آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » الأبعاد الكونية والمسوغات الإتيقية في ” سهر الورد ” للروائي السوري نضال الصالح.

الأبعاد الكونية والمسوغات الإتيقية في ” سهر الورد ” للروائي السوري نضال الصالح.

د.وليد خالدي

تحت وطأة صروح الكتابة الإبداعية، يتجدد بنا اللقاء مع الناقد والأديب السوري نضال الصالح مع روايته الموسومة بـ ” سهر الورد ” كعمل تالٍ لروايتيه “حبس الدم” و”خبر عاجل” وهي رواية صادرة عن دار الآن ناشرون وموزعون بعمان/ الأردن، في طبعتها العربية الأولى 2022م، والعمل الفني في جوهرانيته، يؤكد على تلك الكتابة السردية المشحونة بمختلف الأحاسيس والمشاعر والانفعالات، بما تنضوي عليه من نصوص رمزية وإشارية، وأساليب تعبيرية متنوعة، حيث تتأطر ملامحها الخصبة في ظل استيعاب التحولات والمتغيرات الطارئة، نتلمس حيثياتها على مستوى الوقائع والأحداث والشخصيات، من خلال إبراز أهم المشاهد تحت حواف عملية الحكي وآليات السرد، وهي مشاهد يتداخل ويتشابك فيها الواقعي بالصوفي، والتاريخي بالخيالي، وما له علاقة بالحرب والحب وغيرها. وتأسيسا على ذلك، فإن العمل الإبداعي يجسد خطوطه العريضة كل من يحي المسلم الحامل لشهادة الدكتوراه في الهندسة، والدكتورة سهر الورد المسيحية المتخصصة في مجال الأنثروبولوجيا، وعلاقة الحب التي كانت تجمعها معا، حيث اتخذ الروائي من شخصية يحي المسلم في علاقته مع سهر الورد المسيحية قناة حاملة لترسانة من الرسائل المفعمة بالروح المنتصرة لإنسانية الإنسان، لأن هذا المستوى من التفكير لا يرتبط ارتباطا وثيقا بالصراعات الأيديولوجية على اختلاف مشاربها، وتبعا لذلك، فإن هذا النموذج يسعى إلى تهذيب الوحشية الإنسانية الراديكالية، بالانتقال بها من مواطن الانحطاط والتخلف إلى مواطن التسامي والتعالي، أي بمغادرة المنظومة التي تؤدي إلى تحطيم القيم الإنسانية الكبرى، يقول الراوي ” أي معنى للحياة إذا لم يكن المرء نفسه، إذا لم يكن حرا!، الحرية شرط إنساني، ضرورة لإنسانية الإنسان، ما أجمل عبارة الكواكبي: الحرية هي شجرة الخلد “. فالكاتب يطمح في سرده إلى ترتيب سلم القيم، بإعادة النظر في الموروثات السابقة، إذ لا يكتفي الكاتب بمجرد الإشارة إلي القضايا والموضوعات ولفت الانتباه لها، بل يسعى من خلال نصه أن يقيم محاكمة تحقق لنا العدالة الاجتماعية، وهي أرقى اللحظات التي تبنى عليها العلاقات الإنسانية الصافية، وهذا الصفاء داخل عوالمه كما يرومه الروائي نضال الصالح الإطاحة بالصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية والممارسات القمعية، التي حوّلت حلب وما جاورها من مدن عريقة إلى حمام من الدماء، يقول السارد على لسان يحي بضمير المتكلم مخاطبا الدكتورة ورد ” كتبت لك كثيرا هذا اليوم، ولديّ الكثير مما لم أكتبه، وأعدك بأن أفعل في حال لم ألحق بمن سبقني من أبناء حلب إلى الموت بسبب هذه الحرب، بتفجير، أو قذيفة، أو طلقة من قناص قيل له إن كل رصاصة من بندقيته تقربه إلى الجنة، وتزيد من عدد الحور العين اللواتي يتهيئن، منذ وطئت قدماه أرضنا، لاستقباله “. كما أن الروائي على مستوى المقومات البنائية والجمالية، اشتغل على المرجع التاريخي كلبنة أساسية للتأمل والفهم والتأويل، وتجدر الإشارة إلى شخصية الشهيد شهاب الدين السهروردي، وتاريخ حلب العريق، وما تتعرض له اليوم في وقتنا الراهن، من خراب ودمار واعتداء وموت، بهذا المعنى، يتشكل أفق الحاضر بانصهاره مع أفق الماضي، بما يحمله هذا الأخير، من تجارب إنسانية غنية وثرية بالأحداث المتباينة والشخصيات المتنوعة، ويتأكد هذا واقعيا، في المقطع السردي الآتي ” البلد الذي ينوء معظم مؤسساته تحت وطأة الملوثين بشهوة البحث عن الجاه والمال والنساء بأي وسيلة كان الطريق إلى ذلك، ومهما يكن من أمر عبورهم إلى أي من تلك الثلاثة على جثث الآخرين، والسباحة في نهر الدم الطافح من هذه الجثث.. حتى لكأن ثمة لعنة مكتوبة على هذه البلاد، أن ينهشها الفاسدون، والأقزام، واللصوص، والقتلة باسم السماء، من كل حدب وصوب ” والرواية انطلاقا من النص، تحمل في أحشائها دعوة صريحة في استهجان الحرب على مستوى الخطاب والممارسة، فالوظيفة الأركيولوجية من قبل الكاتب مسكونة بهاجس المكان حلب، بقدر ما هي علاقة تفاعلية تتسم بالالتصاق والتلازم، وهو عنوان لفضاء مفتوح على العوالم الخارجية، والشيء اللافت للنظر، أن ثيمة هذا الفضاء الممتد أو الموغل في القدم، اتخذه الكاتب مساحة للاشتغال كرمز حامل لثنائية الموت والانبعاث، وبالمعنى الدقيق، فإن الروائي أو المبدع بصفة عامة، يلجأ لمثل هذا التوظيف لما للمكان من دلالات عميقة، والأمر راجع بدون شك، إلى الجوانب المتعلقة بالهوية المرسخة لجذر الانتماء، لا بوصفه رقعة جغرافية محضة، وهذا ما يفسر لنا تلك العودة للكتاب والأدباء ” فتراهم دائمي الحنين، والتوق إلى ذلك المكان يصورونه فيما يكتبون، ويتلذذون بذكره، وذكر ما يتصف به من صفات تشير إلى ما يؤمنون به ويفضلونه على غيره، وعلى سائر الأماكن، والأشياء ” على حدّ تعبير إبراهيم خليل. من هذا المنطلق، فالعمل السردي يؤثث لمنطق الاختلاف الباني، وبعبارة أخرى، لا بد للجوانب الإتيقية أو الأخلاقية أن تلعب دورا كبيرا في حل الأزمة، من خلال تجاوز كل أنواع التطرف والتعصب والإقصاء التي تتسلح بها الجهات المتضادة، فالكاتب يرى أن الجوهر الإنساني والوجود الاجتماعي؛ ينتعش في حاضنة الحياة المناهضة لإمبريالية المعنى وجمود الفكر وانتهاك الحقوق والنرجسيات المتعالية، وبتعبير آخر، مناهضة الحرب على الآخر، باسم العقائد والمذاهب والإيديولوجيات على حد قول علي حرب، والمبتغى الأساسي، ينحو، في المقام الأول، على أن يتوفر على كل مقومات الأخلاق العالمية، بغض النظر عن اللون والجنس والعرق والتراتب الطبقي السوسيولوجي، وفي مطلق الأحوال، نجد أنفسنا أمام مواطنة كونية، بالمفهوم الذي أشارت إليه سيلا بن حبيب Seyla Benhabib، ومن الواضح، في أن الرواية من هذا المنظور، تشيد بالمنطق المتبع لخصوصية التنوع والتعدد والاختلاف، بوصفه تفكيرا يراعي قواعد السلوك الإيجابي، الذي لا يلغي وجود الآخر، والحالة هذه، تحيلنا إلى موقع الذات في مشاركتها الفاعلة في تحقيق الفهم المتبادل، وعبر تجلياتها الحضارية تعتمل في سياق، يوسع من مساحة التسامح ودوائر الاختلاف ومسارات التعايش، عبر أفق كوني مغاير، يتسع لكل الصور والمعاني والدلالات داخل الوجود الإنساني.

(سيرباهوم نيوز6-الأمة 10-11-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ديبلوماسية «البيكيني»… للترويج للصهيونية

غادة حداد   بعد عام 2000، عملت الحركة الصهيونية على تغيير صورتها، بسبب النقمة عليها بعد انتفاضة الـ 2000، وما رافقها من جرائم إسرائيلية بحق ...