بقلم:د.سعد الله آغا القلعة
قبل أيام توفي أخٌ وصديقٌ عزيز هو الأستاذ الأديب والشاعر عصام الحلبي رحمه الله. التقيته لأول مرة في منتصف الثمانينات. كنت قد انتهيت من إلقاء محاضرة في مكتبة الأسد الوطنية عن العلاج بالموسيقى عند العرب ، عندما اقترب مني مهنئاً ومعرفاً بنفسه ، وداعياً لي لحضور صالونه الأدبي الأسبوعي. وهكذا بدأت صداقة عمر ، أغنتها صفاته النادرة ، وفاءً و إخلاصاً وصدقاً واستقامة.
بقيت نشاطاته المتنوعة بعيدة نسبياً عن الأضواء ، لتواضعه الجم. ورغم أنه كان من رواد السياحة في سورية ، مع ما يعني ذلك من عمل على مدار الساعة ، فقد كان صالونه الأدبي الأسبوعي مساء كل سبت ، فضاءً حافلاً بكل ما يغني الثقافة والأدب والشعر والفن. كان يحضر هذا الصالون الأدبي أدباء ومفكرون سوريين كبار ، فأنت تلتقي فيه بشاعر سورية الكبير عمر أبو ريشة ، أو بأديبها الفذ الأستاذ شاكر مصطفى ، أو بدبلوماسييها الكبار كالأستاذ عبد الله الخاني والدكتور صباح قباني والدكتور رفيق جويجاتي، فيما قد تلتقي أيضاً بإعلاميين مخضرمين كالأستاذ مروان شاهين ، أو بأدباء مقتدرين كالدكتور عبد السلام العجيلي و الدكتور بديع حقي و الأستاذ سعد صائب ، والدكتور احسان النص ..والقائمة طويلة.
في هذا الصالون الأدبي ، الذي كان يعتمد في نهاية كل لقاء تحديد موضوع اللقاء التالي ، والمتحدث الأول فيه ، ما يترك دائماً في النفس ترقباً لمعرفةٍ آتية ، استمعتُ و تابعتُ وشاركتُ وأغنيتُ مناقشات ٍمازالت حية في الذاكرة ، وعبر كتب الأستاذ الحلبي التي حفلت بالمقارنات ، قرأتُ عن المرأة بين عباس محمود العقاد ونزار قباني ، وعن المتنبي بين سيف الدولة وكافور ، وعن عمر أبي ريشة كما عرفه ، إذ جمعتهما صداقة وطيدة ، و عن فارس الأدب والتاريخ شاكر مصطفى ، كما قرأت ديوانه الشعري ” حديث السمر ” ، الحافل بصور شعرية مبتكرة ، صيغت وفق بحور الخليل ، فيها الغزل العفيف ، و فيها الرثاء الوفي لأصدقاء رحلوا قبله.
أستطيع أن أقول أخيراً أن رحيل الأستاذ عصام الحلبي ، رحمه الله ، وغياب صالونه الأدبي ، حوَّل في لحظة ، واقعاً ثرياً قابلاً للإغناء أسبوعياً ،كان معاشاً على مدار اللحظة منذ عشراتٍ من السنين .. إلى ذكريات .. حاضرة ؟ نعم .. ولكنها لم يعد لها مستقبل!
(سيرياهوم نيوز -صفحة الكاتب١٨-١-٢٠٢١)