وليد مرمر
رغم تزاحم الأحداث في الأسبوع الماضي بدءا من نتائج الإنتخابات العراقية مرورا بالوضع اللبناني المتأزم ووصولا إلى معارك مأرب المصيرية في اليمن فإن عملية استهداف قاعد التنف الأميركية على الحدود السورية العراقية الأردنية كانت بلا شك الحادثة الأكثر بروزا نظرا لما تحمله من دلائل على المستوى السياسي ولما قد ينتج عنها من تداعيات على المستوى الجيوستراتيجي والميداني في المنطقة ككل.
فما هي قاعدة التنف وما هي أهميتها الإستراتيجية؟
رغم أن التنف ما هي إلا قاعدة أميركية صغيرة نسبيا أنشأها التحالف الدولي بقيادة أميركا عام 2014 في منطقة استراتيجية مهمة جنوب شرق سوريا على الحدود العراقية الأردنية إلا إن الإتفاقات الدولية سيما مع روسيا ضمنت لهذه القاعدة حزاما أمنيا بقطر 55 كيلومترا يحيط بطريق بغداد- دمشق يُعتبر الإقتراب منه خرقا لهذه الإتفاقات.
ورغم أن السبب المعلَن لوجود الحامية الأميركية هو محاربة داعش (رغم إحاطتها من جميع الجهات بالقوات الشرعية السورية) فإن الهدف الأساس لوجود القاعدة والذي لا تخفيه التسريبات في واشنطن هو مواجهة النفوذ الإيراني وقطع الطريق على وجود “هلال شيعي” عبر “كوريدور” يربط طهران ببيروت. وكانت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية قد نشرت تقريرا منذ عامين تحدثت فيه عن رغبة الإدارة الأميركية بالإبقاء على بعض قواتها في قاعدة التنف لمنع إيران من إنشاء خط اتصال بري من إيران عبر العراق إلى سوريا و جنوب لبنان لدعم “حزب الله”.
ولقد قامت القوات الأميركية بتدريب وتسليح مجموعة من الفصائل بغية تأمين الحماية للقاعدة ولمنطقة الـ55 كما يُطلق عليها. وأهم هذه الفصائل هي “مغاوير الثورة” الذي تعتبره القوات الأميركية إضافة إلى فصيلي “أسود الشرقية” و”قوات أحمد العبدو” بمثابة الذراع البرية لها في البادية السورية سيما في منطقة الـ55. وتتألف هذه التنطيمات بمعظمها من منشقين عن النظام ومن فلول الجيش السوري الحر الذي أسسه الأخوان المسلمون. ويُذكر أنه لم يسبق لتنظيم داعش أن حاول الاقتراب من محيط قاعدة التنف البتة بل اقتصر نشاطه على المناطق التي تخضع لسيطرة الدولة السورية الشرعية!
ولكن ألم يُعلن ترامب عن عزمه الإنسحاب من سوريا؟
لقد أعلن ترامب هذا بالفعل عام 2018 ولكن الضغوط التي مورست عليه من اللوبي الإسرائيلي وأدواته منعاه من تنفيذ هذا الوعد. ولقد ذكر موقع “ديبكا” الإسرائيلي حينها “أن قرار الإنسحاب الأمريكي إنما يشكل انتصارًا عسكريًا لإيران بما يمكنها من تحقيق خططها لإقامة جسر بري يربطها بالمتوسط وهذا سيترتب عليه تداعيات خطيرة على الحدود الشمالية لإسرائيل إذ ستصبح إسرائيل في مواجهة عسكرية مباشرة مع حزب الله اللبناني في سوريا والميليشيات الإيرانية”. فيما أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” وقتها أنه” عندما يكتمل الانسحاب الأمريكي من سوريا سنرى قاسم سليماني(الذي استُشهد لاحقا) قائد فيلق القدس وهو يفرك يديه فرحًا وسيبلغ قائده الأعلى علي خامنئي بأنه تمت إزالة عقبة أخرى أمام إيران لتعزيز تواجدها في سوريا وتم فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل”. وقد جاءت استقالتا وزير الدفاع الأول في إدارة ترامب “جيمس ماتيس” والمبعوث الأمريكي للتحالف الدولي لمحاربة داعش “بريت ماكغورك” سنة 2018 اعتراضًا على قرارات الانسحابات العسكرية من سوريا وأفغانستان. وعلى العكس من قرار الإنسحاب، فأن الولايات المتحدة قامت بتعزيز تواجدها في سوريا في السنوات الأخيرة عديدا وعتادا سيما في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة الغنية بموارد الطاقة والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
ما هو الدور الميداني للقاعدة العسكرية؟
لقد قامت النيابة العسكرية السورية صيف هذا العام(2021) بنشر بيان أعلنت فيه أن الولايات المتحدة الأميركية قد لجأت بمساعدة وتمويل من دول غربية وإقليمية إلى استخدام وكلاء على الأرض بعضهم من السوريين والبعض الآخر من الأجانب وقامت بتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم ليشنوا اعتداءاتهم على العسكريين السوريين والروس وغيرهم من خبراء الدول الحليفة ممن دعتهم دمشق للمشاركة في الدفاع عن سيادتها واستقلالها. وأضافت النيابة العسكرية السورية في بيانها أن الولايات المتحدة تقوم بـ”انتقاء أعداد كبيرة من الإرهابيين بعضهم من إرهابيي (داعش) الموقوفين في سجون جماعات موالية لها ثم تقوم بنقلهم إلى القاعدة العسكرية الأميركية في التنف ومواقع أميركية مشابهة حيث يتلقون هناك تدريبات عسكرية مكثفة تمتد عادةً إلى ثلاثة أسابيع بإشراف مدربين أميركيين وتحت غطاء تدريب ما يسمى ‘جيش مغاوير الثورة’ بغية تمكينهم من تنفيذ اعتداءات تخريبية وإرهابية واستخدام معدات ووسائل استطلاع حديثة”. من جهته وفي وقت سابق صرح رئيس إدارة العمليات العامة التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية سيرغي رودسكوي أن “القوات الأمريكية المتواجدة في سوريا تقوم بتدريب مسلحين أهمهم التشكيل المسلح ‘مغاوير الثورة’ وعدد من المجموعات المسلحة الصغيرة التابعة لما يسمى بـ “جيش الكتائب العربية” في منطقة الـ 55 كيلومترا في التنف، ثم تقوم مروحيات القوات الجوية الأمريكية في شرق الفرات بنقل المسلحين الذين أنهوا فترة الإعداد في التنف وإرسالهم إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية لزعزعة الاستقرار ولمنع تقوية مواقع الحكومة السورية هناك، ذلك فضلا القيام بنهب المنشآت النفطية والحقول في منطقة الفرات. ولقد دأبت موسكو خلال العامين الماضيين ومن خلال بيانات عدة على شجب الوجود الأميركي في سوريا سيما في قاعدة التنف معتبرة إياها “منبعا للإرهاب”.
ماذا حدث ليل الأربعاء؟
قامت مسيرات ونيران غير مباشرة باستهداف القاعدة الأميركية في هجوم هو الأول من نوعه. وفي حديث لموقع “الحرة” كشف قائد “جيش مغاوير الثورة” مهند طلاع عن تفاصيل هجوم المسيرات قائلا إنه بدأ في الساعة السادسة والنصف مساء الأربعاء على دفعتين، الأولى بطائرتين مسيرتين والثانية بثلاث طائرات. وأضاف طلاع: “الهجوم كان عنيفا ولقد اتخذنا على الفور الإجراءات اللازمة والكافية لحماية أنفسنا منه، لم تُحدد بعد نوعية الطائرات المسيرة لكن ما تم التأكد منه هو أنها مفخخة وعلى الأرجح فإن الإيرانيين هم من قاموا بالاستهداف”. وعن مدى انتشار الفصائل المدعومة من إيران حول القاعدة قال طلاح “ليس لدينا المعلومات الكاملة بشأن ذلك ونحن نمتلك فقط جزءا من المعلومات عن تواجد الميليشيات الإيرانية وتحركاتها اليومية”. من جهتها صرحت القيادة الأميركية الوسطى أنها تحتفظ بحقها في الرد على الهجوم في الزمان والمكان المناسبين.
من المسؤول المُحتمَل عن الهجوم على القاعدة؟
رغم أن القاعدة الأميركية في التنف موجودة ضمن اتفاقيات وتسويات دولية وإقليمية إلا أن موسكو ودمشق صعدتا مؤخرا من اعتراضهما على وجودها نتيجة للدور المتنامي التي تقوم به بدعم الفصائل المناوئة للشرعية السورية. ويرى بعض المراقبين أنه لا يمكن فصل الهجوم المعلن على “التنف” عن مسار التطورات الماضية سيما الهجومين اللذين تعرضت لهما قوات حكومية سورية مع حلفائها في التاسع والثالث عشر من الشهر الجاري(اكتوبر)، الأول كان في ريف حمص والثاني في تدمر. وقد تسبب الهجومان بسقوط بضعة قتلى وجرحى من السوريين وحلفائهم. ولكن اللافت كانت تصريح الحكومة السورية بأن كلا الهجومين قد نفذتهما طائرات إسرائيلية كانت قد أقلعت من قاعدة التنف الأميركية. ونقلت وكالة “يونيوز” بعد الهجوم الثاني عن قيادة “غرفة عمليات حلفاء سوريا” التابعة للفصائل المدعومة من إيران أنّها “اتخذت قراراً بالرد القاسي على العدوان على تدمر”، موضحةً أنّ “الأهداف التي هاجمتها الطائرات الإسرائيلية هي مراكز خدمات وتجمع للشباب”. وأضافت غرفة العمليات أنه ونتيجة لهذا الاعتداء فقد “سقط عدد من الشهداء والجرحى من الإخوة المجاهدين” مشيرة أنه “لولا الانتشار لكان عدد شهداء الاعتداء كبيراً جداً”. وتابعت الغرفة: “لطالما كانت مهمتنا وحضورنا المشروع في سوريا لمساعدة الدولة السورية، فنحن نعمل تحت رعاية الدولة لمواجهة الإرهابيين والمشروع التكفيري وعلى رأسهم داعش”. ثم أضافت: “على مدى سنوات ونحن نتعرض لاعتداءات من العدو ‘الإسرائيلي–الأميركي’ وهذه الاعتداءات كانت محاولة لجرنا إلى معارك جانبية لم تكن في أولويات حضورنا في سوريا”. واعتبرت الغرفة أنّ “الصهاينة تذرّعوا بأنهم يستهدفون أسلحة دقيقة وتجهيزات حساسة تشكل خطراً على كيانهم الغاصب”، مضيفةً أنّه “بعد الهجوم الذي انطلق عبر سماء الأردن ومنطقة التنف السورية المحتلة من الأميركيين اتخذنا القرار بالرد وذلك انتقاماً لأرواح الشهداء ودماء الجرحى”. وختم بيان الغرفة بعبارة: “سيكون الرد قاسياً جداً”.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم