| سعيد محمد
يواجه رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، اقتراعاً على الثقة في البرلمان يوم الأربعاء المقبل، بعدما عرَض تقديم استقالته من المنصب التنفيذي الأهمّ في البلاد، إثر رفْض شريكته في الائتلاف، حركة «5 نجوم»، دعم مشروع حُزمة دعم اقتصادي للمواطنين في مواجهة التضخّم. وعلى رغم أن الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، رفَض قبول الاستقالة، إلّا أن «العاصفة» لم تنتهِ بعد، فيما من المتوقّع أن تترتّب على استمرارها نتائج سلبية، إنْ لناحية الاستقرار السياسي في إيطاليا نفسها، أو على الصعيد الأوروبي عموماً
لندن | غرقت إيطاليا في لجّة اضطراب سياسي، بعدما بدا لرئيس الوزراء، ماريو دراغي، أن الظروف لم تَعُد مهيّأة له للاستمرار في قيادة الائتلاف اليميني الحاكم الذي يدير الجمهورية منذ 17 شهراً. ولم يجد دراغي بدّاً من عرْض تقديم استقالته، إثر رفْض حركة «خمس نجوم» الشعبوية – أحد مكوّنات الائتلاف – دعم موقف الحكومة في تصويت برلماني حاسم حول حزمة بقيمة 26 مليار يورو، دفع رئيس الوزراء في اتّجاه إقرارها بهدف حماية المواطنين من تأثير ارتفاع التضخّم، كجزء من التدابير العاجلة لمواجهة أزمة الطاقة التي ضربت اقتصادات أوروبا بشكل حادّ. وعلى الرغم من مقاطعة جزء من مشرّعي الحركة في مجلس الشيوخ، التصويت على الحزمة على أساس أن التدابير المقترحة «متواضعة للغاية وغير كافية»، ورفضهم كذلك الموافقة على تمويل تأسيس محطّة لتحويل النفايات إلى طاقة في العاصمة – اعتُبرت أقلّ مناسبة للبيئة من البدائل الممكنة -، فقد تمّت الموافقة على المساعدات كما اقترحها دراغي بأغلبية مريحة. لكنّ رئيس الوزراء، وفق تصريحات حديثة له، متمسّك ببقاء حكومة وحدة وطنية حقيقية، ولذا، فهو لن يبقى في المنصب من دون حركة «خمس نجوم» التي كانت أكبر حزب في البرلمان قبل انقسامها الشهر الماضي إلى فريقيَن متنازعَين.
ليس من الواضح إلى الآن ما إذا كان تحالف دراغي سينجو من التصويت على الثقة يوم الأربعاء المقبل
وستكون العاصمة الإيطالية، خلال الأيام القليلة المقبلة، مسرحاً للمناورات السياسية المكثّفة من وراء الكواليس، حيث سيقرّر أعضاء البرلمان المفتَّت ما إذا كان بإمكانهم العمل معاً لشراء الوقت حتى موعد الانتخابات القادمة – ربيع 2023 – من خلال إقناع دراغي بالبقاء، أو ما إذا كانوا سيُغرقون البلاد في انتخابات مبكرة لا يبدو أن أحداً قادر على تصوُّر شكل الحكومة التي قد تنبثق منها. وقال إنريكو ليتا، زعيم «الحزب الديموقراطي»، في تغريدة على «تويتر»: «هناك خمسة أيام أخرى للعمل حتى يتمكّن البرلمان من تأكيد ثقته في حكومة دراغي، وتتمكّن إيطاليا من الخروج من الانهيار الدراماتيكي الذي تدْخله الآن». ومن شأن الانتخابات المبكرة أن تثير الشكوك حول قدرة إيطاليا على تمرير ميزانيتها في الخريف المقبل، وسنّ الإصلاحات اللازمة لوضع البلاد على مسار النموّ الطويل الأجل، بعد سنوات من الركود الذي ضاعفت منه انعكاسات تفشّي وباء «كوفيد 19». وكان صندوق الاتحاد الأوروبي الخاص بالتعافي من الجائحة، قد قرّر منْح إيطاليا الفرصة للاستفادة من دعم بقيمة 200 مليار يورو (أو نحو 240 مليار دولار) كأكبر متلقٍّ للمساعدة من بين الدول الأعضاء. إلّا أنه بغيْر ميزانية، فإن مسألة تلقّي هذا الدعم ستدْخل في تعقيدات.
وعلى الرغم من أن الأزمة الحكومية الأخيرة اندلعت بعدما قاطع جناح من حركة «خمس نجوم» التصويت على حزمة دراغي المقترَحة، إلّا أن معالمها كانت بدأت بالتشكُّل بعدما انقسمت الحركة منذ أسابيع، نتيجة صراعات نفوذ وطموحات سياسية بين قياداتها. ويدفع جوزيبي كونتي، زعيم الحركة، في اتّجاه الخروج من الحكومة، سعياً على ما يبدو لتوسيع نطاق استفادته انتخابياً من الغضب الشعبي المتصاعد من التضخّم وارتفاع الأسعار وتدنّي القيمة الفعلية للدُّخول، فيما لا يريد نواب من الحركة خسارة مقاعدهم الحالية في البرلمان من دون وجود ضمانات للاحتفاظ بها حال الدعوة إلى انتخابات مبكرة. وكان كونتي، الشاب الشديد الطموح، أعلن قبل التصويت أنه لم يَعُد في إمكانه دعم حكومة دراغي، لفشلها في القيام بما يكفي لمساعدة الأسر الإيطالية التي تواجه ارتفاعا حادّاً في تكاليف الغذاء والطاقة، وتحديداً منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وانخراط إيطاليا في حلف تقوده الولايات المتحدة فرَض عدّة جولات من العقوبات على روسيا، جاءت بنتائج عكسية. وقال كونتي، بعد اجتماع للحركة يوم الأربعاء: «لديّ خوف شديد من أن يكون أيلول المقبل وقتاً تواجه فيه العائلات الخيار بين دفع فاتورة الكهرباء أو شراء الطعام».
وبحسب استطلاعات للرأي وخبراء، ليس من الواضح إلى الآن ما إذا كان تحالف دراغي سينجو من التصويت على الثقة يوم الأربعاء المقبل. لكنّ الجميع متقاطعون على أن انهيار الحكومة ستكون له ارتدادات يُسمع صداها عبر البرّ الأوروبي كلّه، وفي أسوأ وقت ممكن؛ إذ كان دراغي محوريّاً في دفْع إيطاليا، التي حافظت في كثير من الأحيان على علاقة وثيقة مع روسيا، نحو قلْب الصفّ الأوروبي بشأن مسائل دعم أوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو. وفي عهده، باتت إيطاليا أوّل دولة غربية كبرى تدعم علناً عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي. ولعلّ أبلغ تعبير عن طبيعة تلك الارتدادات جاء من أنطونيو ساكوني، عضو مجلس الشيوخ عن حزب «فورزا إيطاليا»، الذي خاطب المتمرّدين على الائتلاف الحاكم بقوله: «إنكم تقدّمون خدمة لبوتين».