نبيه البرجي
لو تسنّى لكارل ماركس، وسيغمند فرويد، وألبرت اينشتاين، الذين اذ حكموا القرن العشرين، يمثلون “خلاصة العبقرية اليهودية”، أن يشاهدوا ما يفعله الاسرائيليون بأهل غزة، كيف لهم أن يعلّقوا؟
الثلاثة تأثروا بفلسفة باروخ سبينوزا، وكان يستضيف الله في قلبه، لا بالدعوات التوراتية لاشعيا بن آموص، وكانت تتقيأ الدم. لا أتصور أنهم كانوا سيتوقفون طويلاً أمام ذلك الركام من جثث العرب، هم الذين لا يعرفون شيئاً عن قبائل بني كندة، وعن قبائل بني تغلب، كما لم يقرؤوا سيرة عنترة بن شداد، أو سيرة الزير المهلهل. حتماً كانوا سيسألون من ذاك اليهودي الذي يقود اليهود الى الجحيم؟
لا بد أن ينظروا الى بنيامين نتنياهو، كنسخة توراتية عن أدولف هتلر. لكن زعيم الرايخ الثالث كان يريد أن يثأر من أولئك الذين أذلّوا بلاده حين وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها. لم يأبهوا بأن هؤلاء ورثة أوتو فون بيسمارك، وفريديريك هيغل، وريتشار فاغنر، لا ورثة عشيقات هنري الثامن، ولا عشيقات لويس الرابع عشر.
اليهود الذين يستخدمون عقولهم، لا عقول الحاخامات، يدركون ما العواقب الكارثية لما يفعله الاسرائيليون بأطفال غزة. مثلما هبّ الألمان من قبورهم (غانتر غراس)، من الطبيعي أن يهبّ الفلسطينيون من قبورهم. هكذا، مقاومون من داخل الزنزانة، وبأسلحة فردية، يواجهون حتى الموت أو حتى ما بعد الموت، تلك الأرمادا العسكرية التي من أكثر القوى العسكرية فاعلية في العالم.
مهما تحدثنا عن غيبوبة العرب. على أنها الغيبوبة الأبدية، لا بد للموتى (وكم يسكن الموتى أرواحنا !) أن يوقظونا ان لم يكن بعظامهم، بالعصا، ناهيك بصرخة الدم التي جعلت المؤرخ شلومو صاند يقول “لسوف يحكى ان اليهود لا البابليين ولا الرومان، دمروا الهيكل الثالث، لتنهال الحجارة، هذه المرة أيضاً، على جثثنا…”.
الفوهرر الاسرائيلي يهدد الآن بأن يشاهد اللبنانيون ما لم يشاهده الفلسطينيون، لكأن هناك ما هو أشد هولاً من الابادة تحت الأنقاض. لكنه القاتل الذي أقفل أذنيه أمام التحذيرات الأميركية (اسألوا السفيرة ليزا جونسون) “دعوا أبواب جهنم مقفلة”. اذا كانوا يهددون بحرب أكثر وحشية من حرب غزة، فلا بد أن يواجهوا ـ وهذا رأي واشنطن ـ ذلك الطوفان من النيران الذي لا سابق له.
كم يبدو الفيلسوف اليهودي الأميركي نورمان فينكلشتاين واقعياً حين يسأل ما اذا “كنا سنفاجأً بمخيمات للاجئين اليهود في ضواحي نيويورك أم في ضواحي أوتاوا”.
لا نتصور أن ثمة لبنانياً يتمنى الحرب، وقد عشنا أهوالها وويلاتها، وان كنا قد عرفنا، على يد المنظومة السياسية التي تمتطي ظهورنا، بل وتمتطي أرواحنا، ما يشبه هذه الأهوال، وهذه الويلات. ولكن اذا ما شن الاسرائيليون الحرب، فستكون الحرب المصيرية (الوجودية) للبنان و”لاسرائيل” بطبيعة الحال.
هنا الخوف الأميركي ـ الخوف الكبير ـ من ردة فعل القيادة الاسرائيلية، بسياساتها الهيستيرية، لدى رؤية وزارة الدفاع، أو منصات الغاز، أو المحطات الكهربائية والمائيية، أو القواعد الجوية، ناهيك بمفاعل ديمونا في النقب، وقد تحولت الى حطام.
الأميركيون يفكرون هكذا: اذا كان مسار المعارك في غزة جعل وزراء اسرائيليين (وساندهم السناتور الجليل لندسي غراهام) يدعون للجوء الى الخيار النووي كأقصر طريق الى وضع حد للحرب ضد لبنان لن يتردد بنيامين نتنياهو لحظة في الضغط على الأزرار النووية، دون أن يعني ما التداعيات الكارثية لذلك، بعدما كان الجنرال افرايم سنيه قد هدد بـ “أننا لن نترك كلباً يعوي على شواطئ بيروت”. هل ثمة من كلب سيبقى يعوي في شوارع تل أبيب؟
ما يلفت ذاك الارتباك الحاد، ليس فقط في الرؤية الاسرائيلية حيال لبنان، وحيث لا مجال للتساؤل عن “اليوم التالي”. الارتباك في الرؤية الأميركية. بحسب ما يتردد أن البنتاغون هو من أبلغ الاسرائيليين، بعد نشر فرقتين عسكريتين في جبهة الشمال من أن أي توسيع للحرب ضد لبنان يهدد المصالح الأميركية الاستراتيجية في المنطقة.
حتى ان المعلومات الخليجية تشير الى أن وكالة الاستخبارات المركزية ترى أن أحداً لا يستطيع التكهن بما يمكن أن يفعل أركان الائتلاف في اسرائيل، اذا ما انهالت
ضربات “حزب الله”، وغير “حزب الله”، على رؤوسهم.
لا أسلاك شائكة حول معسكر المجانين هناك. الأميركيون يطمئنونا، ولكنهم ينهون كلامهم بكلمة… ولكن!!
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)