نبيه البرجي
لسنوات خلت عهد اليّ اعداد بحث حول أزمة الفلسفة في العالم العربي، وأثر ذلك على الفكر السياسي والفكر الاستراتيجي. وحين التقيت استاذاً للفلسفة في السوربون لاستطلاع رأيه، بادرني ضاحكاً «اياك أن تكون مثل ذلك الطالب المجنون من بني قومك، والذي عرض عليّ فكرة لأطروحة دكتوراه يمكن أن تكون نوعاً من الهرطقة الساخرة، لكنها قد تفضي الى قطع رأسه»…!
بعض ما في هذه الفكرة يقول (ولم يعد يعنيني قطع رأسي) ان الله حين عاقب آدم وحواء على ارتكابهما الخطيئة في الجنة، يفترض أن يهبط بهما الى المكان النقيض، أي الى جهنم. وبحسب ما تقول النصوص المقدسة فقد حطّا في الشرق الذي تاريخه قد يكون تاريخ جهنم.
ولأن اللاهوت الديني ليس من اختصاصنا، ألا تنطبق مواصفات جهنم، في اللاهوت السياسي، على بعض «أصقاع» الشرق الأوسط؟
بالصدفة، تابعت مقــابلة اذاعية مع فنــانة تونسية تــدعى غادة بن علي، يبدو أنها معنــية بالموسيقى الصوفية، وقد اســتوحت أفكار، وأقوال، المتــصوف الشهير جلال الدين الرومي الذي جمع في شخــصيته بين الــثقافة العربية والثقافة الفارســية والثقافة التركية. الفنانة سألت «لو توحدت العوالم الثلاثة ألم يكن لها تغيير مسار الكون»؟
بدل ذلك هي في صراع عبثي لم يتوقف. نقطة الضعف في هذا المثلث المنطقة العربية التي كان باستطاعتها أن تكون، على الأقل، بموازاة كل من القوتين، لا ضحية ولا رهينة جيوسياسية لهما…
نقطة الضعف هذه هي محور اللعبة الدولية، لا سيما عقب ترهل، ثم سقوط السلطنة العثمانية، وقد توارثتها الأمبراطوريات الأوروبية التي ما لبثت أن تقهقرت أمام الأمبراطورية الأميركية التي تتفرد بادارة اللعبة.
استنزاف منهجي لثرواتنا، ولأزمنتنا. دونالد ترامب كاد يرقص التانغو مع كيم جونغ ـ أون، بالرغم من وصف الادارات المتعاقبة للنظام في كوريا الشمالية بالنظام التوتاليتاري الأكثر همجية في عصرنا. الأخطر من ذلك أن هذا البلد يمتلك ترسانة نووية، وصاروخية، على رمية حجر من الشواطئ الأميركية.
أيضاً، حين التقى جو بايدن شي جين بينغ، أثناء انعقاد قمة العشرين في «بالي» الاندونيسية، بدا كما لو أنه لقاء بين صديقين قديمين، لا بين من يستعدان لخوض صراع اقتصادي، واستراتيجي، حول قيادة العالم.
أمبراطورية الهذيان. من جهة دعوة بايدن الى احلال المنافسة محل الصراع. من جهة أخرى قوله «ان الصين هي الدولة الوحيدة التي تنزع الى اعادة تشكيل النظام العالمي»، بالانتقال به من الاستقطاب الأحادي الى تعددية الأقطاب، في حين قال البنتاغون، في الوثيقة الاستراتيجية السنوية، ان الصين «تشكل التهديد الأمني الأكبر للولايات المتحدة، وتهديدها سيحدد كيفية تجهيز الجيش الأميركي، وتشكيله في المستقبل».
مخططون أميركيون ذهب بهم الخيال وربما البراغماتية ذات يوم حد الرهان على التكامل بين بلادهم والصين لحاجة كل منهما للأخرى في المسار الاقتصادي والتكنولوجي. هذا لم يعد له مكان بعدما احتدم الصراع بين الدولتين…
لسنوات كان الاعتقاد أن المساكنة مستحيلة بين التنين والدب القطبي، الأمر الذي تبدّى حين كانت الدولتان تحت المظلة الشيوعية. هذا ما حمل «النيويورك تايمز» على الدعوة الى وقف «استراتيجية الكلاب» (النباح عن بعد) بين واشنطن وبكين. هذا قبل أن تتراجع الصحيفة وتحذر من «الاعصار الذي يتشكل في الباسيفيك».
الحملة العاصفة على ايران البعيدة، بالاقتصاد المنهك، وبالبرنامج النووي الذي تحرّم الفتوى الدينية اقتناءه. المستهجن أكثر اعتبار أميركا أن ايران تهدد بزعزعة أو بتقويض الأمن العالمي.
انه النفط، وانها اسرائيل، (أيها الغبي!). لا بأس أن يبقى الشرق الأوسط جهنم. المهم أن تأخذ اللعبة الأميركية مجراها. نفط آمن واسرائيل آمنة.
في ضوء ما يحدث الآن، قد تكون الخطوات الأولى في الطريق الى الأخذ باستراتيجية جلال الدين الرومي؟ ثمة ضوء يلوح في الأفق..
(سيرياهوم نيوز1-الديار)