ميخائيل عوض
كثيرا ما نسمع اشادة بقدرات غزة في بناء منظومات الانفاق وتجهيزها واستخدامها وهي بكل حال عمل اعجازي نسبة لظروف غزة وطبيعتها ومساحتها وكونها تحت النار والرقابة والحصار وفي وجه عدو وتحالف عالمي غير المسبوق في تاريخ الامم والمقاومات.
فالأنفاق لاشك حصون منيعة قادرة على اتقاء شر الجيوش والطائرات والقنابل والصواريخ الارتجاجية. وقادرة على اخفاء الرجال وتيسير وصولهم الى اهدافهم في المكان والوقت المناسب.
لكن الحصون والقلاع والجدران والانفاق مهما كانت هندستها وعمقها ومساراتها هي اولا من صنع الانسان وانجزت بهمة وتصميم وعرق وصبر الرجال.
وثانيا هي تقانة بدائية منذ خلق الانسان وخاض الحروب والمعارك بدء مع الحيوانات المفترسة الى الحيوانات الناطقة من البشر الهمجيون والذين لا يعيشون الا على الحروب والدماء والابادة.
والانفاق حصون طالما ودوما استخدمتها الشعوب والمقاومات وطورتها هندسة واخفاء وتحسين واعماق فكانت وسيلة الفيتناميون للتخفي عن الطائرات الأمريكية والوصول الى قلب قاعدة ديان بيان فو وتحقيق الانتصارات التاريخية. واعدها السوفيت والانصار لحماية العائلات والمقاتلين والمصانع والسلاح ومعركة ستالين غراد وموسكو تتحدث عن نفسها بإباء. واتقنها واعدها الكوريون مدن وحواضر ومصانع لإتمام مقاومتهم.
واتقنها الافغان في مواجهة القوات السوفيتية ولاحقا الامريكية والاطلسية. وصنعها الفلسطينيون وكانوا من اوائل من انشأ الانفاق وهندسها كما في انفاق الناعمة في لبنان التي اعدت منذ عقود ولم تنجح اسرائيل برغم اجتياحها لبيروت ووصولها الى الانفاق من تدميرها للتخلص منها.
اذن؛ الانفاق حصون قديمة وملاذات للمقاومات والشعوب التي تقاوم ولم تكن مرة في ازمنتها تقاتل او تؤمن نفسها او تحمي من فيها.
الانسان هو صاحبها وصانعها والمستفيد منها والقادر على تأمينها لتؤمنه.
لماذا تكبير دور الانفاق ووظيفتها والتعامل معها انها جديدة في وسائط التخفي والتحصن واعتبارها سر غزة وقدرتها على القتال والصمود والصبر؟.
لماذا تجاهل دور الانسان وقيمته وعبقريته التي تبز كل شيء بما فيها الانفاق؟
علما ان الاهم والاثمن في تامين وقدرة غزة على اطالة الحرب واستنزاف إسرائيل ومعها كل قوى البغي والخيانة والتدمير في العالم.
الاهم والاكثر اهمية من الحصون والقلاع والجدران والانفاق والسلاح كل سلاح التقليدي والمتطور هو الانسان فالإنسان اثمن راس مال.
انسان ضعيف الايمان بقضيته وبحقه وحق شعبه.
انسان متشكك بالنصر ومرتهب من العدو وغير واثق بمقاومته وقيادته.
انسان مرتزق يقاتل مغصوبا بالقوة والقمع او بالمصلحة والاغراء.
انسان مهزم لا تحمية حصون ولا انفاق ولا تمكنه الارض وما فوقها وما تحتها.
انسان مهزم في قرارة نفسه او مضطر او ملزم لا يبذل العرق والجهد لإنتاج وهندسة واخفاء وتحصين الانفاق ولا يقاتل لتأمينها وحمايتها فتتحول الى عبء على المقاومة وتصير بيد العدو يحتمي وينطلق منها.
هذه تجربة الجيوش العربية وحصونها وانفاقها واسلحتها وخنادقها.
وهذه تجربة المقاومة لفلسطينية نفسها في الاردن ولبنان.
فبرغم ما امتلكته وفي زمانه يفوق بمئات الاضعاف مما امتلكته او تيسرت ملكيته لغزة ولم تسجل صمودا وقتالا اسطوريا ومتقنا ولو ظهرت حالات فردية بطولية ما يؤكد قيمة الانسان لا الوسائل والسلاح والحصون.
معجزة غزة واعجازاتها وعجائبها المسجلة والجاري تحقيقها وتسجيلها هي في الانسان.
الانسان الغزاوي اي غالبية اهل غزة اطفالها ونسائها وشيوخها وفتياتها وفتيانها ورجالها وقدرتهم الهائلة على التحمل والصبر والقتال
فالإعجاز والمعجزات هي نتاج انسان غزة المقاتل المشبع ايمانا وعشقا لفلسطين واندفاعا للشهادة. الانسان المؤمن بالنصر الموعود والواثق من قيادته واخلاصها وتمكنها وخبرتها وكفاحيتها.
غزة تعيد صناعة الأسطورة والاسطورة الغزاوية هي ناسها ومجاهديها وقيادتهم وحكمتهم ووعيهم وتصميمهم على القتال والنصر وتطويع الطبيعة والارض والسلاح لتحقيق الغاية بالتحرير وسيكون لها ما سعت اليه..
اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر وها هو يستجيب وسيكون لغزة نصر تاريخي ثمين وغير مسبوق و فرط استراتيجي وتستحق.
غزة تصمد وتقاتل وتنتصر بناسها ومجاهديها الاشاوس.
هي وهم الاسطورة والمعجزة.
وطوفان الاقصى والقتال المتقن والانفاق انجازات ومعجزات تسجل لغزة واهلها ومجاهديها.
(سيرياهوم نيوز ٢-الكاتب)