علي عواد
يوم الإثنين الماضي، وصل أغنى رجل في العالم إلى المعسكر الشهير في بولندا، حيث قُتل ملايين اليهود. وكان بصحبته مُذيع «دايلي واير» والمُعلق الصهيوني بن شابيرو المُلقب بـ «الفتى الذهبي لتيار المحافظين الجدد» (Neocon)، بالإضافة إلى رئيس «الجمعية اليهودية الأوروبية» (EJA) الحاخام مناحيم مارغولين وأحد الناجين من المحرقة جيدون ليف. نظّمت الجمعية هذه الزيارة التي جاءت قبل ظهور ماسك في وقت لاحق من ذلك اليوم في مؤتمر حول «معاداة السامية» عُقد قبل اليوم العالمي لإحياء ذكرى المحرقة في 27 كانون الثاني (يناير). هكذا تُستخدم إبادة تاريخية فظيعة كسلاح ضدّ كل مَن ينتقد الإبادة الجارية «لايف» على مرأى من العالم!
في أعقاب خسارة منصة X (تويتر سابقاً) التي يملكها إيلون ماسك، عدة معلنين بسبب تأييد الأخير لنظرية مؤامرة اعتُبرت «معادية للسامية»، شرع عملاق التكنولوجيا في حملة علاقات عامة لتأكيد موقفه ضد «معاداة السامية». هذه الحملة بدأت في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين وصل إلى كيان الاحتلال وجال في مستعمرات غلاف غزة، معرباً عن أسفه لما حدث بسبب عملية «طوفان الأقصى». أكّد يومها الحاجة إلى القضاء على حركة «حماس» وتغيير التعليم في غزة كي لا يخرّج أجيالاً متأثرة بـ«حماس». قال أيضاً إن «إسرائيل تفعل ما في وسعها لتجنب قتل المدنيين». تلاوة فعل الندامة من قبل ماسك ما زالت مستمرّة، والأهم تشويه الحقائق التاريخية، عبر الدمج الخبيث بين معاداة السامية والمشروع الصهيوني، واستخدام الإبادة الفظيعة بحقّ اليهود كسلاح ضد كل مَن ينتقد المشروع الصهيوني الاستعماري. هكذا، ذهب يوم الإثنين الماضي في زيارة إلى النصب التذكاري لمعسكر أوشفيتز في بولندا. أثناء الجولة، وضع ماسك إكليلاً من الزهور وشارك في مراسم تذكارية، معبراً عن تأثّره العميق لمشاهدة النصب التذكاري بشكل مباشر.
(محمود رفاعي ـ فلسطين)
Ad
Unmute
آلات اللحام في عام 2024 قد تكون أرخص مما تعتقد!
آلة لحام
تضمّنت الزيارة مقابلة مع بن شابيرو (الأخبار 18/10/2023)، الذي تجنب الأسئلة المباشرة حول تصريحات ماسك وأفعاله السابقة. تطرق الحديث إلى تأملات ماسك حول المحرقة والدور الافتراضي لوسائل التواصل الاجتماعي في تلك المدة التاريخية. وأكد ماسك أنه لو كانت وسائل التواصل الاجتماعي، مثل X، موجودة في عام 1939، لكان يستحيل إخفاء الهولوكوست. وتجاوزت المقابلة الانتقادات التي تلقاها ماسك عن زيادة المحتوى «المعادي للسامية» على X منذ استحواذه عليه. اعتبر ماسك الانتقادات محاولات من وسائل الإعلام السائدة «لإلغائه»، ودافع عن سياسات شركة التواصل الاجتماعي الخاصة به.
من الواضح أن الحركة الصهيونية ستستغلّ إيلون ماسك حتى آخر نفس، مستفيدةً من شعبيته المتنامية بين جيل الشباب الذي ينظر إليه نظرةً بروميثية (سرق بروميثيوس النار من الآلهة وأعطاها للبشر على هيئة تكنولوجيا). لكن نبوغ المرء في التكنولوجيا أو الهندسة لا يعني أنه ملمّ أو على دراية بالمشاريع السياسية وتوجهات الحركات والتنظيمات. وفي هذا الخصوص، يظهر لنا افتقار إيلون ماسك إلى أدنى فهم سياسي لما يجري حول العالم، وإلا ما كان ليرافق بن شابيرو أو يتيح مقابلة معه.
قبل أسابيع، اشتدّ السُعار بين الإعلامي الأميركي المحافظ المعروف، تاكر كارلسن، وبين بن شابيرو. كارلسن يقدّم برنامجاً على منصة X، يشاهده الملايين حول العالم. هو مؤيد لدونالد ترامب ومقرّب منه، والجمهور يحبّه لهذا الأمر، بالإضافة إلى أن محطة «فوكس نيوز» التي عمل فيها سابقاً طردته، فأعطاه هذا الأمر بعداً إضافياً يتسم بمحاربة المنظومة السياسية والإعلامية السائدة في الولايات المتحدة. ولشرح من هو بن شابيرو الذي رافقه إيلون ماسك، لا يوجد أفضل من مراجعة ما حدث بينه وبين تاكر كارلسن.
أن تكون شعبوياً يمينياً في الولايات المتحدة، يعني أنّ قائدك هو دونالد ترامب، وأنك تستمع إلى إعلاميين ومؤثرين أمثال تاكر كارلسن ومنظرين للمؤامرات مثل ألكس جونز. تاكر كارلسن، أطلّ في مقابلة مع دايف سميث قبل أسابيع. يومها، قال سميث: «أنا أعتبر بيل باكلي واحداً من أعظم الأشرار في القرن العشرين»، فأجاب كارلسن: «أتفق معك وأكثر». هذه المحادثة، جعلت بن شابيرو يستشيط غيظاً، فهاجم كارلسن لأكثر من 12 دقيقة عبر البودكاست الذي يديره. فمن هو بيل باكلي؟
ويليام إف باكلي جونيور، كان شخصية بارزة في الحركة المحافظة، لعب دوراً مهماً في تشكيل المشهد الفكري للتيار الأميركي المحافظ، وارتبط اسمه بمصطلح «المحافظين الجدد» الذي نظّر له وأسهم في تشكيله فكرياً. لكن مصطلح «المحافظة الجديدة» يُنسب إلى الفيلسوف السياسي والناقد الاجتماعي إيرفينغ كريستول. المهم، ظهرت حركة «المحافظين الجدد» كحركة فكرية اتسمت بنهج أكثر تدخلاً في السياسة الخارجية، والتركيز على فرض الديموقراطية ولو بالحرب، والرغبة في استخدام الحكومة لمعالجة بعض القضايا الاجتماعية. لعب ويليام إف باكلي دوراً مؤثراً عبر تأسيسه مجلة «ناشيونال ريفيو» التي نظّرت لقيم «المحافظين الجدد»، ووضعت المعايير الأساسية للحركة المحافظة في الولايات المتحدة. كما دعمت المجلة بشكل عام «إسرائيل» وأعربت عن تعاطفها مع القضية الصهيونية. وغالباً ما تحدثت عن كفاح «إسرائيل» من أجل البقاء في شرق أوسط معادٍ.
يصف مقال منشور على موقع مجلة «جاكوبين» في 19 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أيديولوجية باكلي بأنّها مزيج من التقاليد الاجتماعية، والنزعة العسكرية أثناء الحرب الباردة، والحماسة بشأن «السوق الحرة». كتابه الأول «الله والإنسان في جامعة ييل» (1951)، خصص جزءاً كبيراً منه لمهاجمة جامعة «ييل» (جامعته الأم) لتوظيفها أساتذة يشتبه في إلحادهم، أو الاشتراكية، أو كليهما. ويُضيف أنّ باكلي كان يحتقر الناس العاديين بلا خجل، وأنّه لم يكن يثق حتى بطلّاب جامعة «ييل» ذوي الامتيازات العالية في ما يتعلق بالأفكار التي لم يتم فحصها من قبل الرقابة الأيديولوجية، فكيف نعتقد أنه كان يشعر تجاه الطبقة العاملة؟ وهو الذي كتب في عام 1957، مقالاً افتتاحياً بعنوان «لماذا يجب أن ينتصر الجنوب» أعلن فيه أن العرق الأبيض هو «الأكثر تقدماً»، وعلى هذا النحو، هو الأكثر ملاءمة للحكم. واستمر ويليام إف باكلي بهذا الأسلوب حتى عام 1965، ليصبح فجأة الرجل الذي أعلن لاحقاً أنّ أعظم إرث له هو إبقاء الحركة المحافظة خاليةً من المتعصبين والحمقى و«معاداة السامية». وواصل باكلي اكتساب السمعة في مطاردة «المعادين للسامية» و«المجانين» من التيار المحافظ. وحثّ القراء على عدم التصويت للسياسيين العنصريين. أما بالنسبة إلى اليهود الأميركيين، فإن حركتهم هي الإرث الذي تركه باكلي عندما توفي عام 2008.
بالعودة إلى تاكر كارلسن، فقد أراد إبعاد نفسه عن إرث باكلي، كون الأخير يرمز إلى النخبوية، فهو معاد للناس العاديين، ولن ينفع كارلسن أن يؤيد شخصاً مثله في حين أنه يقف إلى جانب ترامب، الرئيس اليميني الشعبوي الذي يتحدث لغة الأميركي العادي. لكن بالنسبة إلى بن شابيرو، فقد شعر بالإهانة، فكيف لشخص مثل كارلسن أن يهجو داعماً مهماً لكيان الاحتلال والشخص الذي حوّل الحزب الجمهوري إلى حزب يعجّ بدعاة الحرب؟ بن شابيرو هذا، مكروه أصلاً من قاعدة ترامب، وعدد من المؤثرين الجمهوريين مثل مارك دايس وغيرهم، يهاجمونه باستمرار على منصات التواصل، ويفضحون عمالته للصهيونية، حتى وصل الأمر ببعض المؤثرين الترامبيين إلى المطالبة بإلغاء بودكاست بن شابيرو وإسكاته عن جميع منصات التواصل كونه يتكلم طوال الوقت عن مواضيع تهم «إسرائيل» فقط. بالنسبة إلى ماسك، يمكن لنا استيعاب محاولته إبقاء منصة X على قيد الحياة عبر الإعلانات، لكن ذلك لا يعني أن يبيع المرء روحه للصهاينة. الكلفة باهظة جداً هنا، كما أنّ شخصاً مثل ماسك، الذي ينتظر منه العالم الكثير من الأمور في عالم الديجيتال، لا يمكن أن يكون ساذجاً إلى هذا الحد في السياسة، فكيف يؤيد ترامب من جهة، ومن جهة أخرى يرافق بن شابيرو.
يوم الإثنين الماضي، اختتم إيلون ماسك زيارته بالقول إنّه يأمل في عدم حدوث إبادة أخرى مثل الهولوكوست. تناسى أنّ هناك حرب إبادة جارية «لايف» وتطهيراً عرقياً يشنه كيان الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين في غزة. حربٌ همجية مستمرة منذ أكثر من 100 يوم، وقعت فيها كل أنواع المجازر، لكن يبدو أن ماسك لا يعلم عنها شيئاً عند تواجده مع الصهاينة.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية