محمد خواجوئي
أثارت «خطّة السلام» الأميركية لغزة، مخاوف في إيران حيال الهدف منها في ظلّ الغموض الذي يكتنفها، في حين حظيت، على مدى الأيام الثلاثة الماضية، باهتمام إعلامي واسع، علماً أنّ النظرة العامة حيالها، اتّسمت بطابع سلبيّ ونقديّ. ومن وجهة نظر الإعلام الإيراني، فإنّ خطّة دونالد ترامب، هي محاولة لنزع سلاح المقاومة، ووضع قطاع غزة تحت الوصاية الدولية، أكثر من كونها محاوَلة حقيقية لإنهاء الحرب ودعم أهالي القطاع.
كما عدّها كثيرون بمثابة «صفقة قرن» أميركية جديدة، ظاهرها سلميّ، وتستبطن وعوداً بإعادة الإعمار والمساعدات الاقتصادية، لكن هدفها الفعليّ ليس إلّا تطبيق الهندسة السياسية وتثبيت موقع إسرائيل في المنطقة؛ وهو ما من شأنه تعميق جذور الأزمة والتأسيس لمستقبل المنطقة، لا يسوده الاستقرار.
وفي هذا الإطار، وصفت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية، «إرنا»، الخطّة الأميركية بأنها «مليئة بالغموض والتناقض والدوافع السياسية»، مشدّدةً على أنه «من دون الالتزام الجادّ بدولة فلسطينية، وضمان حقوق الشعب والتصرّف المحايد، فإنّ هذه الخطّة ستكون أداةً دعائية لترامب، ومناورة سياسية لبنيامين نتنياهو، أكثر من كونها حلّاً، فضلاً عن أنها ستزيد من تعقيدات الأزمة في غزة».
ووصفت صحيفة «كيهان»، بدورها، الخطّة بأنها «محاولة لامتلاك غزة»، نزع سلاح «حماس»، ومن ثم فرض الوصاية على القطاع، معتبرة وجود أشخاص من مثل توني بلير، في الإدارة المستقبلية لغزة، مثالاً على «إعادة إنتاج الاستعمار». ووفقاً لـ«كيهان»، فإنّ ثمّة غموضاً يلفّ كيفية انتخاب/ اختيار أعضاء لجنة إدارة القطاع، ودور السلطة الفلسطينية فيها، والجدول الزمني لانسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي، وأيضاً حدود صلاحيات قوات المراقبة الدولية.
وهذا الغموض، بحسبها، «يفتح الطريق فعليّاً أمام الهندسة السياسية وتثبيت الاحتلال». ولذلك، ومن وجهة نظر «كيهان»، فإنّ الخطّة، وإنْ كانت مغلّفة بغطاء «سِلمي»، لكنها في الحقيقة استمرار لسياسات الاحتلال بحُلّة جديدة.
وفي صحيفة «همشهري»، رأى محمد علي صنوبري، أنّ «خطّة ترامب تقوم أساساً على نزع السلاح بالكامل، ومنع أيّ مجموعة مقاومة من المشاركة في إدارة غزة. وهذا يعني تحويل المقاومة الفلسطينية التي ظلّت صامدة بعد طوفان الأقصى، إلى ملفّ أمني. ويمكّن ذلك، الكيان الصهيوني من القضاء على ما لم يتمكّن من تدميره في ساحة المعركة، عن طريق الاتفاق السياسي.
وفي الأفق النهائي، تُعدّ هذه الخطّة، توطئة لضمّ غزة إلى الكيان الصهيوني، ومن ثمّ استكمال المشوار في الضفّة الغربية». وتابع: «الخطّة تحصر كل شيء في غزة، وتقصي الموضوعات المحورية: إنهاء الاحتلال وتحرير القدس ووقف الاستيطان ورفع الحصار وحقّ عودة اللاجئين. وهذا يعني تجزئة القضيّة الفلسطينية ومحاولة لإخماد جوهر المقاومة».
هذه الخطة،
لا تحمل السلام،
بل هي «إدارة مؤقّتة» تضع الفلسطينيين في البرزخ
من جهتها، نقلت صحيفة «اعتماد» عن محلّل الشؤون الدولية، محمد علي قهرمانبور، قوله إنّ خطّة ترامب في شأن غزة، هي جزء من «اتفاقات أبراهام»، ومن السياسات الأوسع للولايات المتحدة للمضيّ قدماً في عملية التطبيع.
ورأى المحلّل أنّ الخطّة تستبطن خطرَين: «الأول، اشتراط إعادة بناء غزة بنزع سلاح المقاومة والذي يمكن أن يقوّض السيادة والتمثيل السياسي للفلسطينيين؛ والثاني، محاولات واشنطن توزيع الأدوار بين الحلفاء الإقليميين (حتى بما يتجاوز الشرق الأوسط، مثل إندونيسيا)، ليتمّ بذلك تقسيم العبء السياسي والتطبيقي لتنفيذ الخطّة».
وعن هذا التوجّه، قال قهرمانبور إنه قد يفضي، في خاتمة المطاف، إلى «تطبيع أوسع للدول العربية مع إسرائيل»، ويضحّي بحقوق الفلسطينيين في تقرير المصير من أجل المصالح الجيوسياسية.
وفي الاتّجاه نفسه، كتبت صحيفة «جام جم»، في مقال بعنوان «فخّ ترامب لغزة»، لمحلّل الشؤون الدولية، مهدي سيف تبريزي، أنّ أحد أكثر أبعاد الخطّة غموضاً، هو إدارة غزة، التي ترتبط مباشرة بأفكار رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، توني بلير، الذي يعمل منذ سنين على مشاريع «ما بعد الحرب» في الشرق الأوسط، علماً أنه كان اقترح تشكيل مؤسسة تشرف عليها الأمم المتحدة بقيادته المحتملة، لتدير غزة إلى أمد غير محدّد (خمس سنوات على الأقل).
وإذ أدرج ترامب، هذه الفكرة ضمن خطّته، فإنّ تفاصيلها يكتنفها الغموض كالمعتاد؛ فمَن هي القوى التي ستدير القطاع؟ هل هي قوّة عربية – غربية متعدّدة الجنسيات، أم مجرّد قشرة ظاهرية للوجود غير المباشر لإسرائيل؟ ولِكَم من السنوات؟ وماذا بعد ذلك؟ الانتقال إلى سلطة فلسطينية معدَّلة تحت قيادة محمود عباس، أو الضمّ التدريجي؟
ورأت الصحيفة أنّ الغموض في الخطّة الأميركية، متعمّد، إذ إنّ «ترامب ونتنياهو، يريدان التمتّع بالمرونة، لكن هذا يعني على أرض الواقع إرجاء أيّ سيادة حقيقية للفلسطينيين. وبلير، بماضيه المثير للجدل في حرب العراق، بات رمزاً لذلك التدخّل الغربي الذي دمّر الشرق الأوسط. والآن، يرى غزة كمشروع آخر، من دون التطرّق إلى جذور الاحتلال». وبالتالي، فإنّ هذا المشروع لا يحمل السلام، بل هو «إدارة مؤقّتة» تضع الفلسطينيين في البرزخ، وتنقذ إسرائيل من مسؤولياتها.
وفي «فرهيختكان»، اعتبر مهدي طالب، أنّ مشروع ترامب، يحمل في الظاهر عنوان «وقف إطلاق النار»، لكنه وعلى خلفية احتوائه على بنود من مِثل نزع سلاح المقاومة، وتسليم إدارة غزة إلى مؤسسة تخضع لأميركا وعدّة دول غربية – عربية وتقييد دور «حماس»، يجسّد فعليّاً «إعادة هندسة سياسية».
وهذه الخطّة، عبر استخدامها لغة الاقتصاد (إعادة الإعمار والاستثمارات والمساعدات المالية)، تسعى في حقيقة الأمر إلى دحر المقاومة عن طريق الضغط الاقتصادي وحاجة الناس إلى إعادة الإعمار. ولهذا، فهي تعدّ استمراراً لـ«صفقة القرن» ومنطق التطبيع وإضفاء الشرعية إلى إسرائيل ليس إلّا.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار