- لينا كنوش
- السبت 5 آذار 2022
ستحسم روسيا الحرب لصالحها رغم مصاعبها الراهنة
تزويد أوكرانيا بالسلاح يزيد من احتمال صدام مباشر بين الناتو وروسيا
لماذا لجأ الرئيس الروسي إلى الخيار العسكري؟ ألم يكن يستطيع الحصول على ضمانات من دون استخدام القوة؟
روسيا تطرح المطالب نفسها منذ حوالي 20 سنة، بشكل متكرّر وبأساليب مختلفة. استخدمت القنوات الديبلوماسية أحياناً، واستعرضت قوّتها في أحيان أخرى، لكن لم يسبق لنا أن رأينا ما نشاهده اليوم. وقعت الحرب في جورجيا في 2008، وفي 2014، انفجرت المواجهات في منطقة دونباس وتمّ ضمّ القرم، غير أننا لم نرَ شنّ عملية عسكرية مدروسة بدقّة وجرى الإعداد لها لأشهر طويلة. حشد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا أدى إلى تطوّر سياسي لافت في كانون الأول 2021. استؤنف الحوار الاستراتيجي بين الأميركيين والروس، وجرى التطرُّق إلى موضوعات أراد الأخيرون التباحث حولها منذ زمن طويل، كالهندسة الأمنية في القارّة الأوروبية، وتوسيع التفاوض حول الحدّ من التسلّح، بما يتجاوز اتفاقية ستارت الجديدة التي مُدّدت أخيراً.
تناولت موسكو، أيضاً، قضية الأسلحة النووية المتوسّطة المدى، ومسألة البطاريات الأميركية المضادّة للصواريخ. تمّ ذلك قبل اجتياح أوكرانيا، غير أن عدم تحقيق تقدّم حول ضمّ الأخيرة إلى الناتو هو الذي يفسّر المنعطف الحالي. هناك بُعدان في المواجهة المحتدمة: الأوّل محلّي أوكراني يتعلّق بعدم احترام اتفاق مينسك؛ والثاني يرتبط بالتحدّيات الأمنية في الفضاء الأورو-أطلسي. كان يُفترض أن يُفضي التقدّم في المباحثات حول البعد الأول إلى فتح آفاق إيجابية بالنسبة للثاني. لم ترغب كييف في تطبيق اتفاق مينسك، وعندما اقتنع الروس بأن الألمان والفرنسيين لن يمارسوا أيّ ضغوط عليها لتفعل ذلك، تَغيّرت المعطيات، في ظلّ الحشد العسكري الروسي على الحدود.
هل أعدّ الروس عدّة سيناريوات لتدخّل عسكري قد يطول، أم أنهم باشروا به انطلاقاً من تقدير خاطئ لموازين القوى قد يفسّر المقاومة التي يواجهونها راهناً؟
بدأت العملية العسكرية منذ بضعة أيام، ومن المبكر تقديم تقييم جدّي لنتائجها، غير أن بإمكاننا إبداء بعض الملاحظات حولها. الانطباع الأوّلي هو أن التدخّل لم يكن منظّماً ومنسّقاً كما يُفترض، وأن عديد القوات المشاركة فيه ليس كبيراً. نرى تشتّتاً لهذه القوات التي أُرسلت إلى مناطق بعيدة عن قواعدها من دون تَوفّر إسناد لوجستي حقيقي. المعدّات والتجهيزات العسكرية المستخدَمة ليست أحدث ما تمتلكه روسيا. هناك آليات مدرّعة خفيفة تخلّى عنها الجنود الروس بسبب عدم تَوافر الوقود. كل ذلك يدفع إلى الاستنتاج بأن هناك مشكلة على صعيد التنظيم اللوجستي. ثانياً، لم يتوقّع الروس مقاومة بهذه الدرجة من الشراسة من قِبَل الأوكرانيين، بل هم اعتقدوا أنهم سيُستقبلون كمحرِّرين. ففي مناطق أخرى خارج دونيتسك ولوغانسك، كانوا يظنّون أنهم سيلقون ترحيباً، غير أنهم لم يجدوه. ولكن، حتى لو كانت مدّة هذه العملية العسكرية أطول مما توقّعه الكرملين، فإن المسار الميداني سيتغيّر. لدى الروس تفوّق كمّي ونوعي في العديد والعتاد، لن يقوى الأوكرانيون على مقاومته لفترة طويلة.
هناك بالحدّ الأدنى دعم معنوي وديبلوماسي صيني لروسيا
ما هي الأهداف السياسية لهذه العملية العسكرية؟ وهل تغيير النظام في كييف هو أحدها؟
أعتقد أن هذا هو المنطق العميق الذي يَحكم العملية، وقد أفصح عنه فلاديمير بوتين في خطابه الذي اعترف فيه بجمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك ،عندما أشار إلى انعدام شرعية النخبة الحاكمة في أوكرانيا. حدّد الوفد الروسي الأهداف السياسية لموسكو خلال المفاوضات التي جمعته مع ذلك الأوكراني في بيلاروسيا، وهي اعتراف كييف بالسيادة الروسية على القرم، وباستقلال دونيتسك ولوغانسك بعد تنظيم استفتاء حول هذا الموضوع، وحياد أوكرانيا وصيرورتها دولة فيدرالية. ميدانياً، الهدف القصير المدى هو استكمال حصار كييف وعدد من المدن الكبرى الأخرى الواقعة في شرق البلاد، وتطويق القوات الأوكرانية الموجودة في هذه المناطق وعلى حدود الدونباس.
كيف تنظر موسكو إلى تطوّر موقف الأوروبيين الذين أصبحوا يقفون في جبهة واحدة مع الولايات المتحدة؟
في الواقع، ما نشهده اليوم هو جبهة غربية موحّدة خلف الموقف الأوروبي، لا الأميركي، الذي يتعامل مع الأوضاع، ظاهرياً على الأقلّ، برويّة أكبر. هم لا يغلقون مثلاً مجالهم الجوي أمام الطائرات الروسية، على عكس الأوروبيين، ولم توقف بوينغ بيعها لقطع الغيار الخاصة بالطائرات، كما فعلت إيرباص. يُزايد الأوروبيون على الأميركيين في ميدان العقوبات المفروضة على روسيا. الأميركيون لا يريدون الذهاب إلى حدّ يدفع الروس إلى مزيد من التعاون مع الصينيين. هذا العامل الجيوسياسي يفسّر التروّي الأميركي. في كلّ الأحوال، الروس استعدّوا لجميع السيناريوات، وللعقوبات الأشدّ قسوة، باستثناء تلك المتعلّقة بموجودات مصرفهم المركزي. أمّا في ما عدا ذلك، فقد قاموا بتحصين اقتصادهم، وبفكّ ارتباط القسم الأعظم من مبادلاتهم التجارية الخارجية، ومن ديونهم الخارجية، بالدولار قدر المستطاع. علاوةً على ذلك، من المفاجئ والمقلق أن يعمد الأوروبيون إلى تزويد أوكرانيا بالأسلحة – كصواريخ ستينغر المضادة للطائرات -، والذي يُعدّ مشاركة في النزاع، من دون الإعلان عن ذلك. وإذا أعطوا الأوكرانيين طائرات مقاتلة، فنحن نتّجه نحو المجهول، لأن الروس سيردّون، مما يزيد من احتمال الصدام المباشر مع الناتو.
هل يرضي الموقف الصيني روسيا؟
هناك بالحدّ الأدنى دعم معنوي وديبلوماسي صيني لروسيا، على الرغم من التداعيات الممكنة للعقوبات على العلاقات بين البلدين. لا أظنّ أن الروس كانوا ينتظرون مساندة أكبر، ولا أنهم اقتنعوا بفرضية هجوم صيني على تايوان بالتزامن مع التطوّرات في أوكرانيا. لكن حجم العقوبات، بخاصة إذا اتّسعت لتشمل مجال الطاقة، ستسرّع التقارب بين بكين وموسكو. حتى الآن، لا نعرف مدى العقوبات المضادّة التي ستعتمدها الأخيرة، ولكن إذا تمّ وقف صادرات الغاز والنفط، فإنّنا سنشهد سيناريو يتلاءم مع مصالح الصين. هي ستُوقّع عقوداً لاستيراد الغاز والنفط لعقود مقبلة، بشروط مثالية بالنسبة لها. ربّما تفسر الخشية من مثل هذا السيناريو الوضع الحالي، حيث يلعب الأوروبيون دور الشرطي السيّئ، والأميركيون، الشرطي الجيد.(سيرياهوم نيوز-الاخبار)