محمد خواجوئي
طهران | يصل ماراثون التنافس في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بدورتها الرابعة عشرة، اليوم، إلى نهايته، حين سيختار الناخبون الإيرانيون، في جولة الإعادة، واحداً من بين المرشحَيْن، الإصلاحي مسعود بزشكيان، والأصولي سعيد جليلي، ليتولّى منصب الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية، خلفاً للرئيس الراحل، إبراهيم رئيسي، الذي قضى ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، في تحطُّم مروحيّتهما في الـ19 من أيار الماضي. وكانت الجولة الأولى من الرئاسيات أجريت يوم الجمعة الماضي، ولكنّ أيّاً من المرشحين الأربعة لم يحصل على الأغلبية المطلقة التي تؤهّله للفوز. ومن بين 24 مليوناً و535 ألفاً و185 صوتاً وُضِعت في صناديق الاقتراع، نال بزشكيان 10 ملايين و415 ألفاً و991 صوتاً، فيما حصل جليلي على 9 ملايين و473 ألفاً و298 صوتاً، لينتقلا بذلك إلى الجولة الثانية، التي تخوّل مَن يحصل منهما على العدد الأكبر من الأصوات، تولّي منصب الرئيس. وتبدأ عملية الاقتراع، اعتباراً من الساعة الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي في أرجاء البلاد وكذلك في السفارات والبعثات الإيرانية في الخارج، على أن تستمرّ لغاية الساعة السادسة مساءً، وإنْ كان متوقّعاً تمديدها، كما في الجولة الأولى، حتى منتصف الليل.ويقف المرشح الرسمي للتيار الإصلاحي، بزشكيان، في أحد جانبي هذه المنافسة، وهو يحظى بدعم شخصيات بمن فيهم الرئيسان الإيرانيان السابقان محمد خاتمي وحسن روحاني، ووزراء حكومتيهما، بمن فيهم وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف. ودخل بزشكيان، الذي تولّى حقيبة الصحة في إدارة خاتمي لأربع سنوات، وكان نائباً في البرلمان لخمس دورات، الساحة الانتخابية بشعار “من أجل إيران”، إذ يقدّم نفسه على أنه ناقد للوضع القائم، فيما يرى أن الأصوليين الحاكمين، بمن فيهم الراحل رئيسي، فشلوا، ولم يتمكّنوا من تقديم سجلّ ناصع في تسوية مشاكل إيران، خاصة في مجالَي الاقتصاد والسياسة الخارجية. ويقول المرشح الإصلاحي إنه في صدد بناء “إجماع وطني”، وتحاشي التصعيد السياسي والاستفادة من أصحاب الخبرة والتخصّص في إدارة البلاد، وهو كرّر مراراً أن إدارته، في حال فوزه، ستضع “العدالة” في صدارة خططها وبرامجها، وستقدّم دعماً خاصاً للشرائح الأقلّ دخلاً. ولعلّ أبرز شعاراته الانتخابية، تركيزه على المحادثات لرفع العقوبات عن طهران، وموازنة علاقاتها الخارجية مع القوى العالمية. وفي المقابل، يتّهمه منتقدوه بعدم امتلاكه خطّة واضحة، وبأنه يتحدّث في العموميات. كما يشير هؤلاء إلى نشاط الكثير من وزراء إدارة روحاني في حملته الانتخابية، لينعتوا إدارته بـ”إدارة روحاني الثالثة”. ويقول هؤلاء إن التركيز على المحادثات لرفع العقوبات في الوقت الذي لم يف فيه الغرب بالتزاماته، هو شعار عبثي من شأنه أن يعطّل البلاد.
وعلى الجانب الآخر، يقف جليلي، المدعوم من التيار الأصولي، والمرشّح للمرّة الثالثة للرئاسيات؛ وهو قام، طوال هذه السنوات، بتشكيل غرفة تخطيط تحت مسمّى “حكومة الظلّ”، والتي بادرت، بمشاركة خبراء، إلى وضع خطط وبرامج لإيجاد مخرج من الظروف الراهنة. وكان جليلي، العضو في “مجمع تشخيص مصلحة النظام”، تولّى منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وقاد المحادثات النووية في ظلّ إدارة محمود أحمدي نجاد. ويرى المرشح الذي يخوض الانتخابات بشعار “عالم من الفرص، قفزة على مستوى إيران”، أنه يجب التعويل على القدرات والإمكانات الداخلية لتسوية المشكلات وتقدُّم البلاد. ويعتقد أيضاً أنه لا يجب الرهان على المحادثات لرفع العقوبات، إذ إن إيران هي “المُطالِبة والمُدَّعية” تجاه الغرب، فيما يعتبر “الاقتصاد المقاوم” الوصفة الكفيلة بالخروج من الظروف القائمة الحالية. ومن جهتهم، يقول منتقدو المرشح الأصولي إنه لا يمتلك خبرة في مجال القضايا التنفيذية، وإن برامجه وخططه مثالية، لكنها لا تستند إلى الواقع. ويشير هؤلاء إلى أن دعم الجناح الراديكالي للتيار الأصولي له، سيعني اتجاه إدارته نحو اعتماد سياسات من قبيل تقييد الإنترنت والتشدّد في مسألة الحجاب. ويعتبرون أيضاً أن مواقفه في مجال السياسة الخارجية، ستفضي إلى عزل إيران على المستوى الدولي، فضلاً عن أن عدم امتلاكه خطّة لرفع العقوبات، سيؤدي إلى استمرار الظروف الراهنة.
وجعل الفارق الضئيل بين أصوات هذين المرشحَين في الجولة الأولى، والبالغ أقلّ من مليون صوت، المنافسة الانتخابية أكثر سخونة من الجولة الأولى، وأدى تالياً إلى تزخيم المشهد الثنائي القطب. وكانت المناظرتان التلفزيونيتان الأخيرتان، أكثر سخونة وصراحة من مناظرات الجولة الأولى الخمس. على أن أحد الأسباب التي يمكن أن تؤثّر على نتيجة جولة الإعادة، يتمثّل في الاتجاه الذي سيذهب إليه أكثر من 3 ملايين و300 ألف صوّتوا في الجولة الأولى للمرشح الأصولي محمد باقر قاليباف. أمّا العامل الثاني الذي يمكن أن يؤثّر على النتيجة النهائية للجولة الثانية، فهو نسبة الذين سيصوتون؛ فإذا تشجّع المتذمّرون على المشاركة، فإنهم سيمنحون أصواتهم على الأرجح لبزشكيان، بوصفه ناقداً للوضع القائم.
ويُرتقب معرفة ما إذا كان تسخين المنافسة الانتخابية، سيزيد من نسبة المشاركة في جولة الإعادة، بعدما جاءت نتائج الدورة الأولى، 40%، خلافاً للتوقعات، وهو ما أشار إليه أيضاً المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في تصريحات أدلى بها أول من أمس، مبيّناً أن لهذه القضية أسباباً يدرسها أصحاب السياسة وعلماء الاجتماع. واعتبر، في الوقت ذاته، أن التصوّر القائل إن أيّ شخص لم يدلِ بصوته في الجولة الأولى فهو معارض للجمهورية الإسلامية، هو “خطأ مئة بالمئة”، مشيراً إلى أن “عدداً من الناس قد لا يُعجبهم بعض المسؤولين أو حتى النظام الإسلامي، مثلما أنهم يتحدّثون بحرّية عن ذلك، غير أن العقلية القائلة إن أيّ شخص لم يدل بصوته، متعلق بهؤلاء الأشخاص وهذا النمط الفكري، هي مغلوطة وخاطئة تماماً”.
سيرياهوم نيوز٣_الأخبار