود ملايين اللاجئين والمهاجرين الأفغان الذين فرّوا من بلادهم إلى إيران إبّان الحرب، ثم زاد عددهم بعد عودة “طالبان” إلى السلطة، علماً أن البلدين يشتركان بحدود يزيد طولها على 900 كيلومتر. وكان المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، قال في وقت سابق إن “أكثر من 6 ملايين أفغاني لجأوا إلى إيران”، مشيراً إلى “الضغوط الكبيرة” الناتجة من ذلك على “المصادر المحدودة” لبلاده، التي قال إنها “تنفق أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، لتأمين احتياجاتهم”. وكان “مركز الرعايا والمهاجرين الأجانب” في وزارة الداخلية الإيرانية أعلن، قبل نحو شهر، أن نحو ثلاثة ملايين من “الرعايا غير الشرعيين” طُردوا من البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، لكنهم عادوا مجدداً إلى إيران، على خلفية “الظروف العصيبة التي تسود أفغانستان”.
ومن المقرّر، في ضوء التعقيدات القائمة، أن تشيّد إيران جداراً طوله 300 كيلومتر على الحدود مع أفغانستان، بهدف “ممارسة المزيد من السيطرة على عملية الدخول والخروج وتوافد اللاجئين غير الشرعيين عبر الحدود”. وفي هذا الإطار، دعا عراقجي، خلال لقائه رئيس وزراء “طالبان”، إلى “صياغة خطّة شاملة لعودة الرعايا غير المرخّص لهم”، مؤكداً أن “أيّ مواطن أفغاني يريد التوجّه إلى إيران، عليه أن يسافر بصورة قانونية”.
كما ثمّة مسألة أخرى لا تقلّ أهمية، ومحورها الحصة المائية لإيران من نهر “هيرمند” أو “هلمند” الذي ينبع من داخل الأراضي الأفغانية، علماً أن البلدين وقّعا، قبل نحو 50 عاماً، معاهدة لتقاسم مياه النهر، تحصل إيران بموجبها، على 26 متراً مكعباً في الثانية. بيد أن الجمهورية الإسلامية أبدت استياءها بفعل الكمية الضئيلة من المياه التي تدخل أراضيها من هذا النهر، وعبّرت مراراً عن قلقها واحتجاجها من “التحصيص غير المناسب للمياه التي تتدفّق على أراضيها، أو حرف مجرى النهر”. وخلال السنوات الأخيرة، أثار بناء سدود على نهرَي “هيرمند” و”هريرود”، توترات في العلاقات بين البلدين، فيما أكّد عراقجي أن طهران “لا تنوي في أيّ وقت من الأوقات التدخل في كابول”، معتبراً أنه، ومن أجل تسوية مسألة المياه، “ندعو إلى تطبيق معاهدة نهر هيرمند بين إيران وأفغانستان بالكامل”.
على أن السلطات الأفعانية ظلّت تتحجّج بـ”الجفاف” الذي تسبّب، خلال سنوات، بانخفاض الحصة المائية الإيرانية؛ لكن ونظراً إلى الأمطار الغزيرة الأخيرة، وفيضان نهر “هيرمند”، خلال العامين الماضيين، قالت السلطات الإيرانية إن “طالبان” وافقت على تخصيص 820 مليون متر مكعب من مياه النهر سنوياً لإيران، لكن لا “طالبان” تؤكد وجود هكذا اتفاق، كما لا توجد تقارير تظهر تدفّق المياه في اتّجاه الجمهورية الإسلامية. وخلال زيارة عراقجي إلى أفغانستان، ربطت سلطات “طالبان”، مجدّداً، موضوع التدفقات المائية بـ”الجفاف”. وعليه، يبدو أن موضوع الحصة المائية، سيظلّ عالقاً، وعاملاً معكّراً لصفو العلاقات بين طهران وكابول، وحتى إنه قد يتّخذ أبعاداً أمنية مع الوقت.
أخبار سورية الوطن١ الاخبار