| إسماعيل مروة
الأحد, 29-08-2021
في غمرة ما نقرأ ونشاهد ونسمع من أحاديث هنا وهناك، من مسؤولين ومحللين، ومدّعين، وصادقين، ومدلّسين عن الوطن والمواطنة، حتى صار كل واحد يدعي معرفته بالوطن والمواطنة أكثر من غيره، وربما ادعى هذا أنه يعرف المقاييس، وكل من يشذ عن المقاييس فهو غير وطني! وهو خائن! وهو وهو.. وآخر يرى أن كل إنسان داخل سورية هو سلطة يجب أن تحاصر، وأن تجوّع، وأن يجري لها ما يجري فهي تستحق! والمواطن المستور الذي بثني همومه، وأتحدث نيابة عنه بناء على طلبه، فقد صرخ بأعلى صوته مستنكراً: أنا لا يعنيني كل من يتحدث من الخارج!
يعنيني فقط ما أنا فيه، يعنيني ما يقول المسؤولون التنفيذيون، يعنيني ما يتعلق بلقمة عيشي وحياتي، فقد سمع هذا المواطن تعليقات تافهة من كثيرين تقول: السوري بخير، فها هي المطاعم والمرابع والمصايف والفنادق والسواحل تغصّ بالناس، وتكاليف اليوم الواحد لا تقل عن مليون ليرة في أبسط الأحوال! فهذا الإنسان لا يعاني، ومعه الكثير، لكن هل جرب مسؤولونا أن يعرفوا مرتادي هذه الأماكن والمطاعم؟1
يتابع المواطن المستور بأنه يعمل على مدى الساعة، لا يتوقف عن العمل، وعمله يأتيه بالعوائد، ولكنه مع ذلك إذا فكّر وأتى لأسرته الصغيرة بوجبة جاهزة من أي محل متواضع فإن ميزانيته المستورة تفتضح! فأي صنف من الناس أولئك الذين يحجزون ويرقصون وينقطّون ويبذخون؟ وهل هم من يمثل كل السوريين؟
هنا لا أتحدث عن موظف، وإنما أتحدث عن مواطن مستور ليس لديه سيارة، فإذا ما ركب مسافة شارعين في دمشق دفع ربع ما يجنيه في الشهر، أتحدث عن مستور لو تناول وأسرته في اليوم كله سندويشة فلافل فإن مرتبه وعمله لا يكفيه عن عشرة أيام فما بالك بالغداء والعشاء.. أتحدث عن مواطن لا يرى الكهرباء وإذا ما جاء التيار لدقائق فإن الزغاريد تبدأ تعصف في جنبات الحارة من الأطفال والنسوة، وتبدأ عجلة الغسيل التي تصاب بخيبة أمل بعد خمس دقائق، ويبقى الغسيل حتى تنتن رائحته بانتظار دقائق أخرى..!
هل رأى المسؤولون التنفيذيون مثل هذه الحالات؟ ربما، لكن هل عاشوها؟ محال أن يعيشوها، وهذا المواطن المستور لو طلبت نفسه الدنيئة بسكوتة من التي كان يرفض تناولها لسوء صناعتها يكتشف أنه قادر على رؤيتها لا شرائها..
هذا المواطن المستور وقف لشراء فطائر جبنة رديئة، وعندما استغرب السعر الغالي قاله له البائع: في نهاية الشارع يوجد مسؤول يوزع رزماً من المال على الناس تعال لنذهب معاً! البائع على حق، والمستور على حق، بلع المستور ريقه ومش طاوياً بطنه على رغباته..!
المسؤول الذي نسأله عن الفقر والحاجة، فيحدثنا عن الانتماء والوطنية والصبر، هل رأى أغلب المسؤولين يقضون أوقاتهم متنقلين بين البلدان؟، وليس في مهام رسمية، وإنما على نفقتهم، بعض المسؤولين عندما يتم تكليفهم بالمسؤولية نستغرب، فهم غير متوفرين في الأسواق، فنسمع من أحدهم أنه يقيم في دبي أو الكويت أو ماليزيا، وجاء ليصبح مسؤولاً علينا، فكيف يشعر بهموم الناس؟ يأتينا متخماً بدروس عن الوطنية ومواصفاتها، ويطلب منا الصبر والمقاومة في مواجهة الحملة الشرسة التي نواجهها! نعم إنها حملة شرسة، لكنها تستمد شراستها من وجود هؤلاء الذين ينفصلون عن الناس!
كان صديقي المستور يقضي سحابة يومه، والعرق يتصبب منه من مكان إلى آخر، وكان فرحاً بما جاد عليه عمله، وهو يعلم أنه لا يكفي لعشاء فلافل، فما بالك بالشاورما..!
وقبل أن يذهب لشراء الفلافل كان في تجمع راق، هو يتصبب عرقاً، وكل المسؤولين كأنهم نزلوا بطائرات خاصة، وروائح العطر تفوح منهم.. سمع صديقي المستور المسؤول يقول لمن معه: إن الروائح غير طيبة، إنهم لا يستخدمون مزيل العرق!
فكر صديقي أن يذهب لشراء هذا المنتوج بدل العشاء الفلافلي فكانت المدينة قد أغلقت محلاتها..!
لكن المحلل كان يتحدث على الشاشة عن المواطن ودوره وضرورة تمسكه بمواقفه حتى النهاية، فلا حياة بلا كرامة.. وربطة عنقه أهداه إياها أحدهم، وربما كان المتأفف من عرق عافية الناس وكفاحهم.
لا كرامة لجائع يا هذا!!
والحديث طويل
(سيرياهوم نيوز-الوطن)