|محمد خواجوئي
طهران | تتحرّك إيران وروسيا، بسرعة، على طريق توسيع علاقاتهما الثنائية، فيما ينهمك مسؤولوهما بإعداد وثيقة التعاون الاستراتيجي لعشرين عاماً. بالنسبة إلى طهران، يمثّل هذا التعاون جزءاً من استراتيجية «التوجّه شرقاً»، بعدما ولّدت تجارب العقدَين الأخيرَين، ولا سيما في ما يخصّ الملفّ النووي والحصار الغربي على خلفيّته، قناعة لدى الجمهورية الإسلامية بأنها لا تستطيع الرهان على إقامة علاقات مستديمة ومبنيّة على العمل المشترك مع الغرب، بل إن القيادة الإيرانية مؤمنة بأن الولايات المتحدة لا تريد إلّا إطاحة النظام أو تقويضه على أقلّ تقدير، فيما أوروبا لا تمتلك العزيمة لمخالفة ذلك التوجّه. في المقابل، تلمس إيران حقيقة أن روسيا والصين لا تنويان التدخّل في شؤونها الداخلية، وهي تَعتبر أن العلاقات معهما يمكن أن تشكّل سدّاً منيعاً أمام السياسات الغربية، فضلاً عن اعتقادها بأن القوى الصاعدة هي التي ستنتصر في الصراعات السياسية والأمنية والاقتصادية المحتدمة على مستوى العالم، وبالتالي يتعيّن عليها أن تكون جزءاً من المعسكر الناشئ.
على خلفيّة ما تَقدّم، جاء توقيع الاتفاقَين الاستراتيجيَّين مع الصين وفنزويلا، وصياغة ثالث مماثل له مع روسيا، فضلاً عن الانضمام إلى «منظّمة شنغهاي للتعاون»، كل ذلك ليعزّز سياسة «وضْع البيض» في سلّة الشرق. ولعلّ ما ساعد على الدفْع في اتّجاه هذه السياسة، هو مناخ الصراع الذي تبلور في أعقاب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، ليبدو اليوم وكأن إيران قد اتّخذت القرار النهائي بألّا تقف موقف الحياد في تلك المواجهة، وأن تصطفّ بالكامل إلى جانب روسيا. وفي هذا الإطار، بدا لافتاً وصْف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، لدى استقباله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في طهران في تموز الماضي، «الناتو» بأنه «كيان خطير»، وقوله لبوتين إنه إنْ لو لم يأخذ «زمام المبادرة» في أوكرانيا، لكان «الطرف الآخر سيتسبّب باندلاع الحرب». ولم يقتصر الدعم الإيراني لروسيا على الجانب الكلامي، بل ثمّة تقارير كثيرة تفيد ببيع إيران، حليفتها، طائرات مُسيّرة مسلّحة من أجل استخدامها في الميدان الأوكراني.
سَجّل حجم التجارة الروسية مع الجمهورية الإسلامية رقماً قياسياً تاريخياً عام 2021
وبعدما أفقد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي عام 2015، وانخراط أوروبا في حملة إعادة فرض العقوبات إثر ذلك، إيران، ما تَبقّى لديها من ثقة بالغرب، وحفّزها على التمسّك باستراتيجية التوجّه شرقاً، جاء الحصار الغربي على روسيا في أعقاب الحرب على أوكرانيا، ليضع البلدَين الحليفَين أمام مصير مشترك، ويجعلهما أكثر قرباً، أحدهما من الآخر. صحيح أن المواجهة الغربية – الروسية ألقت بظلالها السلبية على محادثات إعادة إحياء «خطّة العمل المشتركة الشاملة»، وسط تقدير مراقبين أن موسكو التي تشتدّ حاجتها في هذه الظروف إلى مساندة حلفائها إيّاها، تَعتبر خفْض التصعيد بين طهران والغرب تطوّراً في غير مصلحتها – بالنظر إلى أن تدفّق النفط الإيراني على الأسواق يتناقض مع سياسة استخدام الطاقة كأداة لممارسة الضغط على القوى الغربية -، إلّا أن إيران باتت تبدو أقلّ حرصاً على العودة إلى الاتفاق النووي. مردّ ذلك، على ما يَظهر، إلى وجود قناعة لدى الجمهورية الإسلامية بأن الغرب لا يملك، على الأرجح، الدافعيّة للتعاون مع طهران حتى في حالة إحياء الاتفاق، ما سيُلجئ الأخيرة إلى علاقاتها مع الصين وروسيا، التي من شأن أيّ عقوبات عليها أن يؤثّر سلباً على تعاونها الاقتصادي مع إيران.