يتزامن انطلاق جولة الحوار الجديدة بين إيران والترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في جنيف السويسرية، اليوم، مع بدء الجيش الإيراني، أمس، مناورات «الاقتدار»، والتي تتمحور حول قوّة الدفاع الجوي، في مناطق غرب إيران وشمالها. وفي الموازاة، كشف «الحرس الثوري»، قبل أيام، عن مدينة صواريخ جديدة تحت الأرض، في ما يبدو أقرب إلى استعراض القوّة قبل المحادثات مع الأوروبيين، وعشيّة تقلُّد دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة؛ علماً أن جولة الحوار الأولى بين طهران وأوروبا أجريت في الـ29 من تشرين الثاني الماضي، على مستوى مساعدي وزراء الخارجية. وتصرّ السلطات الإيرانية على وصف اللقاءات بينها وبين الدول الأوروبية الثلاث، بأنها «حوار» (Dialogue)، وليست على أيّ حال «محادثات» (Negotiation)، أي إن الأطراف المشاركة في «الحوار» المزمع عقْده ستسعى إلى توضيح الموضوعات وإجراء مزيد من المشاورات، من أجل تحديد الأطر التي ستجري على أساسها المحادثات مستقبلاً، في حال تقرَّر إجراؤها أصلاً. وبحسب رواية الأطراف، فإن جولة الحوار الأولى تناولت أربعة موضوعات رئيسية: 1- العلاقات الثنائية؛ 2- القضايا المتّصلة بالعقوبات والبرنامج النووي والاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة)؛ 3- الحرب في منطقة الشرق الأوسط؛ 4- الحرب في أوكرانيا. وفي المنظور العام، يمكن وضْع الحوار الجاري بين إيران وأوروبا في إطار الاستراتيجية العامة للسياسة الخارجية لإدارة مسعود بزشكيان؛ إذ كان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، طرح، لدى بدئه مهامّ عمله، استراتيجية «التعاطي المتَّسم بالعزة مع أوروبا»، إلى جانب «إدارة الخصومة مع أميركا». وكان الغرض من هاتين الاستراتيجيتين إحداث انفراجة في العلاقات بين إيران والغرب بما في ذلك الدول الأوروبية، بعدما اتّجهت تلك العلاقات نحو المزيد من التصعيد طيلة السنوات الثلاث الماضية. ولهذا، تسعى الخارجية الإيرانية إلى التركيز على استراتيجيتها، والتي يقع تدشين الحوار اليوم في إطارها، خصوصاً بعدما حيّدت الحرب في المنطقة مسألة الانفراجة في العلاقات الإيرانية – الغربية.
«إيران لا تزال تسعى إلى طمأنة الدول الأوروبية بأن علاقاتها مع روسيا لا تشكّل تهديداً للأمن الأوروبي»
وسبق أن رفعت الدول الأوروبية، في السنة الأخيرة، من حدّة سياستها المناهضة لإيران، متفوّقةً على الأميركيين؛ إذ تبنّت الترويكا الأوروبية القرارات التي تمّ التصديق عليها أخيراً في مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وكذلك عقوبات ضدّ إيران على خلفية تعاون هذه الأخيرة عسكرياً مع روسيا في ظلّ الحرب الأوكرانية. ولا تزال الدول الأوروبية جزءاً من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، ولكنها كانت هدّدت بالتحرّك في اتّجاه تفعيل «آلية الزناد» (العودة التلقائية إلى العقوبات الأممية على إيران)، ما لم ترفع طهران من مستوى تعاونها مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». واليوم، ونظراً إلى المهلة المنصوص عليها في القرار الأخير الذي قدّمته الترويكا الأوروبية في مجلس محافظي الوكالة، ثمّة احتمال كبير لأن تتّجه هذه الدول، في اجتماع آذار المقبل، نحو تبنّي قرار جديد ضد الجمهورية الإسلامية، والتحرّك في اتّجاه تحويل الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي، في حالة عدم رضاها عن التعاون الإيراني. وعليه، فإن أحد أهداف إيران من الحوار مع الأطراف الأوروبية، يتمثّل في تفادي تصعيد إضافي ضدها.
وقال مصدر دبلوماسي مطّلع، في حديث إلى «الأخبار»، إن «إيران في مجال الملف النووي، بصدد توجيه رسالة إلى الأطراف الأوروبية بأنها جاهزة لزيادة تعاونها مع الوكالة الدولية في مقابل عدم إقدام هذه الدول على تفعيل آلية الزناد». وأضاف المصدر أن «إيران لا تزال تسعى إلى طمأنة الدول الأوروبية بأن علاقاتها مع روسيا لا تشكّل تهديداً للأمن الأوروبي، وبأنها جاهزة لتبديد مخاوف وهواجس الدول الأوروبية في هذا الخصوص». وتابع أن طهران، وفي ظل الظروف الحالية التي تمرّ بها المنطقة، «تريد توجيه رسالة إلى الأوروبيين مفادها أنه إنْ لم تنفّذ إسرائيل عملاً مباشراً ضدّها، فإنها مستعدّة للسيطرة على إجراءاتها في المنطقة». كذلك، تسعى إيران، من وراء الحوار مع الأوروبيين، إلى منع تشكيل جبهة موحّدة أوروبية – أميركية ضدّها، علماً أن طهران تعتقد بأن ترامب سيبادر، في ولايته الثانية، إلى تكثيف الضغوط عليها، فيما علاقاتها مع الأوروبيين متوتّرة أصلاً. وعليه، فإنّ ثمّة خطراً يتهدّد إيران، ويتمثّل في تشكيل أميركا وأوروبا وإسرائيل جبهة موحّدة ضدّها.
وتأسيساً على ذلك، فإن السلطات الإيرانية تريد، على غرار ما حدث في رئاسة ترامب الأولى، استثمار الخلافات والفجوات القائمة بين الرئيس الأميركي المقبل والأوروبيين، لإيجاد مساحة يمكنها التصرّف من خلالها. وفي هذا السياق، ونظراً إلى مخاوف الدول الأوروبية من توسُّع دائرة الحرب في المنطقة، فإن طهران ستسعى إلى إقناع تلك الدول بالضغط على نتنياهو وترامب لئلّا يتحرّكا في اتجاه اعتماد خيارات قاسية، بما في ذلك تنفيذ هجمات عسكرية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية. وفي المقابل، فإن أحد الأسباب المهمّة التي تدفع الأوروبيين إلى الدخول في حوار مع إيران، هو قلقهم من أن يطبّق ترامب سياساته تجاه إيران منفرداً، ومن دون الأخذ في الاعتبار مصالحهم. ولذلك، تعمل الدول الأوروبية من خلال إقامة قنوات دبلوماسية مع إيران، على حماية تأثيرها ودورها في هذه المعادلات، لتكون، في حال تمّ التوصّل إلى اتفاق دبلوماسي مع إيران، جزءاً منه.
أخبار سورية الوطن١ _الاخبار