أعلنت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، عن اكتشاف أول مقبرة تعود إلى العصر الحديدي في منطقة العين بالدولة، والتي يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف عام، ومن المرجّح أنها تضمّ أكثر من مئة مدفن مع مجموعة غنية من المقتنيات الجنائزية، ما يُلقي الضوء على فصل جديد وغير معروف سابقاً من التراث الغنيّ للدولة.
تُسلّط هذه الاكتشافات الجديدة الضوء على جهود دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، في تعزيز فهم تاريخ شبه الجزيرة العربية ومجتمعاتها القديمة.
وتُقدّم هذه المقبرة المحفوظة والموثقة بشكل جيّد من العصر الحديدي، لمحة نادرة عن الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمنطقة في مرحلة رئيسيّة من مراحل تطوّرها.
وشارك فريق متخصّص في دراسة العظام البشرية في عمليات التنقيب والحفظ لضمان التعامل مع المكتشفات وفق أعلى معايير العناية لأنّ كلّ المدافن المكتشفة حتى الآن تعرّضت لعمليات نهب وتخريب في العصور السابقة، ما أدّى إلى تلف البقايا البشرية وتضرّرها بشكل كبير، حيث عُثر عليها في حالة حفظ سيّئة وهشّة.
وستكشف التحاليل المخبرية عن معلوماتٍ تتعلّق بالعمر والجنس والصحة، ومن المتوقّع أن تسلّط تحاليل الحمض النووي الضوء على العلاقات الأسريّة وحركات الهجرة في ذلك الوقت.
ولعب العصر الحديدي دوراً محوريّاً في تطوير المناظر الطبيعية لواحة العين ومنذ حوالي 3000 عام، أدّى ابتكار نظام الفلج إلى استمرارية الاستيطان والتوسّع الزراعي الذي خلق مشهداً استثنائيّاً لواحات العين.
وقد اكتشف خبراء الآثار في منطقة العين، الذين يعملون في المنطقة لأكثر من 65 عاماً، مجموعة من القرى والحصون والمعابد والأفلاج وبساتين النخيل القديمة التي تعود إلى العصر الحديدي، ومع ذلك، ظلّ موقع مدافن ذلك العصر وعادات الدفن المتعلّقة به غير معروفة حتى وقت قريب.
وقال رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي محمد خليفة المبارك: “هذا الاكتشاف المهم يغيّر طريقة فهمنا لدولتنا القديمة ويسهم في رفع مستوى الوعي لدينا بعادات الدفن التي تعود إلى العصر الحديدي، ويقدم لنا أدلة ملموسة تقربنا من حياة ومعتقدات وتطور ثقافة السكان الذين عاشوا في هذه المنطقة قبل 3000 عام، كما وتعزّز هذه النتائج التزامنا بالحفاظ على تراث أبوظبي الثقافي وحمايته والترويج له، وضمان استمرار تاريخها الغني في إلهام الأجيال القادمة، ومع اكتشافنا المزيد عن ماضينا، فإننا نساهم في تعزيز هويتنا الثقافية ومشاركة قصّتنا مع العالم”.
لقد بُنيت المدافن من خلال الحفر بشكل عمودي بعمق مترين تقريباً، ثمّ الحفر بشكلٍ جانبي لتكوين حجرة دفنٍ بيضاوية الشكل بعد وضع الجثمان والمقتنيات الجنائزية في غرفة الدفن، يتمّ إغلاق المدخل بالطوب الطيني أو الحجارة ثمّ يتمّ ردم مدخل المدفن ويعزى عدم العثور على مدافن العصر الحديدي في العين إلى غياب علامات المدافن على السطح.
وعلى الرغم من عمليات النهب إلّا أنّ هناك بعض القطع الصغيرة من المجوهرات الذهبية التي أفلتت من انتباه اللصوص، والتي تُشير إلى ما قد تمّ دفنه من المقتنيات في السابق.
تشمل المقتنيات الجنائزية عناصر مزخرفة وغنية، تشكل جزءاً من “حزمة الحياة الآخرة”، التي تُظهر حرفية عالية الجودة في مجموعة متنوعة مثل الفخار، والحجر الناعم المنحوت، والأعمال المعدنية، تشمل مجموعات الشرب أوانٍ ذات فوهةٍ وأوعية وأكواب صغيرة، إلى جانب العديد من الأسلحة المصنوعة من سبائك النحاس، مثل رؤوس الرماح ومخابئ رؤوس الأسهم، وغالباً ما تظهر على هذه الأخيرة آثاراً من الخشب والخيوط المحفوظة التي كانت تُستخدم في توجيهها، ويبدو أنّ أحد الأمثلة يحتفظ بآثار الكنانة التي كانت تحتوي عليها.
كما عُثر على العديد من الأغراض الشخصية الأخرى، مثل حاويات مستحضرات التجميل الصّدفية، والقلائد والأساور المصنوعة من الخرز، والخواتم والمشارط.

وتمّ هذا الاكتشاف ضمن مشروع المناظر الجنائزية في منطقة العين الذي انطلق عام2024، للبحث في العدد المتزايد من مقابر ما قبل التاريخ التي تمّ العثور عليها أثناء الرصد الأثري لأعمال إنشاء السياج الحدودي، كجزءٍ من التزام دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بمواصلة البحث العلمي في مواقع العين المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
في عام 2011، تمّ إدراج المواقع الثقافية في العين على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، اعترافاً بقيمتها الاستثنائية المتميزة.
ويقدّم هذا الاكتشاف شهادةً على تطوّر ثقافات ما قبل التاريخ في المنطقة وإدارة المياه في مشهدٍ طبيعي يتميّز بالواحات والصحاري والجبال.
اخبار سورية الوطن 2_النهار اللبنانية