| حسين فحص
تعتبر بطولة كأس العالم لكرة القدم واحدة من أكثر الأحداث مشاهدةً في عالم الرياضة. ورغم أهميتها الكبيرة على الصعيدين الفني والترفيهي، يقل الحديث عادةً عن التأثير الاقتصادي المحتمل للبطولة على الدولة المضيفة، وحول ما إذا كانت هذه الدول تحقق أرباحاً من الاستضافة، أو ربما خسائر
تُقام بطولة كأس العالم لكرة القدم مرّة كل 4 سنوات، على أن يتم حسم الملفات الفائزة بحق الاستضافة المقبلة قبل فترةٍ طويلة من موعدها. وبينما تُلعب المسابقة خلال فترة شهر تقريباً، يتم تخصيص ما يقرب من 10 أعوام لبناء وتطوير جميع المرافق المخصّصة لتنظيم الحدث. تختلف الميزانيات التي ترصدها البلدان المقرر استضافتها كأس العالم في كل نسخة. عادةً ما يتم إنفاق بضعة مليارات دولار في حال جاهزية المرافق، وذلك على خلفية الضغوط التي يفرضها الاتحاد الدولي لكرة القدم بهدف قيام المستضيف باستثمارات كبيرة «تساهم» في نجاح البطولة. بعيداً عن متطلبات «الفيفا»، يبقى السؤال قائماً حول كيفية تخصيص الدولة لمواردها أثناء الحدث في سبيل رفع نسبة النمو، وما إذا كان مشروع الاستضافة مجدياً أو لا.
في هذا الصدد، قام ثلاثة دكاترة من جامعة لينشبورغ الأميركية بدراسة اقتصادية جزئية تناولت الأثر الاقتصادي المترتب عن استضافة كأس العالم على كل من الدول المتقدمة والنامية. اتخذت الدراسة من مونديالَي ألمانيا 2006 والبرازيل 2014 نموذجاً، وركّزت على تأثير النفقات على اقتصاد البلدين قبل وبعد استضافة البطولة.
بحسب الدراسة، تخطط الدول النامية لاستضافة كأس العالم لكرة القدم انطلاقاً من قاعدة تُعرف باسم «اقتصادات تحركها الأحداث»، وهذا الأمر هدفه تحفيز السياحة والتنمية الاقتصاديّة. تستفيد تلك الدول من أجور منخفضة تُصرف على التشغيل، ويمكن أن تساعد الميزانيّات الاستثمارية الكبيرة في تحسين البنية التحتية العامة وتوفير إمكانات أكبر للتنمية في البلد. أما الدول المتقدمة، فهي تستضيف الحدث العالمي كجزء من جهودها لتحسين العلامة التجارية وزيادة العائدات على الاستثمار…
سجلت البرازيل تراجعاً في النمو خلال استضافة مونديال 2014 بينما تحسن الاقتصاد الألماني عام 2006
بالنسبة للبرازيل، كان للاستثمار في البنية التحتية تأثير سلبي على الناتج المحلي الإجمالي في السنوات التي سبقت عام 2014. خلال سنوات البناء في البرازيل، كانت هناك أزمة مالية عالمية أدت، على المدى الطويل، إلى زيادة التكاليف المتوقعة بنحو 75٪. نتيجةً لارتفاع الأسعار، اضطرت البرازيل إلى تحويل مواردها بعيداً عن مشاريع البنية التحتية العامة التي ربما كان لها قدر أكبر من إمكانات النمو على المدى الطويل. أدى ذلك إلى خسارة لا تصدق في الكفاءة حيث تم الانتهاء من 36 مشروعاً كبيراً فقط من أصل 93 مشروعاً على مستوى البلاد في الوقت المناسب لكأس العالم.
اعتباراً من عام 2011، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي الفصلي إيجابياً، حيث تراوح 2.3 ٪، بينما من 2014 حتى 2017 تراوحت النسبة من -0.1٪ إلى -2.2٪ بحسب الدراسة، ما يدل على أن استضافة البطولة تسببت في نمو اقتصادي سلبي (الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل). على الرغم من إظهار النتائج أن كأس العالم تميل إلى الإضرار باقتصاد الدول النامية أكثر من الدول المتقدمة، لا تقترح الدراسة استضافة البطولة فقط في الدول المتقدمة.
اقتراحات إصلاحية
اعتبر البعض أن كأس العالم ليست للجماهير ولا للعمال، بل إنها طريقة أخرى لزيادة أرباح الشركات الكبرى عبر حصولها على المليارات من المال العام. ولكي يكون هذا الحدث ناجحاً، يجب أن تتم الإجابة على سؤال جوهري قبيل استضافة البطولة: لمن ستكون كأس العالم؟ للرياضيين؟ للأنصار؟ أو من أجل السكان المحليين؟
بهدف تحسين استضافة كأس العالم والحؤول دون إلحاق الضرر في البلدان المستضيفة (خاصةً النامية)، اقترحت الدراسة بعض الحلول.
ومن الحلول المطروحة، تعدد المستضيفين في المستقبل. حدث هذا الأمر خلال كأس العالم 2002 (ملف مشترك بين اليابان وكوريا الجنوبية). سوف يتكرر ذلك في نهائيات كأس العالم 2026 من خلال مشاركة كل من كندا والمكسيك والولايات المتحدة في الاستضافة، ما يوفّر الوقت، الأموال والجهود المستثمرة في البطولة عبر تقاسمها بين أكثر من دولة.
تم حثّ الـ«فيفا» أيضاً على تخصيص جزء من دخله للدول المضيفة، عبر حصول هذه الأخيرة على نسبة جيدة من بيع التذاكر وبيع حقوق الترخيص والتسويق والتلفزيون، وهو ما يساعدها على تعزيز اقتصادها…
وبالنظر إلى المونديال المرتقب في قطر، فإنه من المتوقع أن تحقق قطر أرباحاً على المدى الطويل، وتحديدا حتى عام 2030، على اعتبار أنها صرفت أكثر من 200 مليار معظمهم على البنية التحتية، وإمكانية تعويضهم في حال استمرت باستقبال الأحداث الكبرى ستكون على المدى الطويل، وليس المتوسط والقصير.