آخر الأخبار
الرئيسية » العلوم و التكنولوجيا » اقتصاد المعرفة..الشباب والمستقبل

اقتصاد المعرفة..الشباب والمستقبل

بقلم:د.سلمان أحمد رَيّا

يعتبر اقتصاد المعرفة (Knowledge Economy) رافداً معرفياً جديداً على صعيد النظرية الاقتصادية ، و أداة محورية في قياس قدرة الدول على حيازة أسباب التقدم .
ففي حين كانت الأرض ، و العمالة ، و رأس المال هي العوامل الأساسية في الاقتصاد القديم ، أصبحت الأصول المهمة في الاقتصاد الجديد هي : المعرفة الفنية ، و الإبداع ، و الذكاء ، والمعلومات . وصار للذكاء الاصطناعي المتجسد في برامج الكمبيوتر ، و التكنولوجيا في كثير من المنتجات أهمية تفوق أهمية رأس المال . و ظهر مفهوم اجتماعي جديد هو مفهوم مجتمع المعرفة . فاقتصاد المعرفة هو : الاقتصاد الذي يشكل فيه إنتاج المعرفة وتوزيعها واستخدامها المحرك الرئيسي لعملية النمو المستدام ، و لخلق الثروة و فرص التوظيف في كل المجالات .
إنه يقوم على أساس إنتاج المعرفة و استخدام ثمارها وإنجازاتها ، بحيث تشكل مصدراً رئيسياً لثروة المجتمع و رفاهيته . أي أنه ذلك الاقتصاد الذي تحقق فيه المعرفة الجزء الأعظم من القيمة المضافة ، و هذا يعني أن المعرفة في هذا الاقتصاد تشكل مكوناً أساسياً في العملية الإنتاجية كما في التسويق .
و من الناحية التاريخية هو القفزة الرابعة بعد “اكتشاف النار” و “الثورة الزراعية” و “الثورة الصناعية”، إنه “الثورة المعرفية” .
فالمنتج المعلوماتي قابل للاستنساخ ، غير قابل للاستهلاك ، قابل للنقل و قابل للمعالجة .
و أبرز خصائص اقتصاد المعرفة هي :
1 – العامل الرئيسي في الإنتاج هو المعرفة ، بعد أن كانت الأرض في الاقتصاد الزراعي ، و رأس المال في الاقتصاد الصناعي .
2- اقتصاد لا يعاني من الندرة بل هو اقتصاد الوفرة .
3- يسمح فيه باستخدام التقانة الملائمة بخلق أسواق و منشآت افتراضية تلغي قيود الزمان و المكان (التجارة الإلكترونية) .
4- يصعب تطبيق القوانين والضرائب على أساس قومي ( وطني) بحت .
5- إن مفتاح القيمة في اقتصاد المعرفة هو مدى تنافسية رأس المال البشري ، و لا يمكن نقل ملكية المعرفة من طرف إلى آخر عكس عناصر الإنتاج .
6- التركيز على اللاملموس كالأفكار و العلامات التجارية بدلاً من الآلات و المخزونات و الأصول المالية .
أما أبرز اختلافاته عن الاقتصاد التقليدي فهي:
1- تلاشي أهمية الموقع الجغرافي .
2- اختراق القوانين الضريبية و الحواجز على المستوى الوطني .
3- المنتجات و الخدمات المعرفية تحقق ربحاً أعلى .
4- التسعير و قيمة المنتج تعتمد على السياق و تختلف من شخص إلى آخر و من وقت إلى آخر .
5- المعرفة ضمن إطار منظم تفوق بقيمتها الجوهرية المعرفة غير المنظمة في رؤوس الناس .
6- رأس المال البشري هو أهم مكونات القيمة (الموارد البشرية).
*المجتمع والمعرفة
يتبين مما سبق توضيحه أهمية الموارد البشرية، و بالتالي أهمية الإنسان، و هذا يقودنا إلى القاعدة الأنثروبولوجية للاقتصاد، و التي تلعب دوراً مهماً في جميع الحضارات والعصور، لكنها لاتحتل مرتبة تليق بها كأحد المفاهيم الأساسية في الفلسفة، وهذا مايحدث إزاء “العمل”، فبينما نجده قد بلغ شأناً عالياً في الفكر الفلسفي الحديث، إلا أنه لم يحظَ في التراث بمكانة تليق به، ومرد هذا إلى علم الأخلاق الاجتماعي المألوف، حيث أننا نتساءل: هل يعني أداء مواطن الاقتصاد العادي لنشاط (عمل) مجرد بذل جهد فقط ؟
ألا يقدم له ذلك النشاط فرصاً هائلة على طريق تحقيق ذاته، بما في ذلك احترامه لنفسه واحترام الآخرين له، بحيث يندرج هذا الأداء تحت سماء مملكتين، هما مملكة الضرورة، ومملكة الحرية على حد سواء ؟ !…
لقد اعتادت الفلسفة السياسية، وعلم الأخلاق الاجتماعي على طي موضوع “مواطن الاقتصاد” في بحر النسيان، وإذا توجهنا نحو مفهوم المواطن الاقتصادي الكامل، أي المواطن الذي لايتولى أمر الجانب الاقتصادي فحسب، بل من الممكن أن يكون راعياً لمشروعات علمية وثقافية، عندها نتساءل:
هل ما يحفز هذا المواطن فقط سعيه لتحقيق نفع ربحي، أم أن طبيعة أخلاقيات مهنته لا يمتد مداها إلى مملكة تحقيق الذات؟. و هنا ندخل في تأملات فكرية حول كلمات السحر في حقل السياسة مثل العدالة الاجتماعية و غيرها، التي يكثر الاستشهاد بها ولكنها نادراً ما تتحقق! أو ينعكس أثرها بشكل جوهري !!
فهل سيبقى مدلولها الأبوي الخاضع لسلطة الدولة مستمراً على عهده دون تغيير تجاه المفهوم الأصلي الحقيقي لكلمة عدالة ؟ .
فحيثما تزدهر فضائل المواطنين الأخلاقية و مجتمع المواطنة، لن يمكث الكيان المجتمعي طويلاً عند المعنى الضمني للمفهوم الخاص بمصادر عامة يستخدمها المواطنون من أجل مصالحهم العامة في المجتمع على أنها سلطة عليا. كما أن البشر الذين يُنظر إليهم في المفهوم الدستوري فقط على أنهم مواطنون، ولكنهم في المفهوم السياسي الاجتماعي ما هم إلا رعايا، هؤلاء سيتحولون إلى مواطنين بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي سيصبحون مواطني دولة، يشاركون بإيجابية في تشكيل كيانهم المجتمعي، وسيتغلغل التغيير في بنية الكيان المجتمعي، و تفقد بعض المؤسسات الحق المقصور عليها، كما يفقد بعض أصحاب المناصب الرسمية أي احتكار للسلطة من قبلهم، نظراً لأنهم سيتقاسمون العمل مع المواطنين. وانطلاقاً من كون المواطنين إذ ذاك يتمثلون من خلال منظمات غير تابعة لسلطة الدولة التنفيذية، فإن النتيجة ستعني وجود مجتمع مدني (وطني) بمعنى مجتمع المواطنة، لابمعنى مجتمع المدينة. و هنا يتطور الكيان المجتمعي نحو التفاعلية، التي يشكل المواطن السياسي أو مواطن الدولة الذات الفاعلة فيها، تشارك في وضع برامج التطور الاجتماعي والاقتصادي والحضاري.
إلا أن وجود مواطني دولة ، حتى ولو كانوا على أعلى درجات الالتزام والمشاركة نحو مجتمعهم، لايكفي وحده لازدهار أي كيان مجتمعي، خاصة في عصر الثورة المعرفية، ونشوء نظام السوق الذي يعطي لبلدان “العالم الأول” الحق بالتوسع بلا حدود ، و اختراق مجال اقتصاديات الريف العالمي الأكثر ضعفاً، و تدمير برامج التطوير المحلية بحجة عدم ربحيتها في السوق. فالسوق يمكن أن تكون عامل ارتقاء، و عامل انحدار أيضاً.
فما هي علاقة السوق بالتقدم؟
تأتي الإجابة المبسطة المثيرة للشكوك: لتكن السوق أولاً، و بعد ذلك سيكون كل شيء على مايرام !!
و هنا نُذكّر البعض من منظري السوق أن التبادل في السوق قديم قدم العالم، و أن فينيقيا القديمة (حيث أكتب الآن)كانت مجتمعَ سوق؟!
فهل يعني هذا أنها كانت مجتمعاً حديثاً بكل سماته من رفاه وحقوق إنسان، وتعددية وتسامح بلا حدود!!!
إن انزياح الحداثة المحدد للعصر، من المجتمع الساكن إلى المجتمع المتحرك، لايتطابق في الواقع مع الانتقال الطبيعي إلى اقتصاد السوق. فالفارق بين السوق والتقدم يمكن تحديده بشكل أولي على النحو التالي:
السوق وسيلة إرضاء احتياجات الإنسان على أساس التبادل البضائعي، و التقدم وسيلة إكثار قدرات الإنسان على أساس المعرفة، و بعبارة أخرى: السوق كمفهوم ليس سابقاً في ثنائية السابق – اللاحق، بل لاحقاً، لأنه لابد من اكتساب قدرات جديدة لإنتاج الخيرات المادية، قبل أن يتم إرضاء حاجات الناس الجديدة.
لقد اكتسب المجتمع المعاصر الذي نشأ في فجر الحداثة الأوروبية في القرنين (15-16 ) هذه القدرات الجديدة على أساس التعبئة الاجتماعية – العملية للمعرفة العلمية، حيث انغرست المعرفة النظرية وسيطاً بين الإنسان كذات إنتاجية، و الطبيعة كموضوع إنتاج. و أصبحت هذه المعرفة مصدر تكنولوجيات صناعية و اجتماعية جديدة، و نشأت مفاهيم جديدة للمواطنة العابرة لحدود الدول –المفاهيم المختلفة للمواطن العالمي (الكوزموبوليتاني).
إن الطريق من الإنتاج البسيط إلى الإنتاج الموسع يمر عبر الربح الذي لايتم استهلاكه كله، بل تتم إعادة توظيف جزء متزايد منه في الإنتاج. و في نظام التقدم الاجتماعي فإن عموم هذا الربح، الذي يعاد توظيفه في الممارسة الإنتاجية ، هو معرفة علمية. فالعامل التقليدي كان يباشر عمله و في جعبته احتياطي من المعارف و المهارات لايفوق ماهو ضروري لتنفيذ العمليات الروتينية المكلف بها، أما الذات الإنتاجية المعاصرة فتباشر العمل و في جعبتها سلفاً معارف تفوق ما هو مطلوب في هذا الموقع و في هذه اللحظة.
فالمعارف الزائدة التي يشك البعض في حاجتنا إليها تشكل مصدر الدينامية الاجتماعية – الاقتصادية، و منبع قلق إبداعي مستمر، واحتياطاً لردم الفجوة بين الفرد و الموقف الإنتاجي.
و كما يصبح الجزء غير المستهلك من الربح في الإنفاق مصدر حركة رأس المال الباحث عن نقاط جديدة للتوظيف، كذلك تصبح المعارف غير المستهلكة في مكان العمل مصدر الثورات العلمية و التقنية، و الحركة الاجتماعية – الثقافية الشاملة للحداثة، التي لاتجد مايحقق رضاها النهائي في أي شيء.
إن حجم هذه الحركية قابل للقياس، فهو يظهر من خلال بناء علاقات معينة غير متكافئة هي “صيغ التقدم” .
لقد اكتشفت صيغ التقدم العلاقة غير المتكافئة بين الشرائح العمرية في المجتمع، فحيث تتميز الفئات المسنة بأنها ضمانة التواصل الاجتماعي الحضاري، و حامية الذاكرة، يتميز الشباب كفئة متجهة إلى المستقبل أكثر مما تتجه نحو الماضي.
و تؤكد الإحصائيات أنه كلما كانت المهنة أحدث من حيث المصنوعات، و أحدث من حيث الوسط العلمي – التقني، والفكري و المدني، كلما كان قوام المشاركين فيها مشاركة اختصاصية، أكثر شباباً، و بعبارة أخرى:
يمتلك الشباب في إطار “حضارة التقدم” رسالة خاصة لايمكن الاستغناء عنها، هي استيعاب الأنماط الجديدة في الوسط التقني – الإنتاجي، و الاجتماعي –الاقتصادي، و الاجتماعي – الثقافي.
فعلى المجتمع تفويض الشباب في مسألة الصدام المباشر في تحديات المستقبل، هذه هي رسالة الشباب.
(كم هو جميل أن تكون شاباً، فتملك الحق في تجديد الوسط، وتمتلك التفويض اللازم لذلك !!!).

(سيرياهوم نيوز4-خاص بالموقع)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ضحايا “الاكتناز الرقمي؟”!

قال خبراء: إذا كنت تجد صعوبة في حذف الرسائل القديمة، أو إذا كنت تشعر بأن هاتفك مليء بالملفات التي لا تعرف كيف تديرها، فقد تكون ...