ميشيل خياط
تشهد الافران ، ومثالنا من دمشق ، ازدحاما هائلا وغير مسبوق على الخبز بالسعر الحكومي الربطة بمئة ليرة سورية وهي تحتوي على سبعة أرغفة كبيرة .
سالت مرجعا موثوقا وموضوعيا وقلبه على الناس والوطن : ما سبب هذا الازدحام على الخبز ، لقد وعدت الحكومة انه سيتلاشى خلال ايّام قليلة ، وما من شك ان استمراره ، بعد مرور تلك الأيام القليلة ، يسيء للمصداقية ، وأضفت : قرأت ان شحنات كبيرة من القمح والطحين قد جرى تفريغها ونقلها الى الداخل السوري وامس صرح السفير السوري في موسكو ، ان عمليات شحن القمح الروسي الى سورية مستمرة ، فما القصة ولماذا هذا الازدحام على الخبز….؟
فوجئت بالجواب : الطحين متوفر في كل الافران ، على امتداد الارض السورية وسبب الازدحام مبهم إذ لا مبرر لهذا الازدحام……!!
وها هو مجلس الوزراء في جلسة يوم أمس ، يطلب من الجهات المعنية العمل على تخفيف الازدحام على الافران ومحطات الوقود ( والإبهام ذاته يحوم حول البنزين فهو متوفر بكميات كافية يجب ان تلبي الطلب المعروف )، وتخفيف الازدحام على صالات السورية للتجارة وتحسن الخدمات المقدمة للمواطنين.
لقد تحول الخبز الى هاجس ، فمشهد الازدحام الشديد يغري بالركض بحثا عن ربطة ، خوفا من ان لا تكون متاحة ، هذا الازدحام ، يوحي وكأن – المادة – غير موجودة او أن وجودها في خطر ، ولهذا بات عاديا ان ترى اغلب الناس يتأبطون ربطة او أكثر وهم في طريق عودتهم الى بيوتهم ، وان ترى ربطات الخبز مكدسة في ميكروباصات مبيت الموظفين ، وغدت الربطة ، هدية ووسيلة تودد ،ويفاقم ذلك كله ان ربطة الخبز ذات المذاق الممتاز والمألوف التي تباع بمئة ليرة أصبحت ، مهنة من لا مهنة له ، يتهافت للحصول عليها ، كثر ، لبيعها على الرصيف ب ٧٥٠ ليرة على الأقل ، سعر يحقق ربحا مجزيا ، وهو سرقة من أموال الدولة ، التي تتكلف ٦٠٠ ليرة ثمن الربطة، وتبيعها للناس بمئة ليرة رأفة برواتبهم الضئيلة ، وهو اي هذا الربح غير المشروع لعدد كبير من الباحثين عن دخل بلا تعب وأسوة بالتسول ، سرقة لجيوب المواطنين غير القادرين جسديا ونفسيا ، على احتمال الوقوف لساعات في البرد ، والتدافع والمشاحنات حول الوقوف بالدور.
يَصْب الزيت على نار الإزدحام ، أولئك الذين يتفننون في تشخيص حال البلد مع الغلاء وارتفاع الأسعار والازدحام، دون البحث ، عن مساعدة ولو بسيطة عن شمعة تضيء ، وهذا هو اللامعقول .
ما من دولة في العالم تقوى على تلبية طلب مضاعف عدة مرات ودفعة واحدة وفِي يوم واحد وكل يوم على #سلعة # واحدة كالخبز مثلا او البنزين وجزء كبير من هذا الطلب ، يذهب للبيع في السوق السوداء .
من الواضح ان ظروفنا الموضوعية صعبة جدا ، ولا نستطيع ان نتخلص منها بالصراخ والشكوى وتسفيه الاداء الإداري . كلنا نريده افضل ،ولكن كيف …؟ كلنا نريد موظفين مبادرين ومتفانين ، في بلد مايزال يحارب الاٍرهاب الشرس الذي لا يرحم .
لعلنا إلى جانب حاجتنا إلى خطاب مختلف على صعيد النخب التي تنشط على وسائل التواصل الإجتماعي ، والمواقع الاكترونية واغلب الإذاعات الخاصة ، نحتاج الى بحث سريع عن دور البطاقة الالكترونية في قصة الخبز الراهنة ، هل زادت الطلب الوهمي اذ هناك من يستغنون عنها للنواطير والحجاب ، وهناك مسافرون تركوها لمن سيسترزقون منها ، هذه البطاقة ، جعلت الجميع يأخذون كامل مستحقاتهم اليومية ، وهنا السر .
قبل البطاقة كان المواطن يشتري احتياجاته ، الان يشتري مستحقاته ، وكثر لا يستهلكون في بيوتهم هذه المستحقات ، بل يبيعونها في السوق السوداء فالازدحلم الهائل ، يجعلها رائجة .
ليست دعوة الى إلغاء البطاقة ، بل الى التأكد من حسن استخدامها ، لقد نجحت نجاحا باهرا على صعيد توزيع أسطوانات الغاز ، استفيدوا من هذا النجاح في توزيع الخبز والبنزين والمازوت .لعل ذلك سيخفف كثيرا الازدحام الفوضوي المقيت ، وسيقلص عدد من لديهم ظروفهم الخاصة التى لا تساعدهم على التعامل مع رسائل البطاقات الالكترونية ، وسيصبح تدبير امورهم سهلا بصفتهم محدودي العدد .
(سيرياهوم نيوز-الثورة٥-٣-٢٠٣١)