عماد عبيد
كثر هم الأصدقاء الذين يحتلون في قلبك مكانا قبل أن تنضج الظروف ، تراه سلسا منداحا بعفوية و أريحية ليدخل قلبك دون استئذان ، هكذا كان واقع الحال واللقاء مع أبي سنان الاديب محمد عزوز في منزله بمدينة سلمية في ريف حماة.
تعرفت عليه في تلك الزيارة فقط ، زرناه في ذلك البيت الأشبه بمركز ثقافي صغير ، حينما تدخل إليه ، تطالعك على اليسار غرفة تأسرك فورا حينما تنظر إلى تلك المكتبة العامرة بأمهات الكتب ، تكاد تختفي الجدران هنا ، وتلحظ أناقة الترتيب والتبويب لتلك الكتب .
أبو سنان شخصية ثقافية بامتياز ، وضعت نصب عينيها بناء الفكر ، وكرست حياتها في هذا الإطار ، الحديث معه حذر ، والحديث عنه مهابة ، ولا يمكن من خلال وقت أقل من ساعتين أن أبني تصورا عن شخصية بهذا الحجم ، خاصة وأنني لم أقرأ له بعد .
ولكن الحوار الجدلي الذي أخذ كامل الوقت ترك لدي انطباعات للإلمام ولو قتاتا بشخص قررنا أن نكون معا أصدقاء.
أبو سنان ثمرة ناضجة حد الاستواء ، صالحة لكل الفصول ، يمتاز بتجربة حياتية وثقافية واضحة المعالم ، والثقافة والفكر لديه امتزجا مع زمرته الدموية ، بل هي حالة تنفس دائم ، حتى أضحيا إطارا لمجمل حياته ، ثقافته تمتد أفقيا وعموديا بأن معا ، فهو نشيط لدرجة أنها تسيطر على مجمل وقته ، باحث في التاريخ و متبحر في جوانبه ، قاص رفيع الرؤية و سياسي منفتح على كافة الاتجاهات .
محاور متميز يملك فن الإصغاء مثلما يملك فنون الإقناع و الحوار ، يقبل الأخر كما هو عليه ويريده شريكا مهما كان هذا الأخر ، لا يتمترس وراء أية أفكار مسبقة الصنع ، جريء في الطرح ، ومهذب في التعامل ، مشروعه السياسي أعرض من أن نؤطره في خندق واحد ، هو رجل علماني ولا ينفي الأخر ، متشعب المرجعيات ، يمنع أية إيديولوجيا أن تحتويه ، لكنه يقطف الباقة الأجمل منها جميعا ، لتجتمع لديه أرضية الفكر الحر المنفلت من تقليديته أو أصوليته أو شموليته ، ولكن ضمن ضوابط وأسس وثوابت ذات مصداقية تاريخية وإنسانية.
ما علمته عن أبي سنان أنه شخصية ثقافية مرموقة في السلمية ، ووجه حاضر دائما في المناسبات الثقافية ، ويقود مجموعة ثقافية في إطار تجمع أو جمعية .
بيته كما قلت تحول إلى مركز ثقافي مصغر ، يؤمه الأصدقاء ، يتحاورن، يتسامرون ، يستعيرون الكتب ، حتى أنه لديه ملف خاص بالكتب المعارة وأسماء مستعيريها .
يعيش حياة أسرية هادئة و منفتحة ، ففور وصولنا حضرت زوجته (ام سنان ) وبادرت بالترحيب وجلست معنا ولم تبخل بالضيافة والاحتفاء .
أبو سنان رجل كلاسيكي في حياته ، أناقته ، تواضعه ، حتى في ثقافته فالثقافة الممتدة في جذور التأريخ و التراث و الفكر تطغى على إفرازات الثقافة الحداثوية لديه ، وإن كان لا يقاطعها ، لكن يطلع عليها تماما كأب يراقب ابنه المدلل.
شغفه بالثقافة جعلها لديه هاجس دائم ، فهو دائم النهم تجاهها ، و يرتب وقته بدقة للاستفادة من كل لحظة قد تأتيه بجديد .
االملامح العريضة لشخصيته هي الوداعة ، الطيبة ، الكرم ، التواضع ، و حب التواصل مع الأخر ، مسالم ، وهادئ ، .
(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتب)