علي عبود
لم تتعلم الأنظمة العربية من دروس الماضي؛ ولا من تجارب من سلك نهجها؛ فهي على يقين تام إن لا تنمية ولا ازدهار ولا رفاه ولا بحبوحة لشعوبها؛ ولا ديمومة لحكمها “الابدي” إلا بالإرتهان للغرب المتوحش؛ وتحديداً الانصياع الكلي للآوامر الأمريكية!
ومع أن نتائج رهانها على الامال الكاذبة كانت محبطة جداً؛ وإنها كانت ولا تزال تعيش في اوهام لا صلة لها بالواقع؛ فإنها مصرة على خيارها الوحيد وترفض تجربة أي خيار آخر؛ كالاعتماد على إمكاناتها الذاتية واستثمار طاقاتها الفنية والبشرية؛ بل إن بعضها يتباهى بتصدير العمالة باختصاصاتها العلمية والماهرة والنادرة إلى الغرب..الخ؛ بدلا من زجها في مشاريع تنموية تعود خيراتها على البلاد والعباد.
من يتابع تحليلات “الليبراليين المتأمركين” يخرج باستنتاج أو خيار وحيد فقط: لا تنمية ولا ازدهار إلا بالارتهان للغرب!
طبعا؛ لدى هؤلاء “المتأمركين” أمثلة عن فشل الأنظمة التي اختارت التوجه شرقاً؛ وكيف تحولت إلى دول فاشلة غارقة في الفساد والكساد والتضخم والديون.. الخ؛ متجاهلين عمداً الحديث عن الأنظمة العربية التي ارتهنت لخيار الغرب الليبرالي المتوحش؛ فهي أيضاً من الدول الفاشلة تغرق في الديون وتعتمد كليا على المساعدات وفتات القروض الخارجية؛ وتعاني من ازمات مالية واقتصادية واجتماعية لا تقل خطورة عن مثيلاتها في الدول التي اعتمدت “إعلامياً” على خيار “التوجه شرقا”!
نعم؛ باستثناء الأنظمة الثرية جداً؛ فإن كل الأنظمة العربية سواء المعتمدة في نهجها الإقتصادي على العرب أو الشرق غارقة في الديون والأزمات؛ وتلهث وراء قروض هزيلة تعينها على تأمين مادون الحد الأدنى من مستلزمات حياة ملايين مواطنيها الذين يعيشون منذ عقود تحت خط الفقر؛ ومع ذلك تسمع قادة ومفكري ومنظري هذه الأنظمة يتحدثون عن أمال لن تتحقق وأوهام لن يرونها تتحقق حتى في أحلام اليقظة!
لقد بدأت مشكلات الأنظمة العربية ليس بفعل خياراتها الغربية أو الشرقية أو المزج بين الخيارين؛ وانما في الإعتماد الكلي على الخارج؛ أي إهمال الإمكانيات الذاتية لثرواتها وتحديداً البشرية؛ ومع أن بعض الباحثين كالمبدع ” نادر فرجاني” تحدث منذ تسعينيات القرن الماضي عن ” هدر الإمكانية” في الوطن العربي؛ فإن الأنظمة العربية مستمرة بإصرار وغباء مابعده غباء على هدر إمكاناتها والارتهان الاعمى إما للغرب أو الشرق؛ وترفض الإعتراف بعد عقود من هذا الارتهان أنها نعيش في آمال وأوهام كاذبة!!
وكما قلنا المسألة ليست في الخيارات؛ وانما الاستفادة منها باستثمار الإمكانيات الكامنة والتوقف عن هدرها؛ ولو أخذنا التعاون الروسي ـ الصيني أو التعاون الأمريكي ـ الأوروبي كمثال.. الخ؛ لاكتشفنا كم هي الأنظمة العربية مقصرة باستثمار خياراتها الكامنة لابيعها بأبخس الأثمان أو هدرها بلا مقابل!
لاحظوا أن الأنظمة العربية تعقد الآمال الكاذبة منذ عقود على استقطاب الاستثمارات الضخمة سواء من الغرب أو الشرق؛ ومع أنها ترفض أنها كانت تعيش في الأوهام فإنها مصرة على عدم إطلاق مشاريع تنموية صغيرة ومتناهية الصغر ومتوسطة قادرة على تأمين احتياجات شعوبها وتحقيق فائض للتصدير يدر على خزائنها مليارات الدولارات سنويا.
الخلاصة: أثبتت تجارب العقود الماضية إن أمريكا زعيمة المعسكر الأطلسي “الخيار الغربي” تحرص على إغراق من يعتمد عليها في التنمية وديمومة حكمه بالديون والأزمات المستعصية على أي حلول؛ وهي لا تضخ عشرات المليارات في أسواق اتباعها إلا إذا قبلوا بتنفيذ سياساتها التي تحقق مصالحها؛ كما أن المعسكر الشرقي “الخيار الشرقي” لن يضخ مليارا واحداً في أي دولة اختارها مجانا دون مقابل سياسي أو إقتصادي؛ وبالتالي بدلا من أن تعقد الأنظمة العربية الآمال الكاذبة على الشرق والغرب.. فلتنتقل من الأوهام إلى الواقع وتستثمر في ثرواتها الكامنة وإمكاناتها المهدورة،!
(موقع اخبار سوريا الوطن-١)