“ما رأيناه اليوم بشأن الإعلان الدراماتيكي لمصدر سياسي كبير، ومفاده أن رئيس الحكومة الإسرائيلي، يائير لابيد، يرفض الملاحظات اللبنانية، هو مناورة علاقات عامة من جانب مكتب لابيد، في محاولة لتقليص الأضرار التي ولّدها هذا الاتفاق في الأسبوع الأخير”.
بهذه العبارة لخّص المعلق السياسي في قناة “كان” الإسرائيلية، ميحاي شطاين، الوضع الإسرائيلي العام، بعد نقل وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن مصدر سياسي، رفضَ حكومة الاحتلال الملاحظات اللبنانية على مسوّدة الاتفاق، المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
إعلان الرفض هذا أتى قبيل انعقاد جلسة “الكابينيت” المخصَّصة للبحث في التعديلات اللبنانية على مسوّدة ترسيم الحدود البحرية، والتي نقلها من لبنان الوسيط الأميركي، آموس هوكستين.
ولفتت وسائل الإعلام الإسرائيلية، صباح اليوم، إلى أنّ “إسرائيل” أوضحت لهوكستين أنه إذا لم يتراجع اللبنانيون عن ملاحظات جوهرية بشأن المسوّدة، فلن نتوصل الى اتفاق.
بدوره، قال لابيد إنّ “إسرائيل لن تُبدي مرونة بشأن مصالحها الأمنية والاقتصادية في أي شكل، ولو كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك اتفاق قريباً”.
الرد اللبناني على الرفض الإسرائيلي
الاستعراض الإسرائيلي قابله رد لبناني متّزن وموحَّد، باعتبار أن لبنان ينتظر فقط الرد الرسمي من “إسرائيل”، وليس التقارير الإعلامية بشأن وضع الاتفاق المتعلق بترسيم الحدود البحرية، وفق ما أعلن نائب رئيس مجلس النواب، إلياس بو صعب، في تصريح لوكالة “رويترز”.
أمّا الرئاسة اللبنانية فكشفت، بدورها، ملاحظات لبنان بشأن العرض الأميركي، موضحةً أنّها تتضمن حقوقه في التنقيب في منطقته الاقتصادية الخالصة، وأنّ الملاحظات تمنع أي تفسيرات لا تنطبق على الإطار الذي حدّده لبنان لعملية الترسيم وخلال المفاوضات.
بدوره، أكّد عضو فريق التفاوض اللبناني بشأن ترسيم الحدود البحرية، اللواء عباس إبراهيم، أنّ “لبنان لا يعنيه الجواب الإسرائيلي حيال المقترحات اللبنانية بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية”. وأشار إلى أنّ الوسيط الأميركي، آموس هوكشتين، هو من “يجب أن يتحمل مسؤوليته” في هذا الصدد.
ماذا تضمّنت التعديلات اللبنانية؟
الصحافية في جريدة “الأخبار” اللبنانية، ميسم رزق، كشفت للميادين نت التعديلات اللبنانية، وتم تفصيلها على النحو التالي:
1- التمسك بالحدود الدولية، وإبدال عبارة الخط الأزرق بالحدود البرية.
2- رفض لبنان قبولَ المنطقة الآمنة، وجدّد رفضه ما يسمى خط الطفافات، مؤكداً أنه وضع قائم بحكم الأمر الواقع، لا الوقت الراهن، كما نصّت عليه مسودة الاتفاق.
3- استبدل لبنان عبارة تسمية حقل قانا، الواردة في المسوّدة الأميركية، من “مكمن صيدا الجنوبي المحتمل” إلى “حقل صيدا – قانا”، مع التأكيد أنه سيتم تطويره لمصلحة لبنان.
4- رفض لبنان استخدام كلمة تعويض مالي لـ”إسرائيل” وأَبدلها بكلمة تسوية مالية بين الشركة المشغّلة و”إسرائيل”، وأكد أن لبنان غير معني بهذه التسوية، وأنه سيبدأ العمل في البلوك الرقم 9 بمعزل عن هذه التسوية مهما تأخرت.
5- رفض لبنان أن تكون الشركات التي ستنقّب في البلوكات غير خاضعة للعقوبات الأميركية، وأبدلها بعبارة “لا تكون خاضعة لعقوبات دولية”.
كما نصّت المسودة على أن الولايات المتحدة ستساهم في تسهيل عمل الشركة المشغلة بعد الاتفاق، وطلب لبنان تعديل العبارة لتكون “تلتزم أميركا تسهيلَ عمل الشركات مباشرة وبسرعة فورَ الانتهاء من اتفاق الترسيم”.
كذلك، نصت المسوّدة على أن “إسرائيل لا تعتزم الاعتراض على أي إجراءات تُتخذ في حقل قانا من الجهة الخارجة عن الخط 23»، بينما عدّل لبنان العبارة لتكون “لا تعترض إسرائيل ولن تعترض”، كتأكيد لذلك.
ما المتوقع من الرد اللبناني؟
أكدت رزق، في حديثها إلى الميادين نت، أنّ “الردّ الإسرائيلي على التعديلات التي وضعها لبنان لم يكن مفاجئاً”، مشيرةً إلى أنّ “حكومة لابيد تتعرض لضغط كبير في الداخل الإسرائيلي من جانب المعارضة”.
ولفتت إلى أنّ رئيس حكومة الاحتلال لم يكن قادراً على تقديم موافقة سريعة، وخصوصاً أن التعديلات اللبنانية تطرقت إلى نقاط أساسية ومهمة جداً للكيان، بينها: رفض لبنان ربط الاستخراج من جانبه بالتسوية المالية بين الشركة المشغلة و”إسرائيل”، وخط الطفافات الذي رفض لبنان الاعتراف به، أو ما يُسمى المنطقة الأمنية. وهذه نقطة أساسية لـ”إسرائيل”، وتحتاج إلى مزيد من التفاوض بالنسبة إليها.
وتابعت رزق: “اليوم، يجب أن ننتظر ما سيقوله الوسيط الأميركي آموس هوكستين: هل سيقول إن الموقف الإسرائيلي نهائي، أم أنه سيتعهّد أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على الاحتلال (كون الأميركيين مصرين على إنجاز الاتفاق)”.
وأضافت رزق أنه “في حال دخلنا مرحلة جديدة من التفاوض، يجب أن ننتظر موقف المقاومة. فهل سيكون هناك تحرك، منعاً للتسويف الإسرائيلي، أم ستعطى المفاوضات فرصة جديدة؟ هذا كله مرهون بالجواب الأميركي في الساعات، أو الأيام المقبلة”.
رفض لابيد فعل استعراضي
بالتزامن مع انعقاد جلسة “الكابينت”، تحدّثت وسائل اعلام إسرائيلية عن أنّ وزراء “الكابنيت” فوضوا لابيد وغانتس وبنيت اتخاذ القرارات في سيناريو تصعيد عند الحدود الشمالية، مشيرةً إلى أنّ “لا حاجة الى عقد الكابنيت مرة أخرى بعد تفويض لابيد وغانتس وبنيت”.
أمّا المتخصص بالشؤون الإسرائيلية، حسن حجازي، فأوضح، في حديث إلى الميادين نت، أنّ الموضوع الأساسي والمرجع للتراجع والرفض هو العنصر الانتخابي.
وفي سياق حديثه، لفت حجازي إلى أنّ “التوجه العام كان الذهاب نحو الموافقة، لكن الجو الذي قامت به المعارضة مؤخراً، وخصوصاً بنيامين نتنياهو، أدى إلى الضغط بصورة كبيرة على حكومة لابيد، بالتزامن أيضاً مع الملاحظات اللبنانية على المسوّدة، الأكر الذي زاد الأمور تعقيداً”.
ووفق حجازي، “كان لا بد من أن يستغل لابيد هذه النقاط، ليقول إنه رفض التنازل، على المستويين الاقتصادي والأمني. ومن هذا المنطلق، يكون هذا العمل استعراضياً”.
استغلال لابيد أتى أيضاً بالتزامن مع تصعيد وزير الأمن الاسرائيلي، بيني غانتس، عبر إصدار تعليماته “للتحضير لسيناريو اندلاع تصعيد في الشمال (فلسطين المحتلة)”.
وفي السياق، أفادت “القناة الـ14” الاسرائيلية بـ”حالة خوف وهستريا بين المستوطنين في الشمال بعد بيان غانتس بشأن الإيعاز إلى الجيش في الاستعداد لاحتمال اندلاع تصعيد مع لبنان”، وأن رؤساء المجالس غاضبون من عدم تنسيق غانتس معهم قبل إصدار البيان.
لكن وسائل إعلام إسرائيلية رأت أنّ إعلان غانتس الجاهزية في الشمال “هو بين الخدعة للجمهور الإسرائيلي وتحذير حزب الله من ألّا يبادر إلى شيء، وإلا فالانفجار”.
هل “إسرائيل” جاهزة للحرب؟
محطات متعدّدة تكشف عدم جاهزية “إسرائيل” للحرب. وبناءً على تصريح المتخصص بالشؤون الإسرائيلية، حسن حجازي، فإنّ “تجربة تعامل إسرائيل مع حقل كاريش، وتأجيل الاستخراج من الحقل، أمر يدل على أن إسرائيل غير مستعدة وغير جاهزة للحرب”.
كما أن الاحتلال، بحسب حجازي، “يبحث عن مخارج في مسودة الاتفاق بشأن الحدود من أجل عدم خوض المواجهة، فالجانب الإسرائيلي يدرك، على أكثر من مستوى، أنه غير قادر على المواجهة، أكان على المستوى الداخلي، أم على مستوى جاهزية قواته العسكرية”.
وتابع حجازي أن “الاحتلال يعرف أن المعركة مع حزب تتباين كلياً مع أي ساحة معركة أخرى، فالتكلفة باهظة والخسائر ستكون هائلة، مع عدم وجود ضمانات، مفادها أن الحرب ستحقق أي مكسب أمني أو استراتيجي، وربما ستخلق واقعاً جديداً سيكون أسوأ على المستوى الاستراتيجي بالنسبة إلى الاسرائيلي”.
وشدّد أيضاً، في حديثه إلى الميادين نت، على أنّه “لا يمكن أن يذهب الاحتلال إلى الحرب من دون موافقة الولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة الأميركية لا تفضل الحرب نظراً إلى حاجتها إلى مورد الغاز في البحر المتوسط”.
لكن، تبقى كلمة الفصل للمقاومة، التي أكدت أن صواريخها كلها موجهة نحو “كاريش”، و”إذا فُرضت المواجهة، فلا مفرّ منها على الإطلاق”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين