جورج عيسى
هكذا، طلبت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية روكسانا مينزاتو من الدول والمواطنين الأوروبيين تغيير “عقليتهم” تحسباً للطوارئ المحتملة، ضمن “استراتيجية الاستعداد”.
لكن الشمس لم تعد ساطعة إلى هذا الحد في سماء أوروبا.
يوم الأربعاء طلبت المفوضية الأوروبية من مواطني الاتحاد تخزين ما يكفي من الطعام وسلع أساسية أخرى كالولاعات والسكاكين السويسرية والراديوهات والمواد الطبية والوثائق الثبوتية والحزم المضادة للماء… لثلاثة أيام على الأقل. واستندت وثيقة المفوضية الأوروبية إلى حقائق جديدة مرتبطة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة وتخريب بنى تحتية حيوية.
من الرخاء إلى النجاة
بدا جرس الإنذار هذا ضرورياً من أجل إعداد الأوروبيين نفسياً لدخول حقبة جديدة تتسم بتهديد روسي دائم وتخل مرجح للولايات المتحدة عن أمن القارة. وبينما تستعد أيضاً لزيادة إنفاقها العسكري، تحتاج أوروبا إلى تحويل الإنفاق والاستثمارات إلى جيوش قادرة على القتال. بحسب تقرير حديث في “فايننشال تايمز”، تعاني ألمانيا في تجنيد الشبان إذ إن بعضهم “يبكي كثيراً”.
لا يمكن أن تترجم هذه القدرة على أرض الواقع إلا عبر زيادة نسبة تجنيد الشبان الأوروبيين في جيوشهم. بذلك، يكون أحد سبل إعداد الأجيال الجديدة للانخراط في السلك العسكري إخراج الأوروبيين من ذهنية الرخاء وإدخالهم ذهنية النجاة. تمثل “استراتيجية الاستعداد” باباً لذلك. صحيح أن هناك قضايا أخرى ملحة أمام الأوروبيين مثل الكوارث الطبيعية، خصوصاً تلك المتوقعة بفعل الاحترار العالمي وتغير المناخ، وهي استدعت أيضاً هذا التحرك. لكن القضية الأكثر إلحاحاً الآن هي أول حرب على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
وأوروبا بأمس الحاجة للإعداد الذهني إذ إن مبادرة “إعادة تسليح أوروبا” التي أطلقتها المفوضية مؤخراً أثارت قلقاً في بعض دول أوروبا الغربية مثل إيطاليا وإسبانيا مما اضطر المفوضية لإعادة تسمية المبادرة بـ “الجاهزية 2030”.
استندت الاستراتيجية في جزء منها إلى خطط سابقة في فرنسا وألمانيا والدول النوردية (الشمال الأوروبي) التي نشرت تطبيقات توجيهية لمواطنيها في حال حدوث هجوم عسكري أو أزمة وطنية أخرى. ودعت حكومة المحافظين السابقة في بريطانيا إلى تخزين الماء والطعام لمدة ثلاثة أيام على الأقل.
“أسلوب عيش جديد”
قالت رئيسة مفوضية الجاهزية الأوروبية وإدارة الأزمات حجة لَحبيب إن على هذا الاستعداد أن يصبح “الأسلوب الجديد للحياة الأوروبية”. وبالرغم من تزايد أهمية هذا الكلام بعد غزو أوكرانيا، كان المعنيون الأوروبيون يدركون حيوية تغيير نمط عيش مواطنيهم قبل فترة طويلة من الزمن.
ففي سنة 2012، أي قبل عامين من ضم القرم، قالت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل: “إذا كانت أوروبا اليوم تساوي ما يزيد بقليل عن 7 في المئة من سكان العالم، وتنتج نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعليها أن تمول 50 في المئة من الإنفاق الاجتماعي العالمي، فعندها من البديهي أنه سيتعين علينا العمل بجهد كبير للحفاظ على ازدهارها وطريقة عيشها”.
كانت ميركل تلمح إلى احتمال اضطرار ألمانيا لخفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية إذا لم يكن بالإمكان الحفاظ على هذا الازدهار لفترة طويلة. والمطلوب في الحالتين أمر واحد: الحفاظ على نمط عيش الأوروبيين.
اليوم وبفضل عدم القدرة على استدامة حال الرفاه لدى الأوروبيين، أقله بالتوازي مع زيادة الإنفاق الدفاعي، قد يصبح الخيار الوحيد أمام أوروبا هو الحفاظ على “حياة” مواطنيها، بدلاً من “نمط حياة” مواطنيها.
“يوم الجاهزية الوطني”
“معرفة ما يجب فعله في حال الخطر، ومحاكاة سيناريوهات مختلفة، هذه أيضاً طريقة لتفادي إصابة الناس بالذعر”، كما قالت لحبيب، وهي تتذكر كيف انقطعت بعض السلع خلال الأيام الأولى من جائحة كوفيد-19. ربما من “حسن حظ” المفوضية الأوروبية أن الجائحة منطبعة في الذاكرة الحديثة كي يأخذ المواطنون الأوروبيون تحذيراتها على محمل الجد.
وتريد أوروبا الترويج لـ “يوم الجاهزية الوطني” من أجل تأكيد بقاء الدول على مسار الاستعداد. تظل الدول بنفسها مسؤولة عن استراتيجياتها الخاصة حيال الموضوع، لكنها ستنسق في ما بينها على المستوى الأوروبي.
وقالت مينزاتو إن مقترح المفوضية هدف إلى “الخروج من عقلية الاستجابة القائمة على رد الفعل ودخول عقلية تتعلق بتوقع واستباق المخاطر، بالاستعداد، وفي نهاية المطاف، بإدارة الأزمة”.
“غير مثيرة جداً”
يجد الأوروبيون أنفسهم متأخرين في الاستعداد للخطر الآتي من خلف الحدود الشرقية، بالرغم من أن مؤشرات التهديد دامت نحو ثمانية أعوام منذ ضم القرم.
يترافق ذلك حتى مع ضعف استعداد أوروبا للهدنة التي يفرضها ترامب تدريجياً في أوكرانيا. واجتمع القادة الأوروبيون الخميس للتداول في الضمانات الواجب منحها لأوكرانيا من ضمنها حجم وصلاحيات “قوات الطمأنة”، وهو أمر لا يزال قيد البحث كما يفتقر إلى الإجماع بالرغم من أن لا حاجة إليه. وقال ماكرون إن هذه القوات ستنتشر بعد السلام في مناطق استراتيجية بعيدة من الجبهة ولن تنخرط في القتال إلا إذا تعرضت لإطلاق نار.
ونقلت “رويترز” عن ديبلوماسي أوروبي قوله إن الدول “تتراجع خطوة إلى الوراء” في قضية نشر جنود على الأرض بينما قال آخر إن الفكرة “ليست مثيرة جداً”.
وفكرة “الاستعداد الاستراتيجي” قد “لا تكون مثيرة جداً” هي الأخرى، إن ظلت مقتصرة على التخزين.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار