| علاء حلبي
يوماً بعد يوم، تتزايد المؤشّرات إلى وجود نوع من التقدّم على خطّ النقاشات السورية – التركية، التي يُرتقب أن تنتقل إلى مستوى وزيرَي الخارجية، قبل أن تُتوَّج بلقاء بين رئيسَي البلدَين. لا يفتأ رجب طيب إردوغان يبدي رغبته فيه، وإنْ مربوطاً بـ«الوقت المناسب». وإذ ينبئ تعيين بشار الجعفري سفيراً لبلاده في موسكو بإمكانية تَولّد دفْعة إيجابية جديدة في هذا المسار، فإن المعطيات الآتية من روسيا، ومعها التسريبات التركية عن استمرار المحادثات بين أنقرة ودمشق، تشي بأن خرقاً ذا أهمّية لم يَعُد مستبعداً، على رغم كثرة العقبات والتعقيدات
لم يكن تعيين نائب وزير الخارجية السوري وسفير سوريا ومبعوثها السابق إلى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، سفيراً في موسكو، مفاجئاً للأوساط السياسية والإعلامية. إذ سبقت هذا التعيينَ تسريباتٌ عديدة أكدت أن الجعفري سيَخلف رياض حداد، ضمن سلسلة تعيينات جديدة تشمل سفراء سوريا في دول عدّة، من بينها البرازيل وفنزويلا وباكستان والبحرين. غير أن تزامُن اختيار الرجل المعروف بحِنكته وبلاغته وخِبرته الطويلة، مع عودة النقاشات السورية – التركية بدفْع روسي – إيراني، أثار نوعاً من الربط في ما بينهما، وخصوصاً في ظلّ الأنباء المتواترة من موسكو حول إمكانية الانتقال إلى خطوة جديدة على خطّ دمشق – أنقرة، على مستوى وزيرَي الخارجية هذه المرّة، وفق نائب وزير الخارجية ونائب الرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، الذي أكد أن «الجانب الروسي يشارك بنشاط في حوار مع الشركاء بشأن اقتراح توفير منصّة لاجتماع وزيرَي خارجية سوريا وتركيا».
تواجه المحاولات الروسية للدفع نحو تطبيع سوري – تركي مجموعة من المعوّقات
وتُواجه المحاولات الروسية للدفْع نحو تطبيع سوري – تركي مجموعة من المعوّقات، بعضها يتعلّق بخريطة الميدان السوري والمصالح المرتبطة بها، وبعضها الآخر يتّصل بالمتغيّرات السياسية ومحاولات الولايات المتحدة توسيع حضورها السياسي والعسكري في سوريا لعرقلة المساعي الروسية. كذلك، تدور شكوك عديدة حول قدرة أنقرة أو رغبتها في التخلّي عن دعمها الفصائل المسلّحة في الشمال السوري، ومن بينها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) المُصنَّفة على لوائح الإرهاب العالمية، والتي تستثمرها تركيا كذراع أمنية في إدلب لحماية مصالحها ومشاريعها السكنية (مدن الطوب الهادفة إلى استيعاب جزء من اللاجئين السوريين)، وضمان موضع قدم دائم لها داخل الحدود السورية، بالإضافة إلى تحصين عمليات التغيير الديموغرافي القائمة في شمال حلب عبر تهجير السكّان الأكراد وتوطين عائلات جديدة مضمونة الولاء لتركيا، وسياسة التتريك القائمة في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية.
مع ذلك، ثمّة عوامل عديدة أخرى يمكن أن تؤدي دوراً إيجابياً لمصلحة التطبيع بين أنقرة ودمشق، أبرزها التوافق السوري – التركي على ضرورة خروج القوّات الأميركية من سوريا، وهي النقطة التي ترتكز عليها الوساطة الروسية – الإيرانية أصلاً. وتُجلّي هذا التوافُق سلسلة تصريحات شديدة النبرة أطلقها إردوغان ضدّ الولايات المتحدة ودورها في سوريا، والاتّهامات المباشرة لواشنطن بدعم عمليات تَصفها أنقرة بـ«الإرهابية»، وآخرها حديث وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، عن تورّط الأميركيين في دعم هجوم على مركز للشرطة في مرسين، أدّى إلى مقتل شرطي وجرح آخر. أيضاً، ازدادت في الآونة الأخيرة ملامح التنافس التركي – الأميركي على المعارضة السورية، حيث قابلت واشنطن محاولات أنقرة ترويض المعارضة وتجهيزها لمرحلة انفتاح مقبلة على دمشق، بإعادة تنشيط علاقاتها مع «الائتلاف» المعارض والتشكيلات المرتبطة به، بالإضافة إلى محاولات اختراق الفصائل المسلّحة التي تسيطر على مناطق في الشمال السوري عبر البوّابة الاقتصادية.