| مهدي عقيل
منذ انطلاق الثورة الإسلامية، والإمام الخميني يُطلق مفاهيم ومصطلحات سياسية جديدة من منظور إيديولوجي – ديني – حركي إذا جاز التعبير، لتحلّ محلّ المصطلحات التي أرستْها القوى العالمية المُسيطِرة، إذ استبدل مصطلح «المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي» بمصطلح «معسكر المستضعَفين ومعسكر المستكبرين»، واستبدل «الإمبريالية» بـ«الاستكبار العالمي»، و«الشرق الأوسط» بـ«غرب آسيا»… وهكذا دواليك.
وبالأمس القريب، أطلق السيد علي خامنئي مصطلحاً جديداً على الحرب التي تُشنّ على إيران، وسمّاها: «الحرب التركيبية» لتتجاوز ببعدها ومعناها «الحرب الهجينة» التي روّج لها فرانك هوفمان** في كتابه «الصراع في القرن الحادي والعشرين: صعود الحروب الهجينة» عام 2007. ودعا الشعب الإيراني وكل مَن ينضوي تحت لواء محور المقاومة، إلى «جهاد التبيين» لمواجهة تلك الحرب، والأخير أيضاً مصطلح جديد.
سنناقش هذَين المصطلحَين الجديدَين المتواجهَين، ونتعرّف إلى حقيقتهما. ونبحث عن إجابة لسؤال؛ لمن الغلَبَة؟
عرّف هوفمان الحرب الهجينة على أنها اندماج القوات التقليدية وغير النظامية في نفس ساحة المعركة، وأسّس مفهومه على أربعة محاور: «حرب الجيل الرابع»، «الحرب المركبة»، «الحرب غير المقيّدة»، و«استراتيجية الدفاع الوطني (الأميركي) لعام 2005». لكنّ العديد من العلماء شكّكوا في حداثة هذه الحرب، واعتبروا أن أوّل مَن استخدم مصطلح «الحرب الهجينة» هو توماس موكيتيس في كتابه «الأساليب البريطانية لمكافحة التمرّد في عصر ما بعد الإمبراطورية» عام 1995.
بصرْف النظر إلى مَن تُعزى الأسبقية في استخدام مصطلح «الحرب الهجينة»، لم يستوفِ هذا المصطلح المعنى الحقيقي والشامل للحروب الحديثة، حيث قام العديد من المفكّرين العسكريين الغربيين بمراجعتها وإعادة صياغتها، بدليل كمّ الشروحات والإضافات على مفهوم تلك الحرب، حتى إن الأمر وصل بالبعض في انتقاده لهذه الحرب بوصفها «غامضة وغير مفيدة»، حتى أصبحنا أمام نسخة من مفهوم «الحرب الهجينة» تمثّل فرقاً كبيراً جداً عن النهج الأصلي لهذا النوع من الحرب. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قدّم الجيش الأميركي الحرب الهجينة على أنها «الاستخدام لوسائل سياسية واجتماعية وإجرامية وغيرها من الوسائل غير الحركية المستخدَمة للتغلُّب على القيود العسكرية».
وعليه، أتى مصطلح «الحرب التركيبية» ليحيط الموضوع من كل جوانبه بشكل دقيق، كونه يُعبّر عن حرب مختلَطة أو مشتركة ومتشعّبة، ويعبر أيضاً عن استراتيجية عسكرية تمزج ما بين الحرب السياسية والكلاسيكية وغير النظامية، والحرب الافتراضية (عبر منصات الإنترنت المختلفة)، والأخبار المزيّفة، والديبلوماسية، وحرب الدعاوى أمام المحاكم الدولية، والتدخّل في انتخابات الدول، وتعطيل النسيج الديموغرافي، والهجرة، والهجوم الثقافي، وخلْق الصراع الديني والإثني وكل ما يمكن استخدامه من إثارة الفتنة. والسيد خامنئي أتى بهذا المصطلح انطلاقاً من تحليله وتوصيفه لما عايشته أو تعيشه إيران، ولا سيما بعد وفاة الشابة مهسا أميني في مقر لشرطة الأخلاق في طهران في أيلول الماضي. وعلى وقع محاولة معسكر «الحرب التركيبية» ضدّ الجمهورية الإسلامية، من خلال هجمات مشتركة بكلّ أنواع الوسائل عبر المزج بينها، سواء عبر وسائل الإعلام المختلفة، والحرب النفسية، والمعرفية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والمعلوماتية، والأمنية، والإلكترونية، وتطبيق مقاربة «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) للحرب الهجينة «تجمع التهديدات الهجينة بين الوسائل العسكرية وغير العسكرية وكذلك الوسائل السرية والعلنية، بما في ذلك المعلومات المضلِّلة والهجمات الإلكترونية والضغط الاقتصادي ونشْر الجماعات المسلحة غير النظامية… تستخدم الأساليب الهجينة لطمس الخطوط الفاصلة بين الحرب والسلام ومحاولة زرع الشكّ في أذهان السكان المستهدَفين، والهدف هو زعزعة استقرار المجتمعات وتقويضها».
واستُغلّت حادثة وفاة أميني بهدف شيطنة النظام الإيراني والتقليل من قيمته على المدى الطويل، وتظهير تخلّفه لناحية اعتماده على «شرطة» لتنظيم الحياة الاجتماعية، علماً أن هذا النوع من الشرطة، على اختلاف تسمياتها (شرطة الأخلاق، إرشاد، آداب، …،) موجودة في كثير من الدول العربية (السعودية، لبنان، تونس، مصر…)، وإنْ كانت صلاحياتها تختلف بين دولة وأخرى. وكانت السعودية تتصدّر تلك الدول عن طريق «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» قبل تقليم أظْفارها وتجريدها من بعض صلاحياتها عام 2016، بعدما كانت تتمتّع في السابق بصلاحيات واسعة، من بينها: «التأكد من تطبيق الناس لقواعد الآداب العامة ومنع الاختلاط، الأمر الذي كان يشمل الحقّ بطلب وثائقهم الشخصية ومطاردتهم وتوقيفهم. وكانت سيارات الهيئة تطوف الشوارع، ويتأكد أفرادها من التزام النساء بارتداء العباءة السوداء حصراً ويلاحقون روّاد المقاهي والمراكز التجارية ويجبرون المحالّ على الإغلاق وقت الصلاة».