مروة جردي
تشهد فروع إدارة الهجرة والجوازات في مراكز المدن الكبرى داخل سوريا، تجمعات وازدحامات شعبية خانقة، وأعداد كبيرة من الراغبين في الحصول على جواز سفر جديد، فيما يقلّ هذا الازدحام في باقي الفروع خاصة ضمن مراكز أبعد عن المدن والمحافظات الرئيسية، والتي صارت وجهة يلجأ إليها بعض السّوريين الباحثين عن طريقة مستعجلة لاستصدار وثيقة السفر بأقل العراقيل الممكنة، رغم تكلفتها الباهظة.
ورغم أن أرقام الأمم المتحدة تتحدث عن عودة نحو 400 ألف سوري من دول الجوار منذ سقوط نظام الأسد، وذلك وفقاً لتقديرات «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، بالإضافة إلى عودة نحو أكثر من مليون نازح داخلي إلى أماكن سكنهم الأصلية، إلا أنه لا يمكن رصد أعداد المغادرين أو الراغبين في الخروج من سوريا، بسبب صعوبة إيجاد بلد يستقبل السوريين دون تأشيرة أو «رخصة إقامة»، ولجوء العدد الأكبر منهم إلى طرق التهريب من خلال المعابر غير الشرعية المنتشرة على طول الحدود اللبنانية – السورية في طرطوس وحمص.
ومن بين الذين اختاروا الطرق غير الشرعية، الشاب علي الذي قرر مغادرة مدينته في الساحل السوري بعد المجازر التي ارتكبتها فصائل منضوية تحت وزارة الدفاع السورية في طرطوس، موضحاً أن بطاقته النقابية كانت تتيح له الدخول لمدة شهر إلى لبنان، فيما اليوم لا يُعترف بها من أي جهة، كما أنه لم يعد يشعر بالأمان بالمرور على حواجز ونقاط يوجد فيها عناصر من وزارة الدفاع السورية، خاصة بعد تكرار حوادث سؤال واعتقال ثم قتل بناء على خلفية طائفية في أكثر من منطقة سورية.
وبلغ عدد السوريين الداخلين إلى محافظتي عكار والشمال، هرباً من المجازر وعمليات القتل والخطف التي لا تزال مستمرة في عدد من قرى ريف طرطوس واللاذقية، نحو 29 ألف سوري، معظمهم من الطائفة العلوية. وفيما يعد علي واحداً من أربعة شباب تشاركوا رحلة التهريب عبر إحدى القرى الحدودية في ريف طرطوس، والتي بلغت كلفتها 10 دولار لكل شخص، فهو يعلق على الأمر بالقول: «حصلنا على سعر خاص بسبب صلة القرابة مع المهرب السوري»، مضيفاً أن «سعر تهريب شخص واحد يصل إلى أكثر من 100 دولار في بعض الأماكن، وذلك يتضمّن جودة الرحلة وسهولتها.
لكن هذا المبلغ كان كفيلاً بإيصال الشباب الأربعة إلى الحدود في سيارة خاصة، ليتم استكمال الرحلة عبر آلية زراعية لقطع نهر البارد الذي يفصل لبنان عن سوريا، مقابل منح سائقها 14 دولار للرحلة باتجاه واحد، قبل أن يضطر هؤلاء إلى السّير على الأقدام، مقابل حمل أمتعتهم من قبل عمال يتعاملون مع المهرب المسؤولة عن الدفعة حتى وصولهم إلى أحد الشقق السكنية، التي تستضيفهم 24 ساعة فقط.
وفيما لا يملك البعض رفاهية الانتظار لاستخراج جواز سفر جديد، يحرص آخرون على بذل المال لضمان سفر آمن لهم ولعائلاتهم، وذلك من خلال إصدار أوراق رسمية تمكّنهم من المرور عبر النقاط الحدودية الشرعية بين سوريا ودول الجوار مقابل مبالغ مالية أعلى. وفي هذا السياق، سعت ريم (اسم مستعار) للبحث عن آلية لحصولها على جواز، من دون أن تعاني من الازدحام الشديد، الذي يجعل من المستحيل على صبية في عمرها التمكن من الدخول إلى مبنى الهجرة والجوازات، وسط وجود مئات الشباب والعائلات يومياً أمام المبنى، ما دفعها إلى الاستعانة بوسيط أكد لها قدرته على المساعدة في استخراجه خلال أسبوع مقابل 325$.
أما الشاب فراس، وبعد فشله في حجز دور في مركز العاصمة، فتوجه إلى مركز الريف في النبك، وتمكن هناك بمساعدة وسيط من التسجيل رغم التشديد الأمني وانتشار العناصر المسلحة برفقة الموظفين في الدائرة الرسمية، حسبما يقول الشاب في حديثه إلى «الأخبار». إلا أن العملية كانت سهلة وسلسة ولم يشبها سوى أن أحد العناصر قبل رشوة مقابل الحصول على معلومة إتمام الجواز وجهوزيته للاستلام، وهو أمر كان غريباً وسط تأكيد القيادة الجديدة نيتها القضاء على الفساد وإنهاء حقبة ابتزاز المواطن مقابل الحصول على حقوقه.
وكانت وزارة الهجرة والجوازات أصدرت مطلع شباط الماضي، بياناً حدّدت فيه رسوم إصدار جواز السفر العادي بـ 312,700 ليرة سورية أي ما يعادل 31 دولاراً، وجواز السفر المستعجل بـ 432,700 ليرة ما يعادل 34 دولاراً، بينما تبلغ رسوم جواز السفر الفوري 2,010,700 ليرة سورية 201 دولار. ويُصدر الجواز العادي خلال 30 إلى 45 يوماً، والمستعجل خلال 15 يوماً، والفوري خلال يومين. واللافت في ذلك أن الخيار الذي أُتيح للمواطنين هو الجواز الفوري ذو التكلفة الأعلى.
وأثارت مشاهد الازدحام أمام فروع الهجرة والجوازات تفاعلاً كبيراً في منصات التواصل الاجتماعي، في وقت طرحت فيه عدد من الحسابات سؤالاً تهكمياً: «مو ع أساس تحرّرنا، وين رايحين يا شباب؟».
وفيما تتعدد أسباب الرغبة في الحصول على وثيقة السفر برغم صعوبة دخول حامليها إلى العديد من الوجهات العربية منها والأجنبية، تعمل المحامية كوليت، من جهتها، على استصدار جوازات سفر لكل أفراد عائلتها لتتمكّن من التقديم على طلب هجرة إلى كندا، والذي يتطلّب إرفاق وثائق سفر رسمية لهم ضمن الأوراق المطلوبة في الملف».
وتؤكد المحامية، في حديثها إلى «الأخبار»، أنها «لن توفر أي فرصة للخروج من البلاد متى استطاعت لأنها لا تشعر بأي نوع من الأمان والاستقرار في ظل المشهد الحالي»، وخصوصاً بعد العراقيل التي تعرضت لها كمحامية وكان آخرها منع الدخول إلى محاكم، ومكاتب محدّدة في وزارة العدل بذريعة الفصل بين الرجال والنساء، بالإضافة إلى الحوادث الأمنية التي صارت في ازدياد على عكس الصورة التي تحاول السلطة تصديرها لمن يتابع مجريات الأحداث في البلاد.
——-
إنسرت:
بلغ عدد السوريين الداخلين إلى محافظتي عكار والشمال، نحو 29 ألفاً، معظمهم من الطائفة العلوية
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-الأخبار