الرئيسية » كلمة حرة » ابراهيم شير: السوريون في مصر ولبنان.. بين النجاح والقهر

ابراهيم شير: السوريون في مصر ولبنان.. بين النجاح والقهر

ابراهيم شير

ثلاثة وعشرون مليار دولار هي قيمة الأموال والاستثمارات السوريّة في مصرَ حتّى عام 2019 بحسب ماقال رئيس تجمّع رجال الأعمال السوريين في مصر، والرقم منذ ذلك الحين وإلى الآن قد زاد بطريقةٍ واضحةٍ ليصل إلى ثلاثين مليار دولار بحسب مواقع اقتصادية مصرية، هذا ما يطرح سؤالًا مهمًا لماذا السوريين نجحوا في مصر دون غيرها وبهذه الطريقة الملفتة؟ خصوصًا أن هذا النجاح حدث في دولة مثل مصر أكبر الدّول العربية تعدادًا للسكان والبطالة في وقت واحد، وهنا يجب أن نسأل أنفسنا لماذا الشعب المصري لم يهاجم السوريين لديه ويعتبرهم سبب أزمته مثلًا؟

منذ عام 2011 والى الان ذهب إلى مصر نحو 30 ألف رجل أعمال سوري ناهيك عن الأشخاص العاديين ليصل عدد السوريين هناك لمئات الآلاف، جلّهم نجحَ في بلد شعبها يسافر منها بحثًا عن العمل، فكيف نجح الشعب السوري في مصر؟ والسؤال الأهم لماذا نجحوا حتّى باتوا عنوانًا لكلّ ما هو مميز هناك؟

بدايةً علينا أنْ نعلم بأنّ التّرابط بين دمشق والقاهرة قديم جدًا، فلم تُحرّر القدس في عهد صلاح الدين إلّا بوحدة سوريا ومصر، وفي العصر الحديث نرى أنّ نصر تشرين في عام 1973 تمّ بوحدة الجبهة بين البلدين، ومن يتابع الأخبار العسكرية يسمع باسم الجيش المصري الثاني والجيش المصري الثالث ولكن لا يسمع بكلمة الجيش الأول، لماذا؟ لأن الجيش الأول هو الجيش العربي السوري وتمت تسميته بالجيش الأول إبان الوحدة بزمن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وبعد انتهاء الوحدة بقي اسمه الجيش الأول الذي يدافع عن مصر إن احتاجت لذلك. ويجب ألّا ننسى بأنّ أمير الشعراء المصري أحمد شوقي هو من كتب (سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ – وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ) ولا ننسى جملة المذيع السوري عبد الهادي بكار (هنا القاهرة من دمشق، هنا مصر من سوريا) هذه الجملة التي قيلت بعد قصف الإذاعة المصرية إبان العدوان الثلاثي على القاهرة في عام 1956.

وفي عام 1958 قامت وحدة اندماجية كاملة بين البلدين فقدت فيها سوريا مكانتها وهو أمر لم يتحمّله السوريون، حيث أنّ القرارات التي كانت تنفّذ على مصر لا تنطبق على سوريا وهو أمر لم تعرفه القيادة المصرية، مثل الإصلاح الزراعي أو قرارات التأميم للمعامل والمصانع والبنوك وهو ما عجّل بقتل الوحدة، خصوصًا وأنّ السوريين شعب يعتمد على الصناعة والتجارة بشكل كبير، إضافة إلى أن الطبقة البرجوازية كانت أموالها خاصة بها ولم تكن من أرزاق وأموال الناس كما كان يحدثُ أثناء حكم الملك فاروق وأسلافه. هذه الامور سارعت إلى إنهاء الوحدة مع مصر. وخلال سنوات الوحدة خسرت سوريا أموالا كثيرة إضافة إلى الذهب الذي كان في البنك المركزي بدمشق ونقل إلى القاهرة، وكان العسكري المصري يأمر وينهي في دمشق وكأنّه السلطان عبد الحميد، بالإضافة إلى تضرّر القطّاع الخاص بشكل كبير ما أثّر سلبًا على اقتصاد البلاد خلال السنوات التي تلت الوحدة، ولكن السؤال هنا هل كَرِهَ الشّعب السوري الشعب المصري؟ وهل كره الشعب السّوري القيادة المصرية أو الجيش المصري؟

لنعد إلى موضوعنا الأساسي فعندما اندلعت الحرب على سوريا وأجبرَ السوريون على تركِ أعمالهم ومنازلهم هربًا من جرائمِ الإرهاب، وجدَ عددٌ منهم في مصر محطة أمان اعتبروها مؤقتة، لكنهم لم يتوقعوا أن تكون مستمرة إلى الان. وقد سمحَ لهم العمل براحتهم وحرّيتهم مقابلَ أن تعمّ الفائدة على الجميع أي الفائدة متبادلة بين السوريّ والمصريّ، وألّا يتدخلوا في شؤون البلاد الخاصة، ونرى أن وضع السوريين لم يختلف أبدًا سواء في عهد المجلس العسكري وبعده محمد مرسي وصولًا إلى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث استمرّ السوريون بالعملِ بهدوء وتطوّرَ عملهم بشكل كبير حتى أصبحوا مضربًا للمثل الإيجابي، بالمقابل لم نر الشّعب المصري يخرج بتظاهرات ضدّ السوريين معتبرينَ إياهم سبب “البطالة” في بلادهم، ولم ينادوا عبرَ القنوات التلفزيونيّة بأنّهم “يأخذون أموال بلدهم”، بل العكس هو ما حصل لتكون مصر المتخمة بشعبها والتي تبحث له عن فرص عمل في الداخل والخارج سعيدة بالوجود السوري وبما يفعله فيها ومتمسكةً به، والأموال السورية في مصر فادت القاهرة كثيرًا ورفعت من مستواها الاقتصادي.

لنلقي نظرة على لبنان البلد الّذي يسكنه نحو أربعة ملايين نسمة ونزح إليه لِنَقُل مليوني سوري كما يروج البعض فماذا فعلوا بهم؟ أولًا القوى السياسية المتناحرة في لبنان قامت برمي بذرة الحرب في نفوس النازحين حتّى بات أبناء الشعب الواحد يكرهون ويحقدون على بعضهم في الخارج، ثم استخدمتهم كمرتزقة وإرهابيين لبعض الوقت، وما إن انتهت ورقتهم حتى بدأت القوى السياسية اللبنانية بالتّهجّم عليهم وإهانتهم وضربهم حتى حرق خيمهم وقتلهم، وكان السّوري لديهم مصدرًا للقرف والعنصريّة، فلم يستغلوا المستثمرين السوريين الذين كانوا يعيشون في لبنان ولا اليد العاملة النازحة إليهم، وخسروا على أقل تقدير مايقارب 30 مليار دولار كانت ستفيد اقتصادهم هذا من ناحية ومن ناحية أخرى سوف تنهي البطالة في لبنان خصوصًا وأنّ عدد السّكان قليل وهذا الأمر كان سيحصل وبهدوء كبير.

القوى السياسية في لبنان كانت على عكس نظيرتها المصرية، فكلّ أزمة أو مطبّ تقع فيه الدّولة “الشّقيقة” يهرع السياسيون ليتّهموا سوريا، لدرجة أن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الذي يبحث عن “الحئيئة” حتّى الآن بشأن مقتل والده اتّهم دمشق بانفجار مرفأ بيروت. وإلى الآن جمهور تيار 14 آذار لم ينسوا الراحلان غازي كنعان ورستم غزالة، ويلصقان بهما كل ما يحصل في لبنان، ونسوا أو “تناسوا” أنّ قادتهم سواء تيار المستقبل أو القوات اللبناني أو الكتائب ونهاية وليد جنبلاط كانوا هم من يطلبون ودّ كنعان وغزالة ويستفيدون منهم، ورفيق الحريري وآل جميل وجنبلاط وغيرهم هم من نهبوا لبنان وأغرقوه في الفساد والطائفية والمحسوبيات وفتتوه، ورغم ذلك يلصقون التهم بالراحلان كنعان وغزالة، ونسوا أنّ الدّولة السورية هي من وحّدت لبنان وأعادت بناء جيشه وقواه الأمنية الّتي يتفاخر فيها اللبنانيون اليوم مثل جهاز الأمن العام وجهاز مخابرات الجيش اللّذان يشبهان المخابرات الجويّة في سوريا، وقد دعمت دمشق مقاومة لبنان حتى حرّرت الأرض في عام 2000 وانتصرت في 2006 والآن هي سلاح ردع جبّار ضد الاحتلال.

الشّعب السوري لم يحقد على الشعب المصري رغم كل ما فعلته القيادة السياسية والعسكرية المصرية أثناء الوحدة، والمصريّون لم ينظروا للسوريين على أنّهم سارقين وآكلين لأموالهم بل على العكس وجدوا بهم شركاء حقيقيّين في بناء بلادهم، أمّا الشعب اللّبناني لا يزال جزء كبير منهم يحقدُ إلى الان على الشّعب السوري بسبب تصرفات فردية حصلت في الماضي، وينظرون إلى السّوري على أنّه إنسان درجة ثانية، فخسروا حبّ أخوانهم السوريّين وخسروا الأموال التي كانت سوف تفيد لبنان ولربما ماكان ليقع بأزمته الحاليّة.

إلى الآن تبقى الأموال السورية هي التي تسند لبنان وإن سُحبت لانكسرَ اقتصاد البلاد، وأنا هنا اتحدث عن الستين مليار دولار المجمّدة في البنوك اللبنانية وإن ضغطت دمشق بقوة لِسَحبها لانهارَت البلاد في يوم وليلة.

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية: بين المشورة واتخاذ القرار

  حسان نديم حسن في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم وتنامي أهمية المؤسسات التشاركية، تبرز المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية كأدوات حيوية للإدارة وتقديم الخدمات ...