| يحيى دبوق
أعلنت «إسرائيل» أمس ما سمته صيغة الاتفاق المتبلور مع لبنان لحل النزاع على الحد البحري. وجاء «الاتفاق» مثقلاً بالألغام التي يتعذر على الجانب اللبناني القبول بها. لكنه يعدّ، في حد أدنى، رداً إسرائيلياً أولياً على المطالب اللبنانية، سيصار إلى تداوله والرد عليه للتراجع عن جزء مما ورد فيه، لما يشكّله من تهديدات تنسف ما فيه من فرص. فيما أكد مصدر لبناني رفيع معني بالمفاوضات لـ«الأخبار: «نحن على ما اظن غير معنيين بهكذا حل. وهذا ما زال من باب التحليلات الصحفية». وقال إن لبنان «ينتظر ردا خطيا يحمله الوسيط الاميركي خلال فترة قريبة الا اذا وجد ان الاجواء اللبنانية سلبية فقد يعدل عن الزيارة».
الإعلان الإسرائيلي جاء، كما هي العادة المتبعة، عبر الإعلام العبري (القناة 12 العبرية) في تسريبات لجس نبض الجانب الآخر قبل أن يطرح رسمياً عبر «الوسيط» الأميركي، عاموس هوكشتين، المفترض أن يزور لبنان في الأيام القليلة المقبلة.
وورد في تفاصيل الاتفاق، بحسب التسريبات، أن إسرائيل تحتفظ بحقل «كاريش» كاملاً، فيما يحتفظ لبنان بكل المنطقة المتنازع عليها بما يشمل «حقل قانا» الذي يمتد إلى المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية، على أن يدفع لبنان لإسرائيل تعويضاً مالياً، هو ثمن المنطقة المتداخلة، وهي ما يقرب من ثلث «قانا».
ومن البنود المثيرة جداً، تحديد الاتفاق، في أحد بنوده، أن الشركة التي ستعمل على خطي الحدود الاقتصادية التي يتفق عليها، ستكون شركة «إنيرجيان» الإسرائيلية التي تحمل جنسية يونانية أيضاً. ويعد هذا البند ضمانة لإسرائيل بأن لا يقدم حزب الله على الإضرار بالمنصات الإسرائيلية كون هوية وتابعية الحفار وسفينة الاستخراج ستكون واحدة، وهي شركة «إنيرجيان»، وأي ضرر هنا سيكون ضرراً هناك، والعكس صحيح. وورد في التقرير أن هذا يخلق تكافؤاً وميزان ردع: منصة مقابل منصة، ما يعني منع محاولات الهجوم على المنصة الإسرائيلية.
وعلى خلفية «الاتفاق المتبلور»، قررت إسرائيل أن بداية استخراج الغاز من حقل «كاريش» ستكون في بداية تشرين الأول، وليس في أيلول كما كان مخططاً منذ البداية. و«الأهم من كل شيء» هو أن إسرائيل تريد أن تقول إن تأجيل استخراج الغاز إلى تشرين الأول هو لأسباب تقنية، ولا يتعلق بتهديدات حزب الله، و«هذا ما قيل لنا أن نقوله» كما أشار معدّ التقرير.
هل حظي هذا الاتفاق بموافقة لبنان الرسمي؟ يبدو أن الحديث الإسرائيلي بعيد جداً عن أن يكون صحيحاً. وفي الواقع، فإن اتفاقاً كهذا يصلح أن يكون وثيقة مطالب إسرائيلية من لبنان، أو اتفاقاً بين «الوسيط» الأميركي وإسرائيل للإيقاع بلبنان لمصلحة إسرائيل، وليس اتفاقاً بين لبنان والعدو.
على خلفية هذا التقرير، يبدو أن الوسيط الأميركي أنهى أسابيع استجمامه في اليونان، ليستأنف «الوساطة الغازية». لكن ما طال انتظاره، إن صحت التقارير العبرية، ينبئ بالأسوأ، وليس بتسوية ترعى مصالح الطرفين، بل من شأنه إثارة أكثر من علامة استفهام في لبنان: هل نية السوء هي التي قادت إلى طرح صيغة كهذه على لبنان؟ وهل الهدف منها الإيقاع بين اللبنانيين؟ وما معنى هذا التأخير ليصار من بعده إلى صيغة تسوية يدرك العدو والوسيط أنها سترفض؟
كيفما اتفق، إعلان إسرائيل نيتها استخراج الغاز من حقل كاريش مع بداية تشرين الأول المقبل، خلافاً للموعد الذي كانت قد حدّدته في بداية أيلول، من شأنه بحسب التقديرات الإسرائيلية ترحيل المواجهة مع حزب الله، وإن كان لا يلغيها بالمطلق. وهو ما يفسر استمرار استنفارها العسكري وإطلاقها التهديدات.
ويثير التأجيل علامات استفهام: هل هو تقني تحدث عنه عدد من الوزراء في المجلس الوزاري المصغر بعدما هدد حزب الله باستهداف الحقل؟ أم أن التأجيل على خلفية الأعطال التقنية جاء نتيجة قرب موعد تفعيل تهديد حزب الله؟ وهل يعني تأجيل الاستخراج تأجيل تفعيل التهديدات؟ وهل يكفي، وفقاً للاتفاق المزعوم، أن يفيد حزب الله ويفرمل اندفاعة تنفيذ التهديدات، بخاصة أن «الاتفاق» هو «تشاطر» واضح على خلفية النيات السيئة للعدو وللوسيط؟
تبقى الأسئلة، وبخاصة تلك التي تتعلق بإمكان التصعيد بلا إجابات كاملة إلى حين عودة «الوسيط» من إجازته حاملاً «الاتفاق» الذي تبلور بمعيته.
وتأجيل استحقاق الأول من أيلول إلى الأول من تشرين الأول، لا ينهي الترقب والقلق والاستنفارات المتبادلة بين الجانبين، ولا ينزع الإصبع عن الزناد، ويبقي الجانبين، حزب الله و«إسرائيل»، متوثبين كل وفق تقديراته عن نيات الطرف الآخر. هذه هي سمة الأسابيع المقبلة، التي ستشهد كما هو مقدر، «جرعة تذكيرية»، أو جرعات، ما لم يتخلّ الوسيط عن مماطلته المريبة، من دون أن يلغي ذلك إمكانات التصعيد في موعد الاستخراج الملغى، في الأول من أيلول. بخاصة أن الاتفاق المتبلور كما يرد من تل أبيب، ليس اتفاقاً.
– العمل على قلب التموضعات باعتبار أن «جرعة التذكير» أو أي استهداف للمنشآت الغازية الإسرائيلية، هو عمل مبادر إليه من قبل حزب الله، وليس نتيجة قرار منها باستخراج الغاز من كاريش، قبل تسوية النزاع مع لبنان. وهو ما يؤمن لإسرائيل، باعتقادها، مشروعية «الرد على اعتداء»، وليس الرد على الرد.
الأسابيع المقبلة قد تشهد «جرعة تذكيرية» من المقاومة ما لم يتخلّ الوسيط عن مماطلته المريبة
– إطلاق التهديدات بشكل مفرط، والتأكيد على أن رد إسرائيل في حال استهدف حزب الله أياً من أصولها الغازية، حتى وإن كان شكلياً، فإنها ستعمد إلى رد غير تناسبي، يؤدي إلى أيام قتالية، أو إلى حرب.
إعلان الجيش الإسرائيلي عن استنفار واستعداد لمواجهة، وصفها وزير الأمن بني غانتس بأنها قد تستغرق يوماً أو أياماً قتالية، أو حتى معركة، وهو استنفار يحرص العدو على تظهيره علناً مع استغراق الإعلام العبري في تغطيته وتظهيره، بما يشمل الاستنفار البري والبحري والجوي وسلاح الاستخبارات، وكل ذلك في خدمة هدف واحد: ردع حزب الله ومنعه من الاقتراب، مرة ثانية، من حقل كاريش.
الإعلان عن اتفاق ملغوم، يظهر إسرائيل أنها المبادرة إلى تسويات، رغم أنها ملغومة وتنسف كل المقاربة الرسمية في لبنان، وكل ذلك بهدف قلب التموضعات بينها وبين الجانب اللبناني.
لكن هل من شأن عمليات الاستعراض العسكري وتظهير القدرات والاستنفار، والوعيد بالأيام القتالية والردود غير التناسبية، وكذلك بعرض اتفاقات ملغومة، أن يجمد مبادرة حزب الله التذكيرية؟ والأهم، هل يجمد مبادرة حزب الله التصعيدية في حال قررت إسرائيل بدء استخراج الغاز من كاريش، بعد أن يرفض لبنان ما قيل في إسرائيل إنه «اتفاق»، وما أشير إليه في سياقات أخرى بأنه «اقتراح أميركي»؟