| رفعت إبراهيم البدوي
احتلت التطورات الأخيرة المتسارعة بين إيران وجمهورية أذربيجان صدارة الاهتمام الأمر الذي جعل الأنظار تتجه نحو الحدود المشتركة بين البلدين ومدی احتمالية تصاعد حدة الأزمة بينهما.
ما يحدث من توتر علی الحدود الإيرانية الأذرية ربما يكون إحدى حلقات التأزيم التي تسعی لها دوائر متعددة في المنطقة وخارجها من أجل الضغط علی المواقف الإيرانية التي باتت تزعج تلك الدوائر خصوصاً في ظل حكومة إيرانية جديدة تريد أن تعيد صياغة علاقات إيران الخارجية وفق قواعد جديدة.
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان المعروف بهدوئه ورصانته صرح بلهجة لا تخلو من التهديد عندما خاطب سفير جمهورية أذربيجان لدی طهران خلال تقديمه أوراق اعتماده قائلاً «لن نتسامح مع أي وجود للكيان الصهيوني بالقرب من حدودنا وسنتخذ ما نجده مناسباً لأمننا القومي».
ما أقلق إيران في حدودها الشمالية دخول «الكيان الإسرائيلي» علی خط الحدود الأذرية الأرمينية ذات الأهمية ليست لهاتين الدولتين فحسب وإنما للجانب الإيراني الذي يشكل معبراً مهماً للقارة الأوروبية.
علاقة الكيان الصهيوني بأذربيجان تعود إلى تسعينيات القرن الماضي وتحديداً لتاريخ إعلان استقلال الجمهورية الأذرية في1991 حيث وجد العدو الإسرائيلي في هذه الجمهورية الفتية احتياطيات كبيرة من النفط وتحتل موقعاً جيوسياسياً مهماً علی بحر قزوين وبالقرب من الحدود الإيرانية إضافة إلى اتصاله بتركيا وأوروبا عبر الحدود البرية.
وقد نبهت إيران حكومة أذربيجان من مغبة السماح للكيان الصهيوني من التمدد أو إعطائه امتيازات علی حساب العلاقة التاريخية التي تربط باكو بطهران مع العلم أن هذه الجمهورية تتناصف اليوم الشعب الأذري الذي يتقاسم جانبي الحدود الإيرانية الأذارية.
هنا لا يمكن إغفال الدور التركي السلبي في تلك المنطقة والذي ترجم تعاوناً وثيقاً بين أردوغان والعدو الصهيوني في دعم أذربيجان خلال حربها الأخيرة ضد أرمينيا وذلك في محاولة لتحقيق أحلام أردوغان العثمانية على حساب إيران.
المعلومات التي تمتلكها السلطات الإيرانية تتحدث عن سماح الحكومة الأذرية لعناصر تابعة لجهاز المخابرات الصهيوني «الموساد» بنصب أجهزة تنصت وقواعد أمنية بالقرب من الحدود الإيرانية إضافة إلى قيام هذه العناصر بعمل حثيث لدعم حركة قومية أذرية تنادي بانفصال إقليم أذربيجان الإيراني وانضمامه لجمهورية أذربيجان وهو ما يتناغم مع رغبة تركية أردوغانية لتأسيس مجموعة الدول الناطقة بالتركية وهو الحلم العثماني الذي يسعی إليه الرئيس التركي أردوغان.
إيران قلقة من احتمال حصول متغيرات جيوسياسية تسعی أذربيجان إلى القيام بها مع أرمينيا بمساعدة تركية «إسرائيلية» من أجل سيطرة أذربيجان علی إقليم «سونيك» وهو شريط حدودي المسمی بالطريق 41 والذي يمتد 21 كليومتراً بين إيران وأرمينيا والذي يعتبر معبر التجارة الإيرانية نحو أوروبا مقابل منح ارمينيا مناطق في إقليم قرباغ.
قيادة الحرس الثوري الإيراني قامت مؤخراً بإجراء مناورات عسكرية «فاتح خيبر» على الحدود المشتركة مع جمهورية أذربيجان في رسالة إيرانية واضحة تعبر عن رفض إيران الصريح لأي تغيير جيوسياسي في المنطقة وبأن إيران على استعداد لخوض حرب عسكرية في تلك المنطقة إذا لزم الأمر.
رغم المناورات العسكرية والتحذير الإيراني إلا أن تركيا وأذربيجان أعلنتا يوم أمس عن قيام مناورات عسكرية مشتركة في منطقة نخجوان القريبة من الحدود الأذرية الإيرانية.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن معظم العمليات التخريبية والمتفجرات التي حصلت في بعض المفاعلات النووية ومؤخراً في مصنع للصواريخ الإيرانية مصدرها كان أذربيجان وبتنفيذ الموساد الإسرائيلي المتمركز بقاعدته على الحدود المشتركة مع إيران.
رغم قلة المعلومات التفصيلية عما دار في قمة سوتشي الأخيرة بين بوتين وأردوغان إلا أن معظم التعليقات والتحليلات خصصت للتطورات المرتقبة في ملف الشمال السوري نظراً للدور التركي السلبي الداعم للتنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة بيد أن جملة واحدة خرجت عن المتحدث باسم الكرملين حملت دلالة على وجود تباين واضح بين الطرفين حين قال إن المحادثات مع أردوغان غالباً تكون صعبة لكن مؤسساتنا تعمل لإيجاد حلول عملية للملفات المشتركة.
مما لا شك فيه أن الملف السوري كان حاضراً وبقوة إضافة إلى طلب بوتين من أردوغان ضرورة تنفيذ الاتفاقات السابقة وخصوصاً الانسحاب التركي من إدلب في شمال سورية وتأمين طريق M4 الذي أخذ حيزاً مهماً بين الرئيسين بيد أن الملفات المشتركة تضمنت أيضاً البحث بأمن الحديقة الخلفية لروسيا وبلاد ستان وبناء على معلومات من مصدر مطلع في روسيا فإن الرئيس الروسي وخلال قمة سوتشي الأخيرة وجه لأردوغان تحذيراً شديداً من اللعب بالنار ضمن الحديقة الروسية الخلفية أي في أذربيجان.
إن أي اهتزاز للأمن الإيراني أو أي تغيير ديموغرافي وفي المناطق المشتركة لن يكون في مصلحة أذربيجان لأن المعلومات الموثقة المستقاة من مصادر ثقة في إيران تفيد أنها على استعداد لحسم الموقف في تلك المنطقة في مدة لا تتعدى 48 ساعة في عدم استجابة أذربيجان للمخاوف الإيرانية.
من مصلحة أذربيجان الأخذ بعين الاعتبار الأمن الإستراتيجي لمنطقة القوقاز أو للبلاد المطلة على بحر قزوين التي تعتبر منطقة روسية مغلقة وألا تصبح أذربيجان الخاصرة الرخوة لإيران ورفض التسليم لرغبات أردوغان المشتركة مع العدو الإسرائيلي أو الرضوخ للعبث بأمن وجغرافية وديمغرافية إيران للأسباب التالية:
أولاً: إيران كانت الداعم الرئيسي لأذربيجان في بسط سيادتها علی إقليم قرباغ.
ثانياً: إن أردوغان اليوم ليس أردوغان الأمس بعد خسارته أحلام مشروع باراك أوباما الشرق الأوسط الجديد القائم على تسليم الحكم إلى تنظيم الإخوان المسلمين وخصوصاً بعد خسارة التنظيم وانكفائه عن مخلفات الربيع العربي وعن المشهد السياسي في الوطن العربي.
ثالثاً: الرهان على الأميركي أو على العدو الإسرائيلي هو رهان خاسر وعلى أذربيجان أخذ العبرة من انكفاء أميركا من المنطقة وانسحابها من أفغانستان وإعلانها الخسارة الإستراتيجية.
إيران بما تمثله من حضور فاعل في المنطقة والإقليم نجحت في تطويق العدو الإسرائيلي بمحور مقاومة متماسك بدءاً من غزة مروراً بالجولان وصولاً إلى جنوب لبنان لكن إيران تجد نفسها اليوم أمام تحد من نوع جديد يتمثل بمحاولة إسرائيلية تركية مشتركة لخرقها من الخاصرة الأذرية انطلاقاً من أذربيجان.
إيران اشتهرت بصبرها الإستراتيجي لكنها اشتهرت أيضاً بردها العسكري الإستراتيجي تذكروا ماذا حل بقاعدة عين الأسد في العراق وقاعدة الموساد الإسرائيلي في أربيل.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)