نبيه البرجي
ترانا كنا بحاجة الى تلك الليلة (ليلة الصدمة أو ليلة الاختبار؟)، لندرك فعلاً أن “اسرائيل” أوهن من بيت العنكبوت، وأن بقاءها رهن ببقاء أميركا في الشرق الأوسط. أميركا التي بالنسبة الينا، شئنا أم أبينا، بمثابة القضاء والقدر.
لا ندري الى أي مدى يتحمل الايرانيون الرأي الآخر، ولو كان رأي من يتعاطف معهم. هل من دولة تبغي الثأر من دولة أخرى تقرع الطبول، وتهدد بالويل والثبور على مدى أيام، بدلاً من أن تفاجئ العدو ـ والمفاجأة اساسية في ذلك ـ لتفاجأ هي بالعدو وبحلفائه الأقربين والبعيدين، وقد اتخذوا كل الاستعدادات لاستيعاب أي ضربة عسكرية؟
حسين أمير عبد اللهيان أوضح أن بلاده أبلغت واشنطن بأن الضربة ستكون محدودة، كي لا تقدم هدية الى بنيامين نتنياهو لتوسيع نطاق الحرب. بمعنى آخر، لم تكن طهران تتوخى الحاق اضرار كاسحة بالدولة العبرية.
اللافت أن الايرانيين الذين يمارسون الشؤون الديبلوماسية والعسكرية بعقلية حائكي السجاد، ينتهجون اعلامياً “استراتيجية الصراخ”، وهم المشهورون تاريخياً بالتأني حتى في تناول حبة الفستق. لعل انعكاسات ليلة السبت – الأحد أمثولة باتجاه “استراتيجية الصمت”. الأميركيون الذين خبروا الدهاء الايراني يتوجسون من أن يحمل شعور الايرانيين بالعزلة آية الله خامنئي على اعطاء أوامره بصناعة القنبلة النووية في الحال، وهو المرجح…
واذا كان الفارق بين ايران و”اسرائيل” أن الأولى دولة قائمة بذاتها، وأن الثانية حالة أميركية قد تكون طارئة، يحذر المؤرخ “الاسرائيلي” آفي شلايم من “ربط بقائنا ببقاء أميركا، لأن الأمبراطوريات مثل الأفاعي تغيّر جلدها وفقاً للضرورة”. نصيحته بابدال رؤوس المجانين برؤوس الأنبياء كسبيل للخلاص وللبقاء…
ليلة الصواريخ أثبتت أن “اسرائيل” الاسبارطية أو التوراتية كذبة كبرى وخرافة كبرى. لا ننفي تفوقها التكنولوجي كدولة أنتجتها المصالح الغربية، لكنها عسكرياً لا شيء (هل أبالغ؟). “هاآرتس” قالت “لولا أميركا لقاتلنا الفلسطينيين بالعصا والحجر”… هل كان بامكان الوسائل الدفاعية “الاسرائيلية” صدّ 185 طائرة مسيرة و 36 صاروخ كروز و 110 صواريخ باليستية، لولا الأميركيين ومعهم البريطانيون والفرنسيون والأردنيون، وكان لهم الدور الاساسي في تفجير معظمها قبل أن تصل الى “اسرائيل”؟
نقطة أخرى نتوقف عندها، كل تلك الاتفاقات الاستراتيجية التي أبرمتها ايران مع كل من روسيا والصين لا قيمة استراتيجية لها. شاهدنا ما يحدث في سوريا، وحيث الطائرات والصواريخ “الاسرائيلية” تختال فوق القواعد الروسية، وهي في طريقها الى دمشق وحلب، والى أي منطقة سورية أخرى.
الصين للصين فقط. واذا كان من الضروري الثناء على فلاديمير بوتين لأنه حال دون سقوط دمشق في أيدي البرابرة، لا بد من الثناء على شي جين بينغ على رعايته الاتفاق السعودي ـ الايراني، الذي أزال جدار النار بين ضفتي الخليج. ايران بدت وحيدة في تلك الليلة. لولا الفظاعات في غزة، والتي لا يتحملها عقل بشري، لما اهتز العالم. كل الدول نددت بالهجوم الايراني، حتى اليابان التي تجاهلت قول ياسوناري كاوباتا، الحائز نوبل في الأداب، “لسوف نحمل جثثنا على ظهورنا ونلقي بها أمام التاريخ”.
الشرق الأوسط حظيرة أميركية. ثمة وجه آخر لتلك اليلة الليلاء، لا بد أن تتغير قواعد اللعبة. لولا أميركا لوصلت الصواريخ الى غرفة نوم بنيامين نتنياهو. هذا ما أدركته القاعدة اليمينية في “اسرائيل”، وما يفترض اقتناع “الحاخامات” داخل الائتلاف باعادة النظر بحرب الابادة التي يشنها منذ ستة أشهر ضد الفلسطينيي. اذا كان هناك من خلاص لـ”شعب الله المختار” فهو في حل الدولتين، ضمنً الاعتراف بأن الفلسطينيين كائنات بشرية.
لكن الرجل من الغباء ومن النرجسية، بحيث يقرأ المشهد بطريقة مختلفة. تلك هي اللحظة “التي يتغيّر فيها الشرق الأوسط لمصلحتنا”، أي أن أميركا هي “الوديعة الاسرائيلية” لا “اسرائيل الوديعة الأميركية”.
نعلم تاريخياً ما نهاية الغباء والنرجسية، كاليغولا مثالاً، قبل اغتياله قال “أريد أن اذيب السماء في البحر، وأن أصهر الجمال مع القبح، وأن ابدل كل شيء”. كل هذا لم يحصل، قضى صريعاً…
(سيرياهوم نيوز ٣-الديار)