بقلم:القاضي المستشار انور عبد الله محمد
إن ما جرى في واقعة زميلنا في مدينة حلب، سواء من حيث بداياتها أو مآلاتها، بات في عداد الوقائع الماضية، إلا أنها – دون أدنى شك – تشكل لطخة في سجل السلطة القضائية، لا يمكن إنكار آثارها السلبية. ومع ذلك، فإن من طبيعة الأزمات أن تتيح المجال لاستخلاص الدروس والعبر.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن القضاة الذين كانوا على رأس عملهم إبان سقوط النظام السابق، مدعوون اليوم إلى أن يتعاملوا مع ذواتهم ومع الواقع القضائي والمجتمعي بمنتهى الشفافية والمصارحة، بعيدًا عن أي إنكار أو تجميل.
إذ ينبغي علينا، أن نُقِرّ بأن شريحة من أفراد المجتمع، بمن فيهم بعض من شاركوا في عمليات التحرير، ما زالوا ينظرون بعين الريبة إلى من استمر في موقعه القضائي خلال الحقبة السابقة، معتبرين – بحق أو بغير حق – أن بقاءه آنذاك يُعد مؤشراً على التبعية أو التواطؤ مع النظام البائد. وفي حين أن الغالبية الساحقة من القضاة لم يكونوا شركاء في الفساد أو الظلم، فإن ثمة قلة منهم تورطت فعلاً في ممارسات تتعارض مع المبادئ القضائية والعدالة، وهذا واقع لا بد من الإقرار به.
وبناءً عليه، فإن الحكمة تقتضي أن نتعامل مع هذه النظرة المجتمعية لا بإنكارها أو مجابهتها، بل بفهمها والعمل على تفنيدها عملياً، من خلال أداء قضائي نزيه وشفاف يُعيد الثقة للمجتمع.
كما أنني أؤكد – وعن قناعة راسخة – أن دوام الحال من المحال، وأن المرحلة الانتقالية ستقودنا، بعون الله، إلى واقع قضائي أكثر انسجاماً وعدالة، شريطة أن نتيح الوقت الكافي لتذويب الفجوة النفسية والمهنية بين القضاة الذين استمروا خلال المرحلة السابقة، وأولئك الذين التحقوا من المناطق المحررة بعد السقوط.
إن ما نشهده اليوم من حالة جمود أو “تجمّد نفسي” بين هذه المكونات، إنما هو نتاج ظروف قاهرة خارجة عن إرادة الجميع. إلا أن هذا الجمود قابل للذوبان عبر الزمن، إذا ما توافرت النية الصادقة والإرادة المشتركة لتجاوزه. ومن هنا، فإن على الجميع، دون استثناء، التعاون والتكاتف لكسر هذا الحاجز، بما يسهم في ترسيخ قواعد دولة العدالة والمؤسسات.
وما سلف لا يُعد تبريرًا لأي مساس بهيبة القضاء أو انتقاص من استقلاله، بل هو دعوة مخلصة للتصالح مع الذات في مرحلة تتطلب أقصى درجات الحكمة والمسؤولية.
وختامًا، أضع هذا الرأي في سياقه الصحيح، بوصفه اجتهادًا شخصيًا، لا يدّعي العصمة، بل يحتمل الصواب والخطأ.
مع المودة للجميع.
أخبار سورية الوطن 2_صفخة الكاتب