|بهية حلاوي
يمكن تتبع مسار التضليل الإعلامي بشأن حادثة مهسا أميني نفسه والتضخيم الإعلامي بشأن رد الفعل في الشارع الإيراني في عدد من المنصات، وعلى رأسها “تويتر” و”تيك توك”.
في اللحظة التي أنجز فيها العالم قفزة هائلة في تكنولوجيا التواصل وإمكانية مشاركة كمّ كبير من الصور والفيديوهات خلال لحظات، سارع العديد من الأطراف السياسية في العالم وأذرعها الإعلامية إلى استغلال هذا التطور لخدمة أجنداتها.
بات من المفهوم بعدما أظهرته عشرية النار في سوريا أن نقل الاضطراب من الصورة المفبركة والفيديو القديم إلى الميدان أمر ممكن. وبات من الواضح توجه جهات إعلامية محددة لتغطية أي حدث في روسيا والصين وفنزويلا على سبيل المثال، رغبة في تأزيمه وتغيير صورته الحقيقية.
إيران، وبحكم سياستها المستقلة، ليست بعيدة عن هذا المنطق من الاستهداف. وما تكثيف الحالة الإعلامية بشأن وفاة الشابة مهسا أميني سوى مثال على ذلك. يمكن تتبع مسار التضليل الإعلامي بشأن الحدث نفسه والتضخيم الإعلامي بشأن رد الفعل في الشارع الإيراني في عدد من المنصات، وعلى رأسها “تويتر”، الذي يتميز بحضور كثيف نسبياً للمحتوى السياسي.
في “تويتر”.. تضخيمٌ للحدث وتزييف للصورة
في الأيام الأولى من الاحتجاجات، وعند البحث عن اسم مهسا أميني، نجد، بحسب ما تظهره منصة “Talkwalker”، أن عدد التغريدات عن هذا الحدث الذي وصل إلى المستخدمين كان بالملايين، ولكن التفاعل كان متدنياً مقارنة بهذا العدد الكبير من التغريدات.
اللافت أكثر هو عدد الحسابات التي غردت عن الموضوع في المقام الأول، وهو، بحسب المنصة، لا يتجاوز 450 ألفاً، الأمر الّذي يعني أنّ ثمة جهات محددة حاولت تضخيم هذا المحتوى وضمان انتشاره لفرضه على عالم التفاعل وإثارة الغرائز في التعامل معه.
تحليل تلك البيانات يشير إلى أنَّ الحسابات التي حملت مهمة الترويج على عاتقها، كانت في أغلبها حسابات جديدة التأسيس، وليس لها نشاط سابق في منصة “تويتر”، وكأنها أنشئت سريعاً للتفاعل مع الحدث في إيران حصراً، أو أنشئت قبل فترة محدودة استعداداً لما هو مشابه. وفي اعتمادنا على عينة من 60 ألف تغريدة، لاحظنا أن 8343 حساباً تم إنشاؤها في شهر أيلول/سبتمبر.
وفي العينة نفسها، يمكن استخراج مجموعة من آلاف الحسابات التي تم إنشاؤها في شهر آب/أغسطس (نحو 3453 حساباً). وما يوضح الهدف من إنشائها هو أن تلك الحسابات لم تغرد على الإطلاق بعد ظهورها في المنصة، إلى حين بدء الأحداث الأخيرة في إيران.
اعتمدت هذه الموجة من التضليل في منصة “تويتر” تحديداً على عدد من الأساليب المكررة، ومن ضمنها التركيز على ناشطين معارضين موجودين خارج إيران، لإعطاء نوع من “المصداقية” أمام الجمهور الغربي، والاستثمار في لغتهم الفارسية لنسبة عدد كبير من المواد إلى الإيرانيين، والادعاء أنها حسابات إيرانية في الداخل مثلاً، وكذلك الاعتماد على عدد من الفيديوهات القديمة والمراهنة على عدم تحقق المستخدمين من تاريخ نشرها الأصلي.
عدد من وسائل الإعلام، ومع هدف تضخيم الحدث وتزييفه لأهداف سياسية، لم تؤدِّ الحد الأدنى من مهمات التحقق والتوثق أو ربما تعمدت التزييف. هناك وسائل إعلام شاركت مثلاً أخباراً عن احتجاجات في 50 محافظة إيرانية، في حين لا يوجد في إيران إلا 31 محافظة!
هناك أيضاً مقطع الفيديو الذي تم تداوله والترويج له على أنه لحظة اعتقال الشابة مهسا أميني، ليتبين أنه فيديو قديم تم نشره في أيار/مايو الماضي. وفي سياق تكريس المسمّى في وعي المتلقي، حاولت وسائل الإعلام ترويج اسم “كردستان الشرقية”، لعلّ ذلك يعزز في المستقبل سياسة “شدّ الأطراف” في إيران، وإحداث حال من الانقسام فيها. ولا يختلف الأمر هنا عمّا أدته وسائل الإعلام نفسها في السودان، وكذلك في المناطق الكردية في سوريا والعراق بالاعتماد على التكتيك نفسه.
من الأمثلة اللافتة أيضاً، استخدام عدد من الحسابات خرائط لتوصيف الحالة الاحتجاجية في إيران كأنها احتجاجات عارمة تغطي مساحة جغرافية واسعة، بما يشبه خرائط توزع السيطرة التي جرى تداولها أثناء عشرية النار، والتي كانت تعطي حصة أكبر للتنظيمات الإرهابية، في إطار الحرب النفسية على عناصر الجيش السوري، وعلى المواطن السوري أيضاً. هذه الخرائط عبر نشرها بهذا الشكل، تعطي انطباعات بدلاً من المعلومات الحقيقية، وخصوصاً بالنسبة إلى الجمهور الغربي الذي يتعامل معها كمصدر معرفي، وليس كمادة مدسوسة.
وحاولت الحسابات المحرّكة من جهات محددة، وبالتزامن مع نشاط إعلامي لمحطات كبرى، أن تجعل من وفاة مهسا أميني شرارة انطلاق ما أسمته “ثورة”، وكأنها تحاول إعادة إنتاج صورة البوعزيزي في تونس، وهي الصورة ذاتها التي حاولت تكريسها مع نافالني في روسيا، فنجد اعتماد مصطلحات، مثل الاحتجاجات الكبرى والتظاهرات الواسعة، في المقالات الإخبارية، وبشكل متكرر.
من جانب آخر، سارعت حسابات إسرائيلية إلى نشر أخبار مضللّة تزعم فيها أن عناصر من حزب الله توجهت إلى إيران لـ”قمع المتظاهرين”، وهي دعايات تضليلية مشابهة عندما تمّ الحديث عن مشاركة عناصر من حزب الله مع الجيش الروسي في الحرب في أوكرانيا، عبر الاستناد إلى معلومات مضللة وصور وفيديوهات مزيفة.
وفي الهدف، إن هذه الحسابات الإسرائيلية تسعى إلى تشويه صورة حزب الله والجمهورية الإسلامية في الوقت نفسه، ويظهر ذلك في استخدامها فيديوهات قديمة لا علاقة لها بالجمهورية الإسلامية، إنما بلبنان. كما يمكن ملاحظة تفاعل عدد كبير من الحسابات الإسرائيلية في تزكية حسابات وناشطين تزعم أنهم إيرانيون في المنصات، ودعوة المتابعين إلى الاستناد إليهم في الوصول إلى الأخبار والمعلومات.
إذا كان التحرك في فضاء “تويتر”، باعتبارها المنصة الأكثر تفاعلاً مع المحتوى السياسي، سار على هذه السكة من التضليل، فالأمر لم يختلف كثيراً في “تيك توك” الذي اعتقد البعض أنه منصة قد لا تثير اهتمام الجهات المعنية بهذا النوع من التضليل.
“تيك توك”.. استهداف المراهقين واستغلال غياب مصدر الخبر
في السنوات القليلة الماضية، يمكن معاينة رواج منصّة “تيك توك” وطبيعة مستخدميها الذين ينتمون إلى فئات عمرية صغيرة. هذه المنصة أصبحت محرّك البحث الأول لجيل الألفية في عملية وصوله إلى المحتوى والأخبار، وفيها ينشط المحتوى المرتبط بالتحديات الذي يحفز المراهقين على تأدية مهام معينة، وبشكل واضح ومحدد، للمشاركة في الموجة. هذا أيضاً جرى استغلاله لتحريك الجيل الجديد ضد إيران عبر فيديوهات ممزوجة بالأغاني والشعارات، من دون الإشارة إلى أي مصدر، والاعتماد على تدوير هذه الفيديوهات وانتشارها بشكل سريع.
في “تيك توك”، كان الاعتماد على حسابات مؤثرين في الغرب معادين لإيران ومجموعات أخرى لا علاقة لها بعالم الأخبار والمحتوى، وجل ما تنشره مرتبط بعالم الأزياء ومساحيق التجميل.
كما تمَّت الاستفادة من مؤثرين في مجالات أخرى، رغبة في الوصول إلى أوسع شريحة من المستخدمين بسهولة من دون الغوص في مصادر المواد، ومن ذلك ما شاركته صفحة موضة وأزياء، التي تمكنت من حصد 200 ألف إعجاب على تفاعلها مع الحدث المتخيّل في إيران وتضامنها معه، داعية الناشطات إلى قصّ شعرهن وخلع حجابهن.
ضمن الفيديوهات المحفزة التي جرى تداولها من حسابات أهم المواقع الإخبارية في الولايات المتحدة، كان هناك مقاطع صوتية لمعارضين إيرانيين نشرت صورهم مع مايك بومبيو في المواقع الأميركية الرسمية. وفي معاينة إضافية للمصطلحات التي استخدمها الناشطون للبحث عن الملف، يمكن تعداد مجموعة من العبارات التي توضح التحيز والتأثر بسردية دون أخرى، وربط الموضوع حصراً بـ”شرطة الآداب” الإيرانية.
لذلك، يمكن الحديث عن تضليل حقيقي، لأنّ ما انتشر في هذه المنصة لا يسمح للمستخدمين بفهم ما حصل، فلا سياق ولا أخبار من المصادر ولا حتى مادة توثيقية تساعد على فهم ما يجري.
الإعلام الغربي.. اشتهاء لحظة الاضطراب في إيران
يتربّص الإعلام الغربي إجمالاً اللحظة الّتي يمكن استثمارها سياسياً في إيران أو أي حدث يمكن تحويله إلى محطة حاسمة داخل المجتمع الإيراني. بحسب نتائج برنامج “spike”، يتبين حجم الضخّ الإعلامي الكبير في موضوع وفاة الشابة مهسا أميني؛ ففي خلال أسبوع واحد، تم نشر 1504 مقالات في الولايات المتحدة. وبغضون أيام قليلة، نشرت الـ”سي إن إن” الأميركية وحدها 15 مقالاً.
لم يكن الحال مختلفاً في المملكة المتحدة، ففي غضون 9 أيام تم نشر 720 مقالاً. وقد حقق مقال “وفاة امرأة إيرانية بعد تعرضها للضرب من قبل شرطة الآداب بسبب قانون الحجاب” في صحيفة “الغارديان” 15200 إعجاب ومشاركة وقراءة، على الرغم من انتشار الفيديو الذي يوثق عدم تعرض الفتاة لأي اعتداء.
ازدحمت المعلومات التضليلية في مقالات الإعلام الغربي الذي يتجنب عادة الاعتماد على المعلومات الخاطئة في التضليل، إنما يعتمد على أدوات أخرى أكثر تطوراً، مثل تبديل الفقرات في النصوص، والتعتيم على عدد من الأفكار والمعلومات، ولكنه في الحالة الإيرانية، دفعت به الرغبة الشديدة في إثارة الاضطراب إلى اعتماد هذا الأسلوب، ومن ذلك الحديث عن قتل 50 امرأة في اليوم الثامن من الاحتجاج، وتحويل الحالة الاحتجاجية إلى احتجاج على الشريعة الإسلامية نفسها.
أما في دول الاتحاد الأوروبي، فعدد المقالات التي نشرت بحسب البلد بين 16 و2 أيلول/سبتمبر يتوزع على الشكل الآتي: ألمانيا 830، وفرنسا 655، وإسبانيا 297، وإيطاليا 497، وهولندا 134، مع الإشارة إلى أنَّ الأخبار التي تضمنت كلمة “امرأة إيرانية” أو “نساء إيرانيات” أو “حقوق المرأة في إيران” خلال الأسبوع الماضي تجاوزت 8.000 آلاف مقال في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
هنا، نتحدث عن المقالات حصراً، ولكن التأثير الأكبر كان في تحويل المواد المضخّمة والسرديات التي صبت في اتجاه واحد إلى قصص ليجري تداولها في حسابات المواقع هذه في منصات التواصل الاجتماعي لضمان رواجها بين الجيل الذي يعتمد على هذه المنصات في استسقاء أخباره.
يمزج الإعلام الغربي بين التضليل وازدواجية المعايير في الحالة الإيرانية، فإضافة إلى التضليل فيما يتعلق بالحدث نفسه في إيران، يتم التعتيم على حالات حقيقية وعميقة في دول أخرى، لا لشيء إلا لأنها لا تخدم أجندة الولايات المتحدة أو تؤذي صورتها أو صورة حلفائها.
الإعلام والنساء المنسيات
وفي الوقت الّذي خصصت وسائل الإعلام المعادية لإيران تغطيات ضخمة ومكثفة ومبالغ طائلة للترويج للمحتوى الخاص الذي يستهدف سياساتها، فقد تعمدت، ولو من خلفية مهنية فقط، عدم تغطية التظاهرات الجماهيرية الحاشدة الداعمة للجمهورية الإسلامية التي عمت معظم محافظات البلاد.
لكن لو عاينا طريقة عمل تلك الوسائل الإعلامية، وتحديداً في تعاطيها مع موضوعات شبيهة، لما استغربنا فعلاً مثل هذا السلوك، ونذكر منها:
· زينب الخزعلي التي قتلت برصاص القوات الأميركية في العراق: كتب عنها أقل من 100 مقال (من بينها مقالات لبعض المواقع العربية التي استغلت الخبر للتصويب على الفصائل العراقية، عبر اتهامهم باستغلال الحدث من دون المطالبة حتى بتحقيق).
· زهرة قدي: لاعبة إيرانية تعرضت للتنمر. وبعد 90 يوماً من حادثتها، لم تتعدَّ التغطية الإخبارية 1000 خبر عربياً وعالمياً (أغلبيتها كانت تحرّض على إيران، وتعتبر أنها تستعمل أساليب غير شرعية في عالم كرة القدم).
· يتيمات خميس مشيط: كتب عن الاعتداء على فتيات في دار أيتام في السعودية 86 خبراً باللغة العربية و20 خبراً فقط باللغة الإنكليزية (وذلك بعدما أُحرجت بعض الصفحات من جمهورها في منصات التواصل الاجتماعي).
تواطؤ الشركات من ويكيبيديا وصولاً إلى منصات التواصل
يدرك الخبراء والباحثون أن المعلومات المنشورة في “ويكيبيديا” ليست علمية ودقيقة، ولا يمكن الاعتماد عليها من دون التثبت من مصادر رسمية ذات مصداقية أعلى. على الرغم من ذلك، تبقى المنصة من المصادر الأساسية للوصول إلى المعلومات، وخصوصاً بالنسبة إلى جيل الألفية.
بالنسبة إلى الكثير من مستخدمي التطبيقات الذين تم إغراق صفحاتهم بالمحتوى الخاص بإيران، تحركت الرغبة لديهم في فهم حقيقة ما يحصل أو طرح أسئلة تساعد على فهم المواد التي يقرأونها.
وفي أي بحث عادي في محركات “غوغل”، وضمن قائمة النتائج التي ستظهر تلقائياً، ستكون “ويكيبيديا” في أعلى الصفحة، وبالتالي ستكون مصدر تكوين الرأي بالنسبة إلى هذا المستخدم، بالاستناد إلى سردية ممنهجة وموجهة ضد إيران.
خصصت “ويكيبيديا” للحادثة صفحة في موقعها بشكل مباشر، والبارز هو عنوان الصفحة “مقتل مهسا أميني”. وقد ذكرت فيها أن “مقتل مهسا أميني حادثةٌ وقعت يوم 16 أيلول/سبتمبر 2022 في العاصِمة الإيرانيّة طهران، حينَ فارقت شابة إيرانية تُدعى مهسا أميني الحياة عقبَ إلقاءِ القبض عليها من قِبل شرطة الأخلاق التي تتبعُ الحكومة الإيرانيّة”.
“ويكيبيديا” والمعلومات المنشورة فيها تغذي المنصات الأخرى، ويلجأ إليها الجيل الجديد من دون التثبت من صحة المعلومات من مصادر أخرى أو أهل الرواية أو السردية الحقيقية. ومن هنا، نفهم الصراع على السرديات والتحكّم في العقول وكيفية توجيه الرأي العام بطريقة ناعمة ومبطنة.
في المقابل، وبالنسبة إلى منصات التواصل التي تصدر التقارير الدورية عن سياسات النشر ومحاربة التضليل والمحتوى المصنف عنيفاً… نجد أنَّها تسمح برواج كلّ ما يعادي إيران ويساعد في تشويه صورتها، حتى لو كان معاكساً لسياسات النشر لديها. وضمن هذا المسار التضليلي، تقطع هذه المنصات من خلال حملاتها الدعائية الطريق على المواد التي لا تخدم سياسات التطبيقات، مثل حركات المقاومة المعادية للإمبريالية الأميركية.
وتأتي تصريحات الملياردير الأميركي إيلون ماسك الذي عرض شراء منصة “تويتر” في الآونة الأخيرة، لتؤكد هذا التماهي بين المؤسسة الأميركية وشركات التكنولوجيا العملاقة. ماسك أراد مساعدة الإيرانيين عبر توفير خدمات الإنترنت عبر الساتلايت.
لم يأبه ماسك لأكثر من ثلث سكان العالم الذين لا يستخدمون الإنترنت، ولم يأبه هو وزملاؤه لزمر القيود الأميركية التي صعّبت الجائحة على إيران، بسبب منع وصول المعدات الأولية والطبية قبل أشهر.
إيران وتغييب البيانات الممنهج
نادراً ما يتناول الإعلام الغربي موضوع التطور والتقدم في إيران، وخصوصاً مشاركة المرأة في الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية، وذلك يبدو جلياً من خلال تغييب الإحصاءات التي تتناول زيادة نسبة النساء في الصفوف الطلابية المدرسية والجامعية -أو تأخير نشر الخبر في حال نشر- وكذلك تغييب زيادة نسبة مشاركة المرأة في ميادين العمل المختلفة، وتغييب تقدم إيران على الصعيد العالمي في بعض الصناعات والمجالات.
أُريدَ من خلال الضخ الإعلامي التضليلي الاستثمار في وفاة مهسا أميني لخلق أجواء اضطراب في إيران تنتقل من الصورة لتنتهي في الميدان، وهذا ما لم يحدث، وأُريدَ أيضاً تصوير إيران على أنها المجتمع الذي تغيب فيه مساهمة المرأة، وهذا ما تنقضه العديد من الإحصائيات المختصة.
الإحصائيات الحقيقية موجودة في الإعلام الإيراني، وباللغة الفارسية، وهي مغيبة في الإعلام الغربي، مع العلم أنه يمكن تعداد مئات المواقع المتخصصة بتتبع الإحصاءات والأرقام من كلّ أنحاء العالم، والتي تعطي مساحة لموضوعات متخصصة، إلا أنَّها تستنسب القضايا والملفات التي لا تؤذي سياستها ومشاريعها، وتبقي السرديات التي يتم الترويج لها لدى جمهورها سرديات حصرية خاصة مع صعوبة وصول الجمهور الغربي إلى المحتوى الإيراني.
وفيما يلي بعض النّسب الموثقة التي توضح حجم تأثير دور المرأة في المجتمع الإيراني: 06% من الطلاب في البلاد من النساء. وفي عام 2016، كان 49% من الأطباء الإيرانيين من النساء. وعام 2015، كان هناك 70% من طلاب العلوم والهندسة من النساء. وعام 2016، تجاوز عدد النساء في البرلمان عدد علماء الدين.
واليوم، هناك 8000 سيدة إيرانية مؤلفة وكاتبة، مع 712 ناشرة إيرانية، بعدما كانت النسبة 0 ما قبل الثورة. ونالت سيدات إيران 160 ميدالية عالمية في مسابقات دولية وعالمية، وهناك 35 ألف مدربة رياضة، مع 143 نوعاً من الرياضات النسائية.
أيضاً، النساء حاضرات كمساعدات رؤساء جمهورية، وأعضاء في مجلس الشورى ولجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية. الحضور النسائي في السلك الدبلوماسي والمناصب الحكومية لافت، وهناك حضور قوي في المؤسسات الأمنية والقوات المسلحة.
خلاصة
حملة التضليل التي نلمس أدوات تزويرها في الحديث عن إيران اليوم مكررة، وهي مشهد يمكن معاينته بشكل شبه يومي في قضايا إيران نفسها.
تلك الحملة نشاهد فصولها في المعركة الأطلسية-الأميركية ضد روسيا غبر ضخّ “الروسوفوبيا” بشكل يومي. وطبعاً شاهدناه في عشرية النار في العالم العربي، ودفع ضريبتها جزء كبير من رواد المنصات، ولا نستغرب أيضاً معاينتها في فنزويلا وبوليفيا، ولا شكّ في أننا نعاينها في فلسطين في كل لحظة.
يجري التحضير لحملات ممنهجة بشكل دوري لأهداف سياسية، بالاستفادة من حسابات وهمية وحسابات مبرمجة لاستنساخ المحتوى وتضخيمه، من خلال الإيحاء بأن ما يحصل هو ثورة وانقلاب، وحثّ الجيل الشاب الذي لا يتحقق من معلوماته بطرق دقيقة على المشاركة والتضامن تحت مسميات الحريات والحقوق.
وسائل الإعلام بمنصاتها الرقمية كمواقع وحسابات في منصات التواصل حركت وحرّضت وغذّت هذا الهجوم التضليلي ضد إيران عبر اعتماد سردية واحدة تضمّ الكثير من التضخيم والفبركة، وهذا ظهر بمقارنة تعاطيها في جوانب وملفات أخرى لم تنتهج فيها الأسلوب نفسه والحرص الزائف الذي أوحت للجمهور به.
وكما تظهر البيانات، يمكن الاستدلال على ذلك من غياب هذا الإعلام نفسه عن المسيرات الشعبية المؤيدة للجمهورية، والارتباط الوثيق بينها وبين الشهداء والقادة، وأيضاً من خلال الإحصاءات والأرقام الموثقة المتعلقة بإيران، والتي تظهر واقع الأمور.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين